عائلة «قزيها» الدمشقية حولت «المعمول» إلى حلوى عصرية لذيذة

حلوى تقليدية في قالب جديد

TT

مع اقتراب عيد الأضحى المبارك اشتهر بدء السوريين بتحضير نوع من الحلويات اللذيذة المذاق، وهي «المعمول»، التي باتت تقدم في مختلف أيام السنة، وليس في المناسبات السعيدة فقط، كما أنها باتت تحضر، ومنذ سنوات كثيرة، في محلات بيع الحلويات الشرقية، ضمن علب جميلة أنيقة، بعد أن كانت تحضرها النساء في منازلهن احتفاء بالأعياد، وجرت العادة أن يحضر السوريون «المعمول» بأحجام مختلفة على شكل أقراص هرمية أو دائرية، حشوها بعجينة من المكسرات الثمينة، وبشكل خاص من الفستق الحلبي والجوز واللوز، ولكن، في الأشهر الأخيرة، ظهرت في دمشق أنواع جديدة من «المعمول» مختلفة في حشوها عن الأشكال التقليدية، وذلك من خلال عائلة دمشقية توارثت مهنة تصنيع الحلويات الشرقية أبا عن جد منذ أواخر القرن التاسع عشر، وهم عائلة «قزيها»، الذين أسسوا شركة حلويات شرقية تحت اسم «الصديق»، افتتحوا لها فروعا في سورية وبلدان عربية وأجنبية، وابتكارهم الجديد في مجال «المعمول» جاء من خلال حشوه بالفواكه بدلا من المكسرات، فنجد مثلا «معمولا» بالنارنج، الذي تشتهر به بيوتات دمشق التقليدية كشجيرات مثمرة، وعلى الرغم من طعم ثماره المر فإنهم استطاعوا جعل طعمه حلوا داخل المعمول، وذا مذاق لذيذ، كما حضروا أصنافا جديدة من المعمول تحشى بالمشمش والفراولة والتين.

«الشرق الأوسط» التقت محمد قزيها، أحد أفراد العائلة الشهيرة بتحضير «المعمول» بشكل مبتكر، الذي تحدث قائلا: «ما نستخدمه من فاكهة في حشو المعمول معروف منذ القدم في دمشق، ولكن لم تستخدم إلا من قبلنا، حيث قمنا بتطوير تحضير المعمول باستخدامها بدلا من الفستق والجوز؛ فأعطت نكهة لذيذة جدا، ويتم التحضير بالطريقة الجديدة على الشكل التالي: «نأتي بمربى الفواكه، ونقوم بتبريدها، وفرمها ونخلطها مع عجينة المعمول، فتؤدي إلى نكهة جديدة ذات مذاق طيب، ويتم الحشو بشكل آلي من خلال ماكينة خاصة قمنا باستيرادها، وكانت البداية مع ثمار النارنج، والمميز هنا أن مرارة طعم النارنج مع عجينة المعمول تعطي نكهة رائعة سلسة، ليست ذات مرارة، وليست حلوة جدا أيضا كباقي أنواع المربى، وبعد ذلك أضفنا أنواعا جديدة؛ فعندما تنجح الفكرة لصنف ما نقوم بتحضير صنف آخر، وهكذا صرنا نحضر حاليا ستة أصناف، ولدينا خطة مستقبلية لزيادتها إلى عشرين صنفا، ومنها «معمول بالورد الجوري»، بحيث يعطي طعم الورد، وليس رائحته فقط عند مزج عجينة المعمول بماء الورد كما يفعل البعض منطلقين من مبدأ أن أي فاكهة تتحول إلى مربى يمكننا تحويلها إلى حشو معمول، وبالتالي المتذوق عندما يتناولها فإنه يشعر وكأنه يأكل ثمار المشمش أو النارنج وغيرها، دون أي تغيير في طعمها الحقيقي، وبالنسبة لحجم المعمول فقد حضرناه بحجم واحد لجميع الحشوات من الفاكهة، وقد صدرناه إلى الكثير من دول العالم تحت اسم «معمول محشو بالفواكه المجففة»، وافتتحنا فروعا لنا في مصر وعجمان، وفي مطارات دمشق والقاهرة ودبي، وفي جديدة يابوس على الحدود السورية - اللبنانية، وفي عدد من المدن السورية كالسويداء وحماة وغيرها، وبالنسبة للمواد الأولية فإما أن نحضرها بأنفسنا كالمربى، أو نعتمد على المصانع المتخصصة بالمربيات وذات السمعة الجيدة، ومنتجاتها عالية الجودة، ولضمان الدقة في عملنا فإننا نعمل على تنقية الثمار وفرزها حبة حبة، لاختيار الثمار الجيدة منها قبل أن نبدأ بطحن المواد الأولية, ولاحظت - يقول قزيها - ومن خلال تجربتنا الجديدة التي لم يمض عليها فترة طويلة أن المتذوقين لـ«المعمول» أحبوا هذه الأنواع الجديدة، وصاروا يطلبونها أكثر من تلك التقليدية المحشوة بالفستق والجوز، والسبب النكهة اللذيذة والجديدة على هؤلاء الذواقة, ولم ينس مبتكرو الطريقة الجديدة في تحضير المعمول موضوع فترة تخزين منتجهم؛ فكما يقول قزيها: «استطعنا، ومن خلال أسلوب علمي، جعل صلاحية منتجنا تمتد ستة أشهر مع عملنا الحالي، جعلها تمتد حتى سنة كاملة دون أن تتعرض لأي تخريب أو تغيير في مواصفاتها الغذائية وطعمها ومذاقها، ولكن بشرط الالتزام من قبل المسوقين بالتعليمات الموجودة على غطاء العلب المعدنية التي تحوي المعمول بالفواكه المجففة، كما أننا اعتمدنا تعديلات في نماذج العلب الحاضنة للمعمول، بحيث تحافظ على ما بداخلها من معمول بشكل جيد، وتكون هناك طبقات من الورق الصحي الفاصلة ما بينها بشكل علمي، حتى لا تتأثر بالرطوبة وغيرها، خاصة إذا كان حاملها مسافرا بالبحر أو البر، لتبقى محافظة على نضارتها وزهوتها، وعادة نطلب الموديلات للعلب بشكل خاص من المعامل التي تصنعها وتكون هذه الموديلات خاصة بنا فقط ومسجلة باسمنا، وهناك نماذج علب مصنعة من الخشب مخصصة لوضع المعمول فيها ليقدم كهدية أنيقة من قبل السياح والزوار لدمشق لأقاربهم وأصدقائهم عندما يعودون لبلدانهم، ونضع على العلب معلومات كاملة عن المنتج وما يتضمنه من سعرات حرارية ومواد غذائية وفيتامينات وغيرها».

ويروي محمد قزيها حكاية أسرته في مجال الحلويات الشرقية قائلا: «إن أسرته التي تسكن منطقة العمارة بدمشق القديمة عمل أفرادها في البداية، ومنذ عام 1890، أي قبل 120 سنة، بالتصنيع البدائي للمواد الغذائية، وتحويلها لحلويات بسيطة؛ فكانوا يستقبلون المزارعين ومعهم منتجاتهم من الطحين والحبوب والجوز وغيرها، فيعمل أفراد قزيها على تصنيعها وتحويلها لمنتجات غذائية طيبة المذاق ذات طعم حلو، بناء على طلب هؤلاء المزارعين، وقبل أن تنتشر بدمشق فكرة تصنيع الحلويات الشرقية, فقام فيما بعد أجدادنا بتطوير العمل والتصنيع بشكل أكبر، وبيع المنتجات المصنعة من الحلويات الشرقية ضمن مناطق دمشق، وافتتحنا شركة لهذا الغرض تحت اسم «الصديق» سنة 1951، أي قبل ستين عاما، وشاركنا في عدد من المعارض الدولية بمجال الحلويات الشرقية.