كريستيان لوزي طاه ألماني بنفس متوسطي

«فيشرز فريتز» المطعم الوحيد الذي يحمل نجمتي ميشلن للعام الـثالث على التوالي في برلين

الطاهي كريستيان لوزيه في مطبخه في «فيشرز فريتز» وطبق الكركند مع الهليون والصلصة الحارة و جانب من المطعم الراقي
TT

يفتخر سكان مدينة برلين بتوفر عدد كبير من المطابخ العالمية في مطاعم جذابة تمزج ما بين تقديم الأكل الجيد والأجواء والديكورات المميزة. ويلعب موقع المدينة الجغرافي في وسط ألمانيا دورا مهما يسهم في تنوع المأكولات والاستعانة بمطابخ البلدان الأوروبية المجاورة، وفي الوقت نفسه يسعى الألمان للمحافظة على المأكولات الألمانية التقليدية والمحلية.

وعلى الرغم من توفر عدد كبير من المطاعم الشهيرة في برلين، فإن حصول تلك المطاعم على نجوم ميشلن للتميز لا تزال خجولة بعض الشيء، وينظر إلى المطعم أو الطاهي الحاصل على نجمة ميشلن على أنه إنجاز يحتذى به، والدليل على ذلك هو صيت وشهرة الطاهي الألماني كريستيان لوزيه رئيس الطهاة في مطعم «فيشرز فريتز» في فندق «ذا ريجنت»؛ لأنه الطاهي الوحيد الذي يحمل في جعبته نجمتي ميشلن للتميز للعام الثالث على التوالي، وهذا الأمر يجعل منه أيقونة حقيقية في عالم الطهي في برلين، بحيث ينظر إليه على أنه فنان في مطبخه، ويقصد مطعمه نخبة المجتمع في برلين، ويجذب المطعم عددا كبيرا من الذواقة الذين يأتون إلى برلين خصيصا لتذوق المأكولات التي تضم غالبيتها ثمار البحر والأسماك من توقيع لوزيه.

التقت «الشرق الأوسط» الطاهي كريستيان لوزيه، وعرَّف نفسه بأنه طاه عادي جدا، يفتخر بأنه استطاع بأن يجعل من مطعم «فيشرز فريتز» عنوانا للنخبة والذواقة، إلا أنه بدا متواضعا جدا.

وعلى عكس الطهاة العالميين الآخرين الذين يستهلون كلامهم عن حياتهم ونشأتهم، فإن لوزي بدأ كلامه بحبه للطعام، وسعادته عندما يتفاعل الزبائن معه، فهو يحرص على الخروج من المطبخ للقاء جميع الزبائن خلال أو بعد تناولهم الأطباق، ويبرر لوزيه ذلك بأنه من المهم جدا سماع رأي الزبائن، لا سيما إذا كانوا في مستوى زبائن «فيشرز فريتز»، فالمعروف عن هذا المطعم أنه مرتع للذواقة، فلا يمكن الاستهانة بذوق وخبرة الزبون في الأكل.

ويقول لوزيه بأن سر نجاح أي طاه في أي مطعم في العالم هو حبه لعمله والذكاء والابتسامة المرافقة في تحضير أي طبق، والاستماع دائما للنقاد المحترفين ونقد الزبائن العاديين، فهم الحكم ويجب التنبه لمسألة الاعتراض وعدم إبداء الامتنان من أي طبق، فهذا يعني بأن هناك مشكلة في مكان ما يجدر على رئيس الطهاة حلها أو على الأقل التحقق منها، وعدم غض الطرف عنها.

وعن المأكولات التي يحضرها، وصف لوزيه أطباقه بالبساطة والنوعية، تعتمد على المكونات الطازجة التي يقوم بإحضارها من مزارع خارج برلين، فهو يحرص على اختيار جميع المكونات من لحوم وخضراوات وبهارات بنفسه، فعندما تتذوق أطباقه سوف تشعر وكأنك تأكل طبقا متوسطيا أو شرقيا أو حتى شمال أفريقي، وأجاب لوزيه عن السبب في ذلك بتأثره بالمطبخ المتوسطي والمطبخ الشمال أفريقي فهو يعتمد دائما على استخدام البهارات من تلك المناطق، ويخلق تزاوجا مميزا مع النكهات الأوروبية، ولكن في الوقت نفسه يبتعد عن المطبخ «الانصهاري» أو ما يعرف باسم الـ« «Fusionمعللا ذلك بأن هذا المطبخ من شأنه أن يضلل الزبون، وتعالت هنا ضحكته قائلا: «وحينئذ يجب تغيير الاسم إلى (Confusion) أي (ارتباك)»، فلوزيه كان مرتبطا بفتاة من شمال أفريقيا وتأثر من خلالها بالمطبخ المغربي، وهذا التأثير واضح في أطباقه التي تتميز بنكهات قوية وطريقة تقديم لافتة.

المأكولات التي يحضرها لوزيه تعتمد في 70 في المائة منها على الأسماك التي يتم إحضارها من «بريتاني»، مشيرا إلى الصعوبة والتعقيدات التي ترافق تحضير أطباق السمك، فلا يجوز أن تستغرق عملية نقل السمك من مكان إلى آخر أكثر من 16 ساعة، وأضاف لوزيه بأنه يسعى دائما إلى التنويع، والعمل على ابتكار أطباق أخرى للابتعاد عن التكرار، فهو يقوم بتغيير لائحة الطعام بحسب الفصول، لأنه يهتم دائما بأن تستعمل المكونات في مواسمها الأصلية، فهو يعول على المكون بنسبة 90 في المائة، في حين تلعب نسبة 10 في المائة فقط على التحضير.

وعن نجوم ميشلن التي حصل عليها واستطاع الحفاظ عليها، يقول لوزيه إنه ممتن جدا لهذه النتيجة، إلا أنه لا يعمل تحت أي ضغط، فهو يسعى دائما للمحافظة على مستوى أطباقه، بغض النظر عن حصوله على النجوم أو لا، والفضل في ذلك ليس له وحده، إنما للزبون في المقام الأول، والفريق الذي يعمل معه، وعدد أعضائه 45 شخصا، وهؤلاء الأشخاص هم العمود الفقري للعمل وللمطبخ.

واصطحبني لوزيه في جولة في المطبخ في وقت الذروة لتقديم العشاء، وبدا المطبخ، على الرغم من مساحته الكبيرة، كخلية نحل، يعمل فيها الطهاة والمساعدون بتناغم وتناسق، بعيدا عن الصراخ والتزمر والعصبية، ويقول لوزيه إن العلاقة التي تربطه بزملائه العاملين معه في المطبخ مهمة جدا، فهو يحرص دائما على الخروج معهم وتناول الطعام معهم، والتعرف عليهم من ناحية شخصية، لأنه يعتقد بأن العلاقة الطيبة ما بين الرئيس والمرؤوس تؤدي إلى نتائج إيجابية جدا، تنعكس على جو العمل وأداء الموظف.

وقال لوزيه إنه يتعرف في كل أسفاره على مأكولات البلد الذي يزوره أو الذي يعمل فيه، ففي دبي تعلم كيف يتعامل مع المأكولات في ظل حرارة مرتفعة، ووصف النكهات الشرق أوسطية بطعم الزهور، وهذا يختلف عن المذاق الأوروبي، فهو يسعى أن يتعلم كيفية تحضير الأطباق التقليدية في كل بلد، فهو يتقن تحضير الأطباق الروسية، والفضل يعود إلى سيدة مسنة كانت كأم له، كانت تعلمه فن تحضير الأطباق الروسية الشهيرة، وهذا الشيء يساعده في عمله في برلين، لأن نسبة الزوار الروس كبيرة جدا.

ويقول لوزيه بأنه يعتمد مقولة: «الزبون دائما على حق»، لذا يسعى دائما إلى إسعاد الزبون ولو كان طلبه غريبا بعض الشيء، وأعطانا مثالا على ذلك: «هناك زبون يأتي إلى المطعم بانتظام يطلب في بعض الأحيان أن يكون الخبز محروقا، فأنا ألبي طلبه من دون أي مجادلة، فطالما كان الزبون ممتنا، أكون أنا سعيدا».

الطبق المفضل لدى لوزيه هو قطعة من خبز «البريوش» محمصة مدهونة بالزبدة، وعليها طبقة من المربى، فهو يفضل المأكولات البسيطة، وأفضل مطعم في نظر لوزيه هو مطعم «روتز»، و«هوت سبوت» في برلين، و«لا كوبول» في فرنسا. ويحب تحضير جميع الأطباق بما فيها أطباق الحلوى، إلا أنه يكره تقطيع الخضراوات إلى قطع صغيرة جدا، لذا يطلب دائما من مساعديه تولي هذه المهمة التي تتطلب الكثير من الصبر.

وعن الأصدقاء، يقول لوزيه إنه يفضل عشرات الناس العاديين وليس الطهاة، لأنه يفضل الحديث عن أشياء غير الطبخ والمطبخ في أوقات فراغه، فهو محب للحياة، ويعتقد أن الحياة قصيرة جدا، ولا يجب تمضية معظم وقتك في الحديث عن العمل.

لوزيه لا يتأفف من تحضير الطعام في المنزل الذي يعيش فيه مع صديقته البلغارية، ولو أنه يعتقد بأن المرأة أفضل من الرجل في ما يخص العمل في المطبخ وتحضير الطعام، ويعلق على سؤال «الشرق الأوسط» عن سر نجاح الرجال في مضمار الطهي على الرغم من أن الطهي يلازم المرأة والزوجة، فقال لوزيه إن المرأة هي طاهية ماهرة بالفطرة، لأن المرأة تهتم بالتفاصيل، ولديها بال طويل، وهي بطبيعتها صبورة، وهذه هي الصفات التي يتمتع بها الطاهي بشكل عام، إلا أن الرجل تفوق على المرأة في هذا المجال، وأصبح عدد الطهاة الرجال أكبر بكثير من عدد النساء، لأن المرأة تصبح أما، ولا تستطيع أن تقوم بتحضير المأكولات بالمستوى العالي المطلوب، وتكون في الوقت نفسه مسؤولة عن أشياء أخرى كثيرة في المنزل، وتتحمل مسؤولية الأطفال أيضا.

* ولد كريستيان لوزيه في عام 1967 في مدينة هانوفر الألمانية، ويعمل حاليا كرئيس الطهاة في مطعم «فيشرز فريتز» في فندق «ذا ريجنت» الراقي في وسط برلين.

انضم إلى العمل في الفندق مع انطلاق المطعم في عام 2006، واستطاع بعد عام من العمل الحصول على نجمتي ميشلن، ليصبح بذلك الطاهي الوحيد الذي يحصل على نجمتي ميشلن في برلين، كما حصل أيضا على 18 نقطة «غولت ميلو».

عمل لوزيه في عدد من أهم المطاعم في العالم، مثل مطعم «مارك مونو ليسبيرانس» (3 نجوم ميشلن) في فيزيلي بفرنسا، وعمل أيضا كطاه شخصي للسلطان بروناي في فندق الدورشتستر في لندن، وعمل في «شوارزر هاهن» في دايديشايم، وتتلمذ على يد شارل باريي في مطعم «تورز» في باريس، وفي مطعم غي سافوي في باريس. وبدأ تعليمه على يد جان بيار بيلو في مدرسة الطهي في مدينة ديجون الفرنسية.

كان ينوي دراسة التاريخ والفرنسية، إلا أن حبه للطهي في سن مبكرة، دفعه إلى اختيار دراسة الطهي. كريستيان لوزيه يكره التكرار، لذا لم يجد نفسه في مجال تعليم الطهي، واكتفى بتعليم شخصين في كل مرة، واعتذر لإدارة المطعم عن مهمة التعليم في دروس خاصة للطهي، لأنه لا يحب أن يكرر نفسه.