التبولة و«أخواتها».. تشابه في المكونات وتميز في المذاق

يتفنن أبناء القرى اللبنانية في ابتكار أنواعها المستوحاة من الطبق الأصلي

طبق من التبولة التقليدية
TT

ليس جديدا القول إن التبولة تأتي في سلّم أولويات المائدة اللبنانية بألوانها ومكوّناتها التي تنتج مجتمعة طعما فريدا لا يمكن الاستغناء عنه مهما تعدّدت أنواع الأطباق المنافسة وتنوّعت. لكن حضور هذا الطبق الذي يعتبر من عائلة السلطات لاعتماده على الخضار، لا يعني تجاهل ما «تولد» منه من أطباق قروية لبنانية مشابهة له، إذ تفنّن الأجداد في ابتكار أنواع جديدة لا تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا، ولا سيما في أوساط أبناء هذه القرى وخصوصا في جبل لبنان. بعض هذه الأنواع بقي محافظا على الاسم الأصلي مع إضافات بسيطة والبعض الآخر اختلف في الاسم وتشابه في المكونات، ولكن تبقى جميعها منضوية تحت راية «التبولة وأخواتها» التي تتنوع بحسب الطقوس الغذائية وعادات كل قرية لبنانية وفقا لأنواع الخضار الموسمية التي تسهل عملية تحضيرها.

ولأن التبولة الأصلية تبقى الأساس الذي تبنى عليه ابتكارات أطباق أخرى، فكذلك تبقى متممات التبولة ثابتة من دون تغيير جذري وإن اختلفت مع اختلاف المواسم. ويأتي ورق العنب ليكون، في بداية كل صيف، المكمل الأساسي لكل طبق تبولة ليقوم بدور الخبز، بينما يستعاض عنه في الفصول الأخرى بورق الخس أو ورق الملفوف المسلوق.

فـ«تبولة العدس»، مثلا، التي يحضرها أبناء القرى في المناطق الجبلية، لا تختلف عن طبق التبولة الأصلي إلا في إضافة العدس إلى مكوناتها، وذلك بعدما يتم نقعه في الماء لساعات معدودة قبل أن يضاف إليها. كما العدس، يشارك الحمص البرغل والمقدونس والبندورة والبصل الأخضر والنعناع في مكونات ما يعرف بـ«تبولة الحمّص»، التي لا تشذ عن قوانين التبولة الأصلية إلا بإضافة الحمص المنقوع أيضا لساعات طويلة، ليكون جاهزا للأكل بورق الخس أو ورق العنب الطازج.

ومن عائلة التبولة أيضا تدخل على الخط «تبولة الربيع» التي يحترفها أبناء الجبل ويكثر جودها على المائدة في فصل الربيع وبداية الصيف، حين ينضج ورق العنب الذي يلعب الدور الأكبر في إطلاق هذه التسمية على هذا الطبق. ولجلسة هذه التبولة وقعها المميز لا سيما حين تحضرها أيادي إحدى الجدات اللواتي احترفن ابتكارها. وإضافة إلى «القاورما» أو اللحم المطبوخ المبرد، يدخل في مكونات «تبولة الربيع» العدس أيضا، إنما المسلوق هذه المرة. أما المكونات الأخرى، فلا تختلف كثيرا عن التبولة الأصلية إلا في عدم احتوائها على المقدونس وفي كمية البرغل، إذ تتطلب «تبولة الربيع» كمية أكبر من البرغل المنقوع، ويضاف إليه البصل والنعناع الأخضر، ويخلط المزيج بالزيت والملح والحامض قبل أن يضاف إليه العدس المسلوق الساخن ثم القاورما بعد أن يتم تذويبها لتخلط المكونات وتقدم مع ورق العنب الذي يضيف طعمه نكهة مميزة تميل إلى الحموضة. كذلك لا تختلف ما تعرف بـ«تبولة الملفوف» عن «تبولة الربيع» إلا في عدم احتوائها على العدس، وذلك من حيث المكونات وطريقة التحضير، لكن الفارق الأبرز يكمن في استبدال ورق العنب بأوراق الملفوف المسلوق الذي يحضر بدوره في مناطق لبنانية تميزت بتقديم طبق التبولة الأصلي.

وفي فصل الربيع، أيضا، ينتشر بين أبناء القرى ما يسمى بـ«تبولة القرّة»، و«القرّة» هي عشبة خضراء طيبة المذاق تضاف عادة إلى السلطة، لكنها عندما تدخل إلى عائلة التبولة تحل محل المقدونس بلونها الأخضر الداكن من دون أي تبديل في المكونات الأخرى.

وعلى خط موازٍ آخر، لكن في المناطق الشمالية اللبنانية التي تشتهر باحترافها صناعة الكبّة بأنواعها، يحضر ما يسمى «النمّوش»، وهو اسم مستوحى من ما يعرف في لبنان بـ«تنميش البرغل» أو نقعه حتى يصبح صالحا للأكل، لكن «النموش» نفسه يتحول اسمه إلى «سويق أو سويء» في بعض المناطق الجبلية من دون أي تغيير يذكر في طريقة التحضير التي ترتكز على «تنميش» كمية كبيرة من البرغل ليضاف إليها كمية كبيرة أيضا من البندورة الناضجة ذات اللون الأحمر الداكن، ثم المقدونس والنعناع والبصل الأخضر. وللحصول على نكهة مميزة أيضا، يتفنن أبناء هذه القرى في إضافة المنكهات إلى مكوناتها مثل ما يعرف بـ«بهارات الكبّة» أو «دقّة الكبّة» التي تصنع خصيصا لوضعها مع أطباق الكبة على اختلاف أنواعها، ولا سيما النيّئة منها. مع العلم أن طبق «السويق» هذا لا يختلف كثيرا عن ما يعرف في الجنوب اللبناني بـ«كبة البندورة»، نظرا إلى غياب المقدونس عن مكوناتها.

ويبدو أن ابتكارات التبولة لا تزال تتوسع ولم تقتصر فقط على ابتكارات الأجداد، فاللبنانيون اليوم استوردوا طبقا جديدا من المكسيك يشبه بمكوناته التبولة اللبنانية وأطلقوا عليه اسم «التبولة المكسيكية» نظرا إلى التشابه الواضح بينه وبين التبولة اللبنانية ولا سيما لناحية الشكل. أما في المكونات، فأهم تبديل تمثل في اعتماد «الكزبرة» الخضراء الطازجة كمكون أساسي له بدلا عن المقدونس مع المحافظة على المكونات الأخرى وإضافة الفليفلة الحرة والحلوة على اختلاف أنواعها إليها، الأمر الذي يجعل طعمها يكتسب طعم الحرّ. أما طريقة أكلها، فتخرج عن دائرة الخضار ولا سيما ورق العنب أو الملفوف والخس لتعتمد على مقرمشات البطاطا أو الـ«شيبس»، ويقدم كنوع جديد يضاف إلى المازة اللبنانية، لكن بهوية مكسيكية.