جيفري.. مطعم نجوم السينما

كاليفورنيا بين أشواك الصحارى والمحيط الهادي

أطباق لذيذة على شواطئ زرقاء لازوردية
TT

هل تدري أين بدأت قصة الغرام السري بين الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي حين كان عضوا في مجلس الشيوخ والممثلة الشقراء الذائعة الصيت مارلين مونرو؟ في غرب أميركا بعيدا عن واشنطن وفي مدينة لوس أنجليس وفي مطعم «جيفري» بالذات الذي تشبه صورته بطاقة بريدية يبعثها السياح لمناظر البحر الخلابة في مدينة السينما والنجوم. تشبه ولاية كاليفورنيا الأميركية بجمالها وطقسها بلاد البحر الأبيض المتوسط وتشتهر بصناعة السينما والأفلام وكثر من الناس يذكرون أنها تطل على المحيط الهادي إنما يفوتهم وجود الصحارى الشاسعة في شرقها التي تمتص رطوبة البحر، وحين تصل إلى بلدة ماليبو إحدى ضواحي لوس أنجليس تشعر كأنك في بورتوفينو الإيطالية أو كان الفرنسية أو مونت كارلو مع تبدل طراز العمارة واتساع الشوارع وإمكانية التعثر فتزل قدمك وتجد نفسك أمام نجمة فاتنة من نجوم هوليوود التي تقطن هذه البلدة الخلابة في قصر قد يبلغ ثمنه 100 مليون دولار.

الخيار الأفضل للقاء نجوم السينما هو تناول الطعام في مكمنهم المفضل المطل على البحر عند مطعم جيفري. تستقبلك حسناء رشيقة القوام هي كانديس لي تظن أنك شاهدتها في أحد الأفلام وتختار لك الطاولة التي ستجلس عليها، وتمر قبل أن تصل إلى الطاولة على دهليز علقت على جدرانه لوحات رسمها مشاهير نجوم هوليوود أثناء زيارتهم للمطعم وسحرهم جوه المرح فأطلق العنان لخيالهم وموهبتهم مثلما رأيت في لوحة رسمها الممثل أنطوني كوين ظننت للوهلة الأولى أنها من إبداع بيكاسو. البحر أمامك بزرقته الصافية والأفق يحتضن الشمس الغاربة وقد تحولت ألوانها إلى أحمر وردي ممزوج بالأصفر الخفيف والبرتقالي الناضج. افتتح المطعم لأول مرة عام 1948 بعد أن صممه المهندس المعماري المعروف ريتشارد نوترا فتقاطر عليه فورا كبار النجوم آنذاك مثل فرانك سيناتر ولانا تيرنر وشيرلي ماكلين.

في لوس أنجليس التي تعج فيها المطاعم ويتميز فيها كبار الطهاة أمثال ولفغانغ بوك (ومطعمه الشهير سباغو) زيارة مطعم جيفري ستجعلك تغير نظرتك حول تناول الطعام في الهواء الطلق فهو عش لا للطيور بل للعشاق ولأنصار متعة التلذذ بالطعام وأمامهم مياه المحيط الهادي على طول الأفق يطلون عليها من علو معقول يثير العجب والإعجاب وينتظرون لحظة غروب الشمس المثيرة للذهول. تقول الممثلة المعروفة جاكي كولينز في مذكراتها التي صدرت منذ أشهر أن مطعم جيفري هو أفضل مطاعم الشاطئ في مدينة الملائكة لوس أنجليس، والوصول إليه في ضاحية ماليبو قد يستغرق بعض الوقت إذا لم تكن خبيرا بالمرور ببعض المسالك المختصرة لكن الأمر يستحق العناء والجهد.

لائحة الطعام تحتوي على الأطباق التقليدية والمبتكرة فهناك المقبلات كالعجة (الأومليت) بالبيض والفطور الآسيوية وسلطة الكركند البحري (لانغوست بالفرنسية أو لوبستر بالإنجليزية) مع الذرة والطماطم كما ستكتشف القريدس (الجمبري) المغربي بالزبدة والقليل من السكر تكريما لفيلم كازابلانكا الكلاسيكي منذ الأربعينات أو قد تفضل حساء صدف البحر على طريقة جزر تاهيتي أو سلطة الشوندر مع جبن الماعز المفوح بالأعشاب العطرية. أما الأطباق الرئيسية المميزة فأولها المحار مع الأرز وكبد الإوز (فوا غرا) وثانيها الأكلة الإسبانية المشهورة بالأرز والسمك والأصداف البحرية (باييلا) أو سمك اللقز المشوي (القاروس كما يسمى في شمال أفريقيا) مع حبات الشمر على الطريقة الفرنسية أو اللحم البقري الصغير المطهو ببطء في قدرة مقفلة والذي رضع الحليب مع غذائه النباتي، والفضل في نجاح هذه الأطباق الفريدة يعود للشيف الأميركي ذي الأصل الإيراني بيجن شوكالفرد الذي يتفنن في ابتكار الأطباق من كل أرجاء العالم. يضاف على ذلك الخدمة الودية الكفؤة مما يجعل المكان ملجأ للهدوء والراحة والإلهام بأسعار مقبولة خاصة إذا قورنت مع مثيلاتها في بورتوفينو بإيطاليا أو كان بفرنسا.

حين تخرج من المطعم وتتجول في محيطه ستجد أمامك خليج سانتا مونيكا يعانق ضاحية بنفس الاسم يطلقون عليها مازحين «جمهورية سانتا مونيكا الشعبية» لأن السائح يستطيع المشي في الشوارع والأرصفة فهي ممنوعة على السيارات التي تزدحم بها لوس أنجليس وتجعلها من أكثر المدن الأميركية تلوثا وإجهادا للسائق الذي يحس أنه يسوق تحت وطأة الضغط والقلق، ومن الطرف الآخر ضاحية ماليبو الراقية وضاحية فينيسيا حيث حاولوا تقليد مدينة البندقية الإيطالية بشوارعها المائية لكن النجاح لم يحالفهم. كان الطقس في جنوب كاليفورنيا هذا الصيف معتدلا يميل إلى البرودة على عكس موجة الحرارة اللاهبة في شرق البلاد وفي أوروبا والبلاد العربية، لذا كانت زيارة مطعم جيفري متعة لا تضاهى فلذة المأكل في الشرفة المطلة على البحر بديكورها البديع لا تفوقها سوى ألوان الشمس الغاربة التي تبقى محفورة في الذاكرة.. أفول الشمس في المحيط عند دورانها تتبعه حمرة الأفق ثم الغسق وتفهم آنذاك الألوان التي ألهمت الممثل والكاتب والملاكم والفنان التشكيلي أنطوني كوين (1915 – 2001) في لوحته الرائعة المعلقة في بهو المطعم فقد ميز بين الأصفر البرتقالي والأحمر وبداية ظلمة الليل وستكتشف أن كوين رسام ماهر بالإضافة إلى كونه ممثلا متفوقا وقد يقودك الاكتشاف للتعرف على لوحاته المتعددة ومنها رسمه لنفسه منذ الصغر وفي الكبر ولوحته عن دوره في فيلم «لورنس العرب».

Geoffrey’s – 27400 Pacific Coast Highway, Malibu – Te. 310 4571519