«الدولمة».. تغزو قلوب القناصل والوفود الأجنبية في كردستان

من أكلة تؤكل في المنزل إلى لائحة المطاعم الراقية

TT

تنفرد أربيل من بين كل محافظات ومدن العراق، وبينها مدن كردستان، بإعداد أشهر أنواع الأكلات الشعبية التي تحتل موائد العوائل العراقية بواقع وجبتين على الأقل في الأسبوع، وهي أكلة «الدولمة» التي لا يمكن لأي عائلة أربيلية أن تستغني عنها.

وهذه الأكلة منتشرة في أرجاء العراق وبعض البلدان العربية مثل لبنان وسورية ومصر وفلسطين والجزائر وغيرها، ولكن في العراق تحديدا، يبدو أن مصدرها الأساسي هي أربيل بدلالتها اللغوية، فأصل الأكلة كما يشير الكثير من المصادر يعود إلى تركيا، وهناك من يعتقد بأنها انتشرت أولا في أربيل التي كان معظم سكانها يتحدثون اللغة التركمانية المنتسبة إلى اللغة التركية إلى ستينات القرن الماضي، ويبدو حسب علمنا أن التسمية مشتقة من كلمة (دولدر) التركية التي تعني (املأ) أو (احش) باللغة العربية.

وهناك دليل آخر على كون أربيل هي المصدر لانتشار هذه الأكلة في عموم العراق، حيث تقول سيدة أربيلية «إنه ما من محافظة أو منطقة بالعراق كله تستطيع أن تنافس الأربيليات في إجادة إعداد هذه الأكلة». وقد تكون هذه مفاخرة أو مبالغة إلى حد ما، ولكن الأربيليات يشتهرن عن حق بـ«الأستاذية» في إعدادها بشهادة الكثير من العوائل الكردية والعراقية. وتسمى هذه الأكلة في المطبخ الشامي بـ«اليبرق» وقد شاع استخدام هذه التسمية في مناطق السليمانية، حيث يسمون الدولمة هناك بـ«يابراخ»، وهي تسمية محرفة عن اليبرق الشامية.

أما المصريون فيطلقون على هذه الأكلة اسم «المحشي»، ولكن المحشي في كردستان غيرها كما في البلدان الأخرى، لأنها تقتصر فقط على حشو الباذنجان أو الشجر (الكوسة) في بعض الأحيان، ولا وجود لبقية المواد مثل البصل والسلق والخيار والفلفل الأخضر، وبذلك فإن الدولمة تختلف عن المحشي في كردستان.

وإعداد هذه الأكلة معقد نسبيا، ولكنها تمتاز بسهولة نقلها وعدم الحاجة إلى صحون كثيرة لتناولها، ولذلك فهي تشكل الوجبة الأساسية للعوائل الكردية التي تخرج في ربيع الأعوام إلى البراري والمتنزهات لقضاء عطلات الأسبوع، كما تأخذها العوائل معها عند زيارة باركات المدينة لقضاء الأمسيات فيها.

وكانت هذه الأكلة الشعبية مقصورة على البيوت، فكما أشرنا فإن إعدادها يحتاج إلى وقت أطول وجهد أكثر قياسا إلى بقية الأكلات، وكذلك فإنها تحتاج إلى مواد أكثر تنوعا من بقية الأكلات، ولذلك عزفت المطاعم المحلية عن تقديمها للزبائن، ولكن شيوع ظاهرة خروج العوائل الكردية إلى المطاعم هذه الأيام عوضا عن تناول الغداء أو العشاء في بيوتهم قد أغرى أصحاب المطاعم بإدراج هذه الأكلة ضمن قوائم الطعام، فأصبح هناك الكثير من المطاعم الأهلية التي تقدمها للزبائن.

ولأنها أكلة لذيذة فإن معظم مسؤولي الإقليم اعتادوا على تقديمها لضيوفهم الأجانب في زياراتهم إلى إقليم كردستان، وكان القنصل البريطاني في أربيل الذي أجرت «الشرق الأوسط» معه لقاء مؤخرا قد أشاد بهذه الأكلة وأكد تعلقه بها، كما تناولها السفير الأميركي والكثير من سفراء الدول عند زياراتهم المتكررة إلى كردستان.

وتتكون الأكلة من الأرز واللحم المفروم وقشور الخيار والباذنجان والشجر (الكوسة) والبصل والفلفل، ويحتل السلق أو ورق العنب صدارة المواد الأساسية للأكلة.

وهناك نوعان من الدولمة حسب السيدة نازنين عبد القادر ربة بيت (36 سنة) حيث تشير إلى أن «الدولمة نوعان، نوع نورمال (العادي)، وهو خليط من جميع أنواع الخضر مثل الخيار والباذنجان والسلق والبصل، وهي أكلة المواسم كلها، وهناك نوع آخر موسمي، يعد من ورق العنب فقط ويعد باللبن بدل معجون الطماطم، ويسمى الدولمة البيضاء».

وتتحدث السيدة نازنين عن كيفية إعداد الطبخة قائلة «في البدء يفرم اللحم ويسلق بدرجة حرارة الغليان، ثم يخلط مع الأرز غير المطبوخ ويضاف إليهما الكرفس المفروم والبهارات وخصوصا الفلفل الأسود والملح ومعجون الطماطم، ثم يتم استخراج بطون الخيار والشجر والباذنجان، ويبقى على القشور الرفيعة بما يأخذ شكل الوعاء، ثم يحشر اللحم والأرز والمواد الأخرى المخلوطة بكميات صغيرة داخل هذه القشور، ويتم لف بعضها بأوراق السلق أو ورق العنب، وترصف ربة البيت هذه الحشوات داخل قدر كبير (طنجرة) بعد تدهين قعرها الواحدة فوق الأخرى، وتسكب كمية من الماء داخل القدر ويوضع فوق الطباخ لحد درجة الغليان. وبعد ذلك يتم سكب ما بداخل القدر على صينية كبيرة تلتف العائلة حولها لتناولها».

وتقول نازنين إن «الدولمة الأربيلية هي الأشهر من بين جميع مناطق كردستان، وسيدات أربيل مشهورات بـ(الأستاذية) في إعداد هذه الأكلة بشكل يحسدن عليه، فالكثير من ربات بيوت السليمانية مثلا عندما يأتين إلى أربيل يطلبن منا نحن الأربيليات إعداد هذه الأكلة حصرا لتذوقها من أيدينا».

ولكن ذلك لا يعني أن ربات بيوت السليمانية لا يعرفن إعداد هذه الأكلة، ولكن عند المقارنة سيجد المتناول للأكلة الفرق الواضح في إعدادها من قبل الأربيليات عن غيرهن.

وجدير بالذكر أن ربات بيوت السليمانية يشتهرن بالكفتة المحلية ويتفنن فيها، وهي أيضا أكلة تحتل موائد العائلات هناك، وهن أيضا حصلن على درجة «الأستاذية» في إعدادها، وتقدم هذه الأكلة أيضا في موائد المسؤولين إلى الضيوف الأجانب هناك.