شوكولاته الأعياد والمناسبات السعيدة

عائلة غراوي.. أول من أدخلها إلى دمشق أواخر القرن التاسع عشر

TT

قبل عشرات السنين دخلت الشوكولاته بلونيها البني الغامق والأسود إلى الأسواق السورية، وبمذاقات محلية لذيذة. وكانت عائلة غراوي الدمشقية أول عائلة سورية تدخل الشوكولاته إلى المدن السورية من خلال ورش تصنيع يدوية انطلقت من سوق مدحت باشا بدمشق القديمة وانتقلت في ما بعد لريف دمشق بعد إدخال العمل الآلي في هذه الورش وتحويلها لمصانع متطورة، حيث يعمل مصنعو الحلوى السوريون على تقديم عشرات النماذج من الشوكولاته. وقد امتهن الكثير من أفراد أسرة غراوي (يصل عددهم لنحو 15 شخصا) تصنيع الشوكولاته وتوارثوها أبا عن جد، ومنهم من ترك مهنته الأساسية والعمل بشهادته الجامعية ليشرف على تصنيع الشوكولاته التي ما زالت العائلة مخلصة لها وتقدمها بأشكال وأنواع تتناسب مع المناسبات السعيدة من أعراس وولادات وأعياد دينية واجتماعية، كما تمكنوا من اختراق الأسواق العالمية وافتتحوا فروعا لمنتجاتهم اللذيذة في مدن أوروبية وأميركية وآسيوية وعربية. ومن أفراد عائلة غراوي الذين يعملون في مجال الشوكولاته هناك بسام غراوي، وأقاربه زهير غراوي وأبناؤه، وهو أكبرهم سنا حيث ما زال يعمل في هذه المهنة منذ نصف قرن، وأحد إخوته غادر إلى لبنان قبل سنوات طويلة وأسس هناك معملا لتصنيع شوكولاته غراوي يعمل به أبناؤه حاليا. وهناك بشار الذي ترك مهنة الهندسة التي درسها في الجامعة ليتفرغ لإدارة والإشراف على التصنيع في المعمل الذي ورثه عن والده. وحول منتجه من الشوكولاته اللذيذة وخصوصية عائلة غراوي في تصنيعها قال بشار لـ«الشرق الأوسط»: «عائلة غراوي هي التي أدخلت الشوكولاته إلى سورية من خلال والد جدي، الذي أدخلها بشكلها البسيط في البداية واشتهر بتصنيع المربيات الشامية أيضا والراحة، وورثها عنه جدي، ومن ثم قامت العائلة باستقدام خبير سويسري قام بتعليم عمي (راتب غراوي) كيفية تصنيع الشوكولاته، وبعدها قام بتعليم أشقائه هذه المهنة ومنهم والدي (تيسير) الذي يمتلك سجلا صناعيا رقمه 3 في سورية، أي هو ثالث أفضل صناع سورية، ولديه ترخيص صناعي للشوكولاته يعود لعام 1939، وحصل عليه من الوزارة المختصة في ذلك الوقت وهي وزارة الاقتصاد الوطني، وكان العمل في الشوكولاته يتم بشكل يدوي حيث لم تكن هناك آلات للتصنيع من خلال مصنعنا في سوق البزورية بالقرب من قصر العظم التاريخي، وظل والدي يعمل فيه لمدة 45 عاما قبل أن ينقله من هناك. وكانوا في البدايات يستوردون ألواح الشوكولاته ويقومون بتذويبها ومن ثم يعيدون تجميدها مع الحشوة لتنتج لديهم شوكولاته محشوة ومقطعة بشكل هندسي جميل، واستطاعوا في ما بعد الحصول على المواد الأولية وتصنيع الشوكولاته محليا، وكانت العائلة تصدر الشوكولاته في النصف الأول من القرن العشرين إلى البلدان المجاورة كفلسطين ولبنان والأردن، وحتى في المدن السورية لم تكن هناك منشآت لتصنيع الشوكولاته، وبالتالي كانوا يرسلونها لأسواق هذه المدن، وحاليا افتتحنا فروعا لمنتجنا في لوس أنجليس، وكذلك فعل بعض أفراد العائلة حيث افتتحوا فروعا لشوكولاته غراوي في عدد من المدن الأوروبية والأميركية، وأخذت الحلوى شهرة عالمية، وهي تتطور باستمرار ومميزة بمذاقها من خلال طريقة تصنيعها، وبصمتنا عليها، فالمواد الأولية هي زبدة الكاكاو، التي هي خلاصة الشوكولاته التي تعطيها الأشجار المعروفة التي تنتج هذه المادة في أفريقيا، ونحن نستعمل في منشآتنا المادة الأولية التي تنتجها شركة (باري) الفرنسية وهي الكاكاو بعيار 22 و24، حيث نستوردها ونقوم بتصنيعها محليا مع تصنيع حشوات الشوكولا».

وحول المراحل التي تمر بها عملية تصنيع الشوكولا يوضح بشار «الشوكولاته نوعان، وهما الفاتحة، وهي شوكولا الحليب المرّة السوداء اللون، والتي لا يدخل فيها الحليب مطلقا، وتصنع من الكاكاو وزبدته والسكر وماس الكاكاو الذي يدخل في النوعين، ونقوم بوضع هذه المواد بالعجانة حيث يعجن السكر مع الكاكاو والزبدة مع بعضها بعضا ومن ثم تضرب على السلندر، وهي عبارة عن خمسة أحجار من الفولاذ الصلب حيث تمر العجينة من خلالها فتخرج المادة على شكل مرهمي، وبعد ذلك تؤخذ لآلة الخفاقة حيث يتم الخفق مع مادة الليستين وتضاف زبدة الكاكاو مرة ثانية وتظل لمدة 72 ساعة في الخفاقة، بعد ذلك تصب في ألواح (كفرتور) وتخزن. والمعروف هنا أن الشوكولاته الأصلية المصنعة من زبدة الكاكاو كلما خزنت لفترة أطول أعطت مذاقا ألذ ونكهة أطيب. وفي ما يتعلق بشوكولاته الحليب فإننا نضيف لزبدة الكاكاو الحليب بنوعين، كامل ومنزوع الدسم، وتمر بنفس المراحل السابقة».

وحول التطوير على الشوكولاته والبصمة المميزة له من قبل غراوي قال بشار «بصمة غراوي هي النكهات الخاصة بمنتجنا والتي نقوم بتصنيعها ومنها الكريمات التي استغنينا عن استيرادها من الخارج وصرنا نصنعها في معاملنا. كذلك من المميز لشوكولاته غراوي أن كل المواد الداخلة في تصنيعها وحشواتها هي مواد طبيعية، حيث لا وجود للمحسنات والمنكهات الصناعية. فمثلا نحن لا نضع خلاصة المواد بل المادة نفسها، فشوكولاته النارنج حشوها من ثمار النارنج الطبيعية وليس خلاصتها، وكذلك شوكولاته المشمش وغيرها، فجميع حشوات الشوكولاته لدينا عبارة عن مربيات لثمار طبيعية، وما يميز أنواع الشوكولاته لدينا والمطلوبة كثيرا في الخارج هي الشوكولاته المحشوة بمربى المشمش مع الفستق، وتتم عملية تصنيع مثل هذا النوع من الشوكولاته من خلال نزع نواة ثمرة المشمش وحشوها بحبة فستق حلبي محمصة وتغطس بالشوكولاته، وهناك صنف آخر مميز وهو الشوكولاته باللوز والفستق، حيث تطحن المادتان مع بعضهما بعضا ويضاف لهما جوز بلدي مغطس بالشوكولاته، وهناك نوع آخر وهو التمر باللوز حيث تنزع نواة التمرة وتوضع بدلا منها لوزة محمصة وتغطس بالشوكولاته، وهناك حشوات النارنج والبرتقال. ومن ميزات شوكولاته غراوي أشكال ونماذج تغليق قطع الشوكولاته والعلب الكبيرة التي تحتضنها، وهذه لها طرقها الخاصة ونماذجها التي لا تشبهها نماذج أخرى، والتغليف لدينا يتم بشكل يدوي وليس آليا، والمعروف أنه كلما كانت جودة الشوكولاته مرتفعة كان تغليفها يدويا، ولدينا أناس متخصصون في فن التغليف اليدوي، ونضيف بصمة الذوق الخاص بنا من خلال اختيار نوع ورق التغليف والقالب الخاص بالحشوات، وهناك نماذج خاصة بالمناسبة والهدايا، فهناك علب الأفراح التي نعتمد عليها أكثر من الصحون لأن الأخيرة انتهت موضتها منذ سنوات، ولدينا نماذج خاصة بمناسبات الولادات والعودة من الحج والكريسماس، فنحن نحضر لعيد الميلاد نماذج جديدة بورق خاص يعبر عن الكريسماس، وكذلك نماذج ألعاب لرأس السنة الميلادية، وهذه النماذج خاصة بشوكولاته غراوي فقط، وهناك نماذج ألعاب شوكولاته ننتقيها من عند التاجر الذي يستوردها ونحجزها لصالحنا وتوضع بها حلوانا الخاصة التي توزع بمناسبة ولادة طفل أو حفل عيد ميلاد أطفال وغير ذلك، وهناك شوكولاته خاصة بعيد الفصح مثلا وتكون شوكولاته بنموذج بيض ودجاجة وديك وغير ذلك، ونقوم بكتابة كل المواصفات والمعايير وتاريخ الصلاحية على شوكولاته منشآتنا بحيث نظهر المواد الطبيعية الداخلة فيها وغير ذلك. وصلاحية الشوكولاته لدينا في حال خزّنت بشكل جيد تصل لمدة أكثر من سنة، وذلك لعدم وجود المنكهات والمحسنات فيها والتي تقلل من جودتها وفترة صلاحيتها، واهم ما ننتجه، هو النوع الذي أطلقنا عليه اسم (الملوكي)، وهي أكلة ملكية تقدم للملوك وتحضر من الراحة مع الفستق الحلبي والمشمش، وعائلة غراوي هي التي ابتكرت هذا النوع واشتهرت به في ما بعد مدينة دمشق فقط».