في إقليم الباسك.. بلدات صغيرة ولائحة طعام طويلة

من أفضل عناوين الأكل على الساحل الشمالي لإسبانيا

TT

حاول أن تتخيل أنك عشت تجربة ممتعة لتسلق جبل. هل تعجز عن الكلام؟

يزعم طبق من الدرجة الأولى اسمه «جويغو دي فيردورا» أنه يحقق لك ذلك. ففي طبق صغير يوجد كأسان صغيريان، واحدة تفيض منها بخار شبيه بالسحاب وأخرى تحتوي على طبقات من البيض وعيش الغراب وشوربة خضار. إنه طبق لذيذ بشكل غريب، لكنه يحمل تجربة ممتعة أيضا: تصور أنك تسارع متجاوزا دجاجا إلى أعلى الجبل (هناك البيض) ثم عيش الغراب وحدائق نباتية صغيرة (وهذا الحساء الأخضر)، وعند الوصول إلى القمة يحيط بك ضباب الصباح الباكر (وهنا يأتي دور النادل في صب حساء ساخن على ثلج جاف ليطلق دوامة من الضباب على الطاولة).

وهذا هو مثال واحد فقط من المطبخ الابتكاري الذي يحلم به مجموعة من الطهاة الشباب الموهوبين في هونداريبيا، وهي قرية صغيرة في إقليم الباسك على الساحل الشمالي لإسبانيا.

وعلى مدى العقد الماضي، احتل المطبخ الباسكي مكانة متميزة في عالم الطهي؛ وتنتشر في المنطقة مطاعم موجودة في دليل ميشلان، يترأسها طهاة من الدرجة الأولى مثل خوان ماري ارزاق ومارتن بيراساتيغي. يطوف ألمع النجوم سان سباستيان، تعد تلك المدينة واجهة مفضلة لمحبي الطعام الحريصين على تذوق أطباق تم إعدادها بدقة تتحدى أي فكرة عن الطعام.

ولكن في السنوات القليلة الماضية، استطاع المتدربون في هذه المطابخ الشهيرة شق طريقهم للشهرة من خلال نشر عدد كبير وجديد من المعايير المتميزة للطعام في جميع أرجاء المنطقة، وبما لديها من وفرة وتنوع في المنتج المحلي، الذي يشمل تدفقا يوميا من المأكولات البحرية الطازجة. ولكونها أصبحت نقطة تكتل رئيسية لمواهب جديدة في عالم الطهي، برزت بلدة هونداريبيا الصغيرة كواحدة من أفضل الأماكن التي يمكن أن يستمتع الزائر فيها بتذوق مأكولات مطبخ المنطقة المتميز من دون الاضطرار إلى مواجهة الازدحام الموجود في مدينة سان سباستيان التي تقع على بعد 13 ميلا فقط.

ويقول بيكسنتي مونوز، وهو أحد الطهاة المحليين الذي تدرب على يد بيراساتيغي ومعد طبق «جويغو دي فيردورا» أو (لعبة الخضراوات) الحائز جائزة الأطباق الضخمة: «يوجد هنا ما بين 15 إلى 20 طاهيا من الشباب المتحمسين للغاية. (هؤلاء الطهاة) يحاولون إعداد مأكولاتهم الخاصة، بعضها أكثر تقليدية والبعض الآخر مبتكرا، ولكن كل شيء يعدونه بحب».

وتقع مدينة هونداريبيا على ساحل إسبانيا المطل على المحيط الأطلسي وعلى ضفاف نهر بيداسوا الذي يصب في المحيط خارج ميناء المدينة. وتبعد فرنسا ما مقدره رحلة بحرية من 7 دقائق من الجانب الآخر لهذا النهر.

ويربط وسط المدينة اثنان من الأحياء التاريخية: وهما حي «برتي فايجا» القديم، حيث توجد ممرات مرصوفة بالأحجار بين القصور الحجرية التي تعود للعصور الوسطى ومنازل الباسك التقليدية المصنوعة من الخشب، وقرية الصيادين المعروفة باسم مارينا، حيث يتجمع الشيوخ على مقاعد منتشرة على طول سان بيدرو كاليا، وهو شارع تحيط به الأشجار من الجانبين وتنتشر فيه حانات بنتكسو.

وباعتبارها نموذجا للثقافة الباسكية ومركزا لتدريب أجيال جديدة من الطهاة، فإن حانات بنتكسو غالبا ما تكون قطعا فنية صغيرة، شبيهة بالأطباق الإسبانية الصغيرة.

وتقليد «تكسيكيتو»، أو التنقل بين حانات بنتكسو، يعني تناول «بنتكسو» أو اثنين واحتساء بعض الشراب قبل الانتقال إلى حانة أخرى. وعلى امتداد إقليم الباسك، فإن طهاة حانات بنتكسو يسعون إلى التفوق على بعضهم بعضا، وتزيد المسابقات الرسمية من حدة المنافسة بينهم. وفي السنوات الأخيرة، نافست مقاهي مدينة هونداريبيا مع مقاهي سان سباستيان وحققت نتائج طيبة، وكسبت اعترافا على المستوى الإقليمي والوطني بما أبدعته من قطع فنية صغيرة.

وربما تكون حانة غران سول، التي يمتلكها مونوز، أكثر حانات بنتكسو نجاحا في هونداريبيا وقد حازت عددا من الجوائز في هذا الإطار. وبعد تحقيق شهرة على الصعيد الوطني بإبداعاته الصغيرة، التمس مونوز تحديا أخر، وذلك في عام 2008 عندما فتح مطعما جديدا في مدينة سوغاري، حيث قدم إبداعاته الفنية ذات الطعم والذوق الرائع على أطباق أكبر.

ولكن في غران سول، اكتظت الحانة في أحد الأيام القريبة بالزبائن المحليين الذين كانوا يتسارعون على أكل مأكولات مونوز الرائعة ويحتسون أكوابا من عصير التفاح أو التكساكولي، وهو نبيذ أبيض محلي الصنع.

ويقول ألفارو لاراميندي، وهو بحار من سكان المنطقة وأحد المترددين على مقهى غران سول: «لفترة طويلة، كانت مأكولات سان سباستيان هي الأفضل، لكن الآن أعتقد أن مأكولات هونداريبيا أفضل».

وبالإضافة إلى «غران سول»، فإن أي شخص يريد أن يتذوق مأكولات هونداريبيا يمكنه أن يتوقف عند مقهى «فينوتيكا أردوكا» التي توجد في الشارع نفسه وعند مقهى «إينباتا» التي توجد على بعد عدة مبانٍ قليلة.

وتقدم «فينوتيكا أردوكا»، وهي مقهى أنيقة مزينة باللونين الأسود والأبيض افتتحت في عام 2008، مأكولات بنتكسو الجديدة للزبائن الشباب. وفي «إينباتا» من المحتمل أن تجد رجال الأعمال في بزاتهم يأكلون مأكولات بنتكسو الذيذة.

وببلدتها القديمة الساحرة والمتنزه ذي النسيم المنعش وشاطئها الرملي، تعتبر هونداريبيا مقصدا طبيعيا للمصطافين الإسبان والفرنسيين، لكنها لا تزال بعيدة كل البعد عن جذب الأعداد الكبيرة التي تأتي من جميع أنحاء العالم لمدينة سان سباستيان، وهو الأمر الذي يعززه عدم وجود فنادق جديدة فيها. لكنها لا تزال هي المقصد الأول للمقيمين، حيث إن أغلب المترددين على معظم المطاعم المحلية من الأسر والأزواج المقيمين بالمنطقة وليس السياح.

ويقول غوركا تكسابارتيغ، أحد الطهاة في المطعم الوحيد الذي يحمل تقييم ميشلان في هونداريبيا، ألاميدا: «وجود عدد كبير جدا من المطاعم ذات مستوى عال يرجع إلى الدرجة العالية من تذوق المأكولات عند سكان المنطقة».

وبعد التدريب في مطعم مارتن بيراساتيغيذو ذي الثلاث نجوم في لاسارتي الذي يحمل اسمه، وفي مطبخ ذوبيروا في منطقة أويارتزون القريبة، عاد تكسابارتيغ إلى هونداريبيا لرئاسة مطبخ مطعم عائلته، الذي تطور من حانة بسيطة أنشأتها جدته في عام 1942. وفي وقت سابق من هذا العام، اختارته أكاديمية الباسك لفن الطهي كأفضل طاهٍ في العام، وهو شرف كبير في هذه المنطقة المحبة للمأكولات.

وفي هذا الإطار يقول تكسابارتيغ: «إن المعرفة الفنية تجعلك تتجرأ على تجربة أشياء جديدة». والذي يعني في مقهى ألاميدا مأكولات حديثة وخفيفة. ويركز تكسابارتيغ على العرض الماهر والمميز والمفاجآت اللذيذة - قطعة صغيرة من الجبن الدسم المضاف إلى فاتح الشهية من حساء البازلاء والسلمون المدخن، أو زهور البنفسج الصغيرة المزينة لحساء الهليون الأبيض - هو ما يجعل مأكولاته ممتعة للغاية.

ولكن، لا يجب أن يكون الشخص العاشق للطعام ذا ثروة لكي يتمتع بعروض هونداريبيا. وكما يقول تكسابارتيغ: «المطاعم الجيدة هنا ليست فقط للأشخاص الذين يملكون الكثير من المال».

وفي الواقع، فإن طلب مطبخ ذي جودة عالية وأسعار معقولة يعني أن بعض أفضل الأماكن لتناول الطعام تعتبر أماكن متواضعة بشكل مدهش.

وعلى بعد 15 دقيقة من السير من مقهى ألاميدا داخل التلال، حيث زقزقة الطيور ورعي الأغنام، ستصل إلى «ليا إريتيغيا»، وهو مطعم ريفي، حيث يمكنك أن تتناول وجبة غداء مكونة من ثلاثة أطباق بـ16 يورو (20 دولارا) وقد تنتهي بأرز بلبن مميز.

وبالقرب من مارينا، يوجد مطعم «أباركا جاتيتكسيا»، الذي يقدم مأكولات مميزة، ولكن على الرصيف يمكن بسهولة أن تخطئ المطعم لتدخل منزلا عاديا. وعلى شارع سكني آخر يمتد بعيدا عن مارينا، ولا تشير الساحة والأرجوحة خارج «أروكا بري» إلا إلى ما ينتظرك في الداخل من غرف طعام أنيقة ومفارش رائعة ومطبخ يصنع أسماك القاروس.

وفي المدينة، حيث يمكن للمرء أن يقضي يومه وهو يتذمر، نسمع تكسابارتيغ يطمئننا عن مستقبل فن الطهي في هونداريبيا: «هذا هو أفضل شيء تذوقته. إن مطبخ هونداريبيا سيتطور بالتأكيد، ولكن من دون أن ينسى جذوره».

* خدمة «نيويورك تايمز» أهم المطاعم في المدينة:

ألاميدا، 1 منسوريوتا؛ 34 - 943 - 642 - 789 ؛ restalameda.com.

ليا إرييتيغيا، 33 باريو أركوالا ؛ 34 - 943 - 646 - 309 ؛ laiaerretegia.com.

أباركا جاتيتكسيا، 36 بسيريتار إيتوربيديا؛ 34 - 943 - 641 - 991 ؛ www.restabarka.com.

أركورا بري، 6 هاير بيديا ؛ 34 - 943 - 642 - 712 ؛ www.arrokaberri.com.

سوغاري، 1 نافارو بحيارا؛ 34 - 943 - 643 - 123؛ sugarrirestaurante.com.