«عثمانلي».. مطعم تركي يعيد المصريين لنكهة الزمن العثماني

طاولاته باسم السلاطين.. ومن أشهر أكلاته الشركسية والشكشوكة

واجهة محل «عثمانلي» تستوقفك أناقتها ونعومتها، ولقطات جماعية للشيف والعاملين بالمطعم («الشرق الأوسط»)
TT

وقعت الفتاة المصرية «غادة» في حب المأكولات التركية عند زيارتها لتركيا، حيث وجدت تشابها كبيرا بينها وبين الطعام المصري، وهو ما جعلها تأمل في أن تعود ثانية لكي تتذوق هذه المأكولات، لكن مع افتتاح أول مطعم تركي في مصر مؤخرا والذي يحمل اسم «عثمانلي» لم تعد في حاجة إلى تكرار رحلتها، حيث يتيح المطعم العديد من الوجبات التي يشتهر بها المطبخ التركي، وهو ما وجد إقبالا كبيرا سواء من جانب المصريين أو الأجانب أو الأتراك المقيمين في مصر.

فمع وجود مصر طويلا ضمن الإمبراطورية العثمانية، تأثر المطبخان المصري والتركي ببعضهما كما حدث في بعض العادات والتقاليد والثقافة والأسماء والأصول، فليس غريبا أن توجد أكلات متشابهة بين المطبخين تحمل نفس الاسم وإن اختلف المذاق، فمن أشهر الأكلات التركية التي يضمها المطبخ المصري الكباب والكفتة والشركسية والشكشوكة والشاورمة والكبيبة وبابا غنوج، أما الحلويات فأبرزها البقلاوة والكنافة والبسبوسة. أما أشهر الأكلات المصرية التي نقلها المطبخ التركي فهي الفطير والحمام والأرز بالخلطة.

ومع هذا التقارب المشترك؛ يحاول مطعم «عثمانلي»، الواقع على نيل القاهرة داخل فندق «كمبينسكي»، إعادة المصريين إلى نكهة الزمن العثماني، وفتح شهية زائريه بقائمة من المقبلات والسلطات والحلويات، يقوم بتحضيرها «شيف» تركي بمساعدة 6 شيفات مصريين، يقوم بتدريبهم على طريقة صنع الأكل بالطريقة التركية. تقول إيمان اليسقي، مديرة العلاقات العامة بالفندق: «جاءت فكرة افتتاح مطعم عثمانلي بسبب أنه لا يوجد في مصر مطعم متخصص في تقديم الطعام التركي، حيث يوجد المطعم اللبناني والسوري والصيني، والكثير من مأكولاتها في الأساس هي أطباق تركية ورثها عنهم المصريون وشعوب عربية أخرى، فكان التفكير في الرجوع لأصل هذه المطابخ خاصة أنها غير موجودة في السوق المصرية، وخلال فترة قصيرة جذب المطعم مصريين وأجانب وأتراكا، بعد أن كان منهم من يسافر إلى تركيا خصيصا لتجربة طعامها».

وتشير إيمان إلى أن اختيار اسم «عثمانلي» المستلهم من الإمبراطورية العثمانية عمل على جذب الكثير من المصريين وأثار فضولهم لتجربة الطعام التركي، موضحة أن الروح العثمانية داخل المطعم لا تقتصر فقط على الطعام المقدم بل تمتد إلى الطقوس المصاحبة له، فكل منضدة بالمطعم مسماه على اسم سلطان من السلاطين الأتراك، فهناك منضدة السلطان سليم الأول، وثانية باسم محمد علي باشا مؤسس الأسرة العلوية، ومناضد أخرى بأسماء السلطان فاتح محمد، وعثمان بك مؤسس الدولة العثمانية، والسلطان محمود عبد الحميد، والسلطان سليمان القانوني مؤسس القانون في الدولة العثمانية، ويمتد الاسم ليكون موقعا على الأطباق التي يقدم بها الطعام على ذات المنضدة.

تغمر الروح العثمانية أيضا زائر «عثمانلي» عندما تستقر عيناه على ديكورات المطعم الكلاسيكية، التي صممت لتُشعر الزائر بأنه ذهب إلى تركيا ودخل أحد مطاعمها، كما تزينه بعض اللوحات من الفن التركي، إلى جانب اختيار اللون البرتقالي الهادئ للحوائط الذي يوحي بجو دافئ بمصاحبة الموسيقى الهادئة. تضيف إيمان: «المطعم أيضا يتيح بعض العادات والطقوس التركية والتي عرفت أيضا لدى المصريين ولكنها أصبحت مفتقدة حاليا، مثل غسل أيدي الزائرين بعد الانتهاء من الطعام بواسطة الإبريق و(الأروانة) (صحن كبير)، والمياه يكون مضافا إليها الياسمين، كذلك يقدم المطعم مشروب (الشربات) التركي ذا الطعم المميز بين الوجبات لفتح الشهية، وهي طقوس يتبناها المطعم بهدف إعادة المصريين إلى روح الزمن العثماني، وصادفت صدى إيجابيا لديهم». أما الشيف سونر كسجن، رئيس مطبخ «عثمانلي»، فيوضح لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ التركي الغني بمأكولاته يتميز عن بقية المطابخ المجاورة له بأنه يعتمد على «التتبيل» بالبهارات، مما يجعل كل الأطباق تأخذ وقتا في تجهيزها لكي تخرج بمذاقها الشهي.

وعن قائمة طعام عثمانلي، يقول: «المطعم يقدم وجبات العشاء فقط في الوقت الحالي، فهناك المقبلات الساخنة والباردة، والتي تسمى في التركية (المَزة) وتضم ورق العنب وبابا غنوج (باذنجان بالطحينة) وصلصة الطماطم الحارة وباذنجانا بالزبادي والكليماري والجمبري، أما أبرز الأطباق فهو (دجاج الكابي) وهو شريحة دجاج مع الأرز والصوص مع الفاصوليا الخضراء، ولحم المانتي الذي يقدم مع الزبادي والصوص والفلفل الأحمر، كما يقدم بعض الأكلات التركية التي يضمها المطبخ المصري لكن تختلف عن نظيرتها المصرية من ناحية الطريقة والمذاق، وجميع هذه الوجبات يقدم معها الخبز التركي الذي يقدم ساخنا ويدهن بالزبدة ويرش بالسمسم، أما قائمة الحلويات فهي ذاتها الموجودة في المطبخ المصري إلا أنها تقدم بالطريقة التركي وأبرزها قرع العسل والمهلبية والأرز باللبن، أما المشروبات فأبرزها القهوة التركية».

ويوضح «سونر» أن كثيرا من المصريين الذين ذهبوا إلى تركيا يأتون إلى المطعم ويطلبون طعاما بعينه قد لا يكون على قائمة المطعم لكنه ينفذها لهم تحقيقا لرغباتهم، مؤكدا أنه كان يتوقع رد فعل المصريين تجاه تجربة عثمانلي الأولى من نوعها في مصر، خاصة أن كثيرا من المصريين من ذوي أصول تركية إلى جانب العادات والتقاليد المشتركة وهو ما يدعو المصريين للإقبال على مطعمه. وبرأي سونر «يحاول عثمانلي نقل تجربة ثقافية كاملة إلى المصريين، فهو يقدم أطباقا تقليدية وعصرية تحمل الطعم الشرقي، تتيح في النهاية الاستمتاع بالمذاق التركي الأصلي، كما أنه يحترم التقاليد والطقوس المصرية، فالمطعم التركي بصفة عامة قريب من المصريين لأنه ملائم للطبيعة المصرية ومناسب للشريعة الإسلامية فلا يقدم لحوم الخنزير على سبيل المثال، مما جعل هناك تقبلا من الجمهور له».

وبسؤاله عن تأثير المسلسلات التركية المدبلجة على إقبال المصريين على المطبخ التركي بعد أن استهوت قطاعا كبيرا منهم في السنوات الأخيرة، يجيب سونر بابتسامة: «ربما يكون هناك ارتباط، والسبب في الحالتين في رأيي يعود إلى حب الناس للتغيير والتجديد والبعد عن التكرار والمألوف لديهم».

وتذكر ناظلي حليم، صاحبة محل لبيع الملابس بالقاهرة أن فرحها بالمطعم التركي لا يوصف، خاصة أنها مصرية من جذور تركية، وأنها تحرض دائما على الأقل مرتين في الشهر على تناول العشاء بمطعم «عثمانلي» بصحبة عائلاتها وأصدقائها الحميمين؛ فعلاوة على المذاق الشهي، وسحر الجو الهادئ الرومانسي في المطعم، فهو على حد قولها «يذكرنا بزمن العثمانيين في مصر، ويفتح شهيتك ليس فقط على الأطباق اللذيذة، بل على التاريخ ورائحته الأصيلة».

تضيف ناظلي: أيضا ما يميز هذا المطعم النظافة الناصعة، والتفاني بحب في خدمة الزبون، فهو مطعم «الصحبة» بجد، والونس الجميل.

وتتمنى ناظلي أن يكرر القائمون على أمر «عثمانلي» التجربة في مدن مصرية مهمة ذات جذب سياحي، كالإسكندرية وشرم الشيخ والغردقة وأسوان والأقصر. وتؤكد: «ستنجح التجربة في هذه المدن، ربما بشكل يفوق تجربة عثمانلي في القاهرة».