«فيراسوامي».. أقدم مطعم هندي في بريطانيا

قصة طويلة تحكى بلغة بهارات الهند قاطبة

TT

عند زاوية من زوايا شارع «ريجنت» في وسط لندن ومع التقاطع مع شارع «سوالو» تجد بابا صغيرا شبه مخفي، تدخل عبره لتجد نفسك في مصعد كهربائي ينقلك من لندن إلى أقاصي الهند، بمجرد أن يفتح باب المصعد في الطابق العلوي سوف تشعر وكأنك سافرت إلى الهند، فرائحة البهارات النفاثة والألوان والديكورات الجميلة ستكون أول من يستقبلك، فوانيس بشتى الألوان تزين فضاء المكان الشاسع الذي يطل على حركة واحد من أكثر شوارع لندن زحمة.

لطالما سمعت بأن مطعم «فيراسوامي» هو المطعم الهندي الأقدم في بريطانيا كلها، ويقال أيضا إن هذا المطعم هو الأقدم في أوروبا، فيعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1926 على يد حفيد جنرال إنجليزي وأميرة من المغول، وكان افتتاحه بمثابة عنوان لتجمعات الأثرياء والطبقة المخملية في لندن والذواقة الذين يتوقون لتذوق مأكولات الهند التي سمعوا عنها الكثير من أفواه من زار تلك البلاد الساحرة، واستقبل المطعم منذ افتتاحه منذ 80 عاما أسماء لامعة مثل الراحل الملك حسين (ملك الأردن)، وأنديرا غاندي وأفراد العائلة المالكة في السويد والأمير تشارلز وتشارلي تشابلن وباندت نهرو ومارلون براندو، ولا يزال لغاية اليوم يستقبل الأجيال الحالية من المشاهير أمثال العارضة البريطانية العالمية ليز هيرلي وزوجها الهندي أرون نيار، وعدد من السياسيين البريطانيين والعالميين.

وعلى الرغم من عمر مطعم «فيراسوامي» فإن ذلك لم يؤثر فيه ولا في شكله، بل زاده تألقا وجمالا وجذبا للأجيال الصاعدة، والديكور راق جدا وقد تم تجديده إلا أنه لا يزال يحافظ على هوية المكان ويتناسب مع المطبخ الهندي، ويكرم حقبة المهراجا في عشرينات القرن الماضي.

واللافت في المطعم انتشار العمامات الهندية التي وهبها أصحابها للمطعم بعد زيارتهم له، وتختلف العمامات في الشكل واللون، ويعود هذا - بحسب المدير المسؤول في المطعم - إلى الطبقة الاجتماعية والمستوى المادي لكل شخص، وعبر سلم ملتو تصل إلى الطابق العلوي، حيث تقع الغرفة الخاصة بإقامة الموائد الخاصة، واللافت جدار مطلي باللون الأحمر، وفيه فجوات عديدة في كل منها شمعة مضاءة، وحائط آخر تعلق عليه العمامات التي تحكي كل منها عن قصة وعن زيارة من أغنياء الهند.

وتزين جدران المطعم لوحات رائعة بنغالية الأصل إلا أنها تشبه إلى حد كبير الرسوم اليابانية، وهنا تعلق دايزي باركر - المسؤولة الإعلامية عن إدارة المطعم - بأن هناك من يعتقد أن الكاري ياباني الأصل لأن اليابانيين كانوا يأكلون الكاري وهم أطفال في المدارس.

وتروي لنا باركر قصة طريفة عن المطعم وعلاقته بالملكة إليزابيث الثانية التي تعرف بعدم تفضيلها للمطبخ الهندي، ورواية باركر تقول إنها كانت جالسة مع رئيسها في العمل وطرحت فكرة مفادها كتابة رسالة إلى مكتب الملكة بمناسبة احتفالها بعيدها الثمانين لأنها تعرف أن الملكة ولدت في نفس الشهر والعام الذي افتتح فيه المطعم، لتهنئتها بعيدها وإخبارها عن المطعم الذي يبلغ نفس عمرها، وتحولت الفكرة من مجرد نكتة ودعابة إلى حقيقة، فبعثت باركر بالرسالة ولم تتلق جوابا إلا بعد نحو 6 أشهر قبيل زيارة الرئيس الهندي براتيبا ديفيسينغ باتيل الرسمية إلى بريطانيا، وطلبت الملكة حينها من طهاة «فيراسوامي» تحضير المأكولات الهندية لضيفها، وتم تحضير المأكولات على يد طهاة المطعم في مطابخ قصر باكنغهام بمساعدة من طاهي الملكة مارك فلانيغان وفريقه. وتم تحضير طبق التوفو مع السلطة والدجاج مع اللوز.

ويتميز المطعم بأطباقه الشهية التي لا تقتصر على منطقة بعينها من الهند وإنما تجد لائحة الطعام أشبه برحلة سياحية تجول بك على الهند من جنوبها إلى شمالها مرورا بوسطها، وتتميز أطباق الجنوب بالنكهة والرائحة «الأروما» ومن أشهرها طبق «بوليتشاتو» وطبق آخر من وحي ساحل كيرالا، وهو مكون من سمك «السي باس» المطبوخ في ورق الموز، أما أطباق الشمال فهي أقرب إلى الأطباق الباكستانية، ومن أشهرها طبق «نيهاري» وترجمته «فطور الفقير».

الجيد في أطباق «فيراسوامي» أنها تراعي مسألة استعمال البهارات القارصة وتراعي الذائقة الأجنبية، فمعظم الأطباق مقبولة جدا من ناحية حدة البهارات، وللذين يفضلون المأكولات النباتية فهناك خيارات عديدة، من الأسماك إلى الأطباق التي تستخدم فيها الخضار بدلا من اللحوم مثل طبق «كرات اللحم» أو الكفتة، فيتم تحضير هذه الأطباق بنفس الطريقة ولكن من دون مكون اللحم لدرجة أنه سيكون من الصعب معرفة الفرق بين الطبق النباتي والآخر المكون من اللحوم.

ويعمل في مطبخ المطعم عدد من الطهاة، كل منهم مختص بأطباق إقليم معين من البلاد وجميعهم من الهند ومن الإقليم نفسه.

وعلى مدى السنوات الثمانين لا تزال ملكية المطعم تابعة لنفس العائلة وأبرز أفرادها كاميليا بانجابي صاحبة كتاب «أفضل 50 وصفة كاري» الذي يعتبر من أفضل كتب الطهي الهندية، حيث تم بيع مليون نسخة منذ إصداره، وهذا الرقم هو الأعلى في تاريخ بيع كتب الطهي الهندية، وهذا أمر لافت بالفعل، خاصة أن المطعم ليس لديه أي فرع آخر، إلا أن الشركة تضم مطعمين هنديين آخرين هما «امايا» و«ماسالا زون» ولكنهما مختلفان من حيث الرؤية والجو إلا أنهما يشاطران «فيراسوامي» النوعية والنكهة.

لائحة الطعام في «فيراسوامي» غنية جدا، فأنصحك بالأخذ بالمعلومات التي يقدمها النادل، فهو أدرى، ولا بد أن تبدأ الأكل بطبق «راج كاشوري» فإنه بالفعل من ألذ الأطباق الأولى التي يمكن أن تتناولها في حياتك فالطبق يضم الزبادي مع الخضار وطريقة التقديم رائعة ومبتكرة.

ولا بد من أن تجرب طبق الأرز «البرياني»، ووصفة هذا الطبق لا تزال كما هي ولم تعدل منذ افتتاح المطعم عام 1926.

كما يجب أن تختبر حلوى الهند، فمن أهم وألذ الأطباق الـ«غولاب جامون» مع بوظة بنكهة الفانيليا.

صنفت قناة «ناشيونال جيوغرافيك» مطعم فيراسوامي في المرتبة الثامنة في لائحة أفضل 10 أماكن في العالم، وحاز المطعم على إعجاب النقاد بمن فيهم الناقدة اللاذعة فاي ماشلر التي تقيّم في كتاباتها في صحيفة «إيفننغ ستاندر» المطاعم والمأكولات، فمنحت «فيراسوامي» 4 نجوم من أصل 5، ووصفت الديكور بأنه أكثر من رائع ويتناسب مع عمر المطعم، ووصفت الأواني المصنعة من الحديد التي يقدم فيها الأكل بالدفء الذي يشجع على مشاركة الأطباق، وقالت إن المطعم من شأنه أن يبهج المعدة والأحاسيس.

في حين وصف عبقري الموسيقى أندرو لويد ويبر المطعم بأنه يضم أجمل غرفة خاصة في كل لندن.

معظم أطباق فيراسوامي مصممة للمشاركة، وتكلفة العشاء نحو 55 جنيها إسترلينيا للشخص الواحد، في حين تبلغ تكلفة الغداء نحو 38 جنيها إسترلينيا.

* أطباق فيراسوامي الكلاسيكية - مصدر وصفات هذه الأطباق من بيوت الهند الأرستقراطية، معظمها مطهو في أفران من الطين (التاندوري) - «نظام مورغ»: من المطابخ الملكية في حيدر آباد (دجاج مع كفتة مع صنوبر وحامض) - «بيغوم باهار»: طبق منزلي من دجاج الكورما مع الزعفران - «شولاي دجاج تيكا»: دجاج مدخن مع الماسالا ومطهو في فرن التاندور

* أطباق «فيراسوامي» من وحي الساحل الهندي - تعتمد الأطباق في معظمها على ثمار البحر والأسماك، ويقال إن الأطباق البحرية بدأت في بنغالور في الغرب من البلاد.

«كباب المحار»: محار منقوع ومشوي «سمك الباتوري»: طبق بنغالي كلاسيكي مبخر في ورق الموز مع صلصة الخردل الحاد

* أطباق فيراسوامي النباتية - أطباق الهند النباتية التقليدية منوعة تضم «التالي» و«الكاتوريس» ويستعمل في مكوناتها العدس والزبادي.