الشيف براندون فيلدز: مطبخنا ثري.. لكن صيته متواضع

«الشرق الأوسط» تكشف أسرار المطبخ الإنجليزي

الشيف براندون فيلدز في مطبخه (تصوير: حاتم عويضة)
TT

من ضمن التغييرات التي طرأت على فندق «ذا ستافورد» الراقي في شارع سانت جيمس في منطقة مايفير في لندن، الذي انضم مؤخرا إلى لواء فنادق «كيمبينسكي» العالمية، أنه تمت إعادة هيكلة المطبخ في كل من البار الأميركي في الفندق، الأشهر في لندن، والمطعم الرئيسي. وكان على رأس هرم التغيير إقناع الطاهي الإنجليزي براندون فيلدز الحاصل على نجمة ميشلين في عمله السابق كرئيس الطهاة في مطعم «بينتليز»، بالانضمام إلى الفندق، وإعادة إطلاق المطعم الرئيسي تحت اسم جديد لن يكشف عنه قبل الافتتاح الرسمي في الثاني من مايو (أيار) المقبل، عند الانتهاء من الديكور الجديد.

«الشرق الأوسط» التقت الطاهي براندون فيلدز في مطبخه في الفندق وسط زحمة العمل اليومي، وهو لا يزال في مرحلة ابتكار الأطباق للوائح الطعام الجديدة للمطعم والبار.

ولا يمكن وصف فيلدز إلا بالتواضع، ولا يمكن أن يختلف اثنان على أنه فخور جدا بكونه إنجليزيا، فبعد ترحيبه بـ«الشرق الأوسط» بلكنته الإنجليزية الشمالية القوية، لم يتخل عن قلم الرصاص الذي كان يضعه خلف أذنه، حتى أثناء جلسة التصوير. شغفه بالأكل بدا واضحا، ويتمتع بروح الدعابة والنكتة وهذا ما يشتهر به الإنجليز بشكل عام، لكن إياك أن تستفزه بالقول إن المطبخ الانجليزي محدود وغير مشهور ومقوماته متواضعة، لأن الرد سيكون بسرعة البرق والجواب «لا هذا غير صحيح، مطبخنا ثري جدا، لكن صيته متواضع لأننا كإنجليز نفضل الاحتفاظ بأسرارنا. نحن نعتز بأننا شعب محافظ». وهذا الجواب كانت فيه الكثير من الدعابة، لكنه لم يخل من الحقيقة، فبراندون يرى أن المطبخ الإنجليزي غني بالنكهات لكنه يفتقد للابتكار، فهو أكثر تقليدية من أي مطبخ آخر، ويشرح ذلك بأن «اليخنات» بدأت في المطبخ الإنجليزي قبل أن تجدها في جميع مطابخ العالم الأخرى. وتابع فيلدز كلامه أثناء تقطيعه البصل بمهارة عالية، من دون النظر حتى إلى ما كان يفعله.

ما يميز أطباق فيلدز هو البساطة والنكهة المركزة، ويعود ذلك إلى اختيار المواد والمكونات من مزارع بريطانية في منطقة لانكشير شمال بريطانيا، وشدد هنا فيلدز الذي ولد وترعرع في منطقة لانكشير على أن هذه المنطقة تضم أفضل مزارع بريطانيا، وهو يختار المكونات بنفسه، ويختار الأسماك من منطقة ديفون في بريطانيا أيضا.

ويقول فيلدز إن «قانون الطبخ الجيد هو التركيز على نكهة واحدة في الطبخ، فعندما أريد أن أتناول طبق البرغر أريد أن أتذوق برغر، فلا يجب تعقيد الأمور في الطهي». وأضاف أنه ليس ضد ابتكار الأطباق على طريقة «الفيوجن»، إنما يحبذ طهي الأطباق الانجليزية التقليدية، وقال «أنا هنا لدي رسالة واحدة وهي الاحتفال بالمطبخ الإنجليزي».

بدأ فليدز الطهي عندما كان في سن الـ18، وكان الدافع لتحوله إلى مدرسة تعليم الطهي رسوبه في امتحانات المدرسة وحبه للطهي، ففي يوم من الأيام وبعد أن صرح لوالدته بأنه لا يريد متابعة دراسته الثانوية، قدم له خاله حلين «الحلاقة أو الطهي»، ووقع خياره على الطهي لأنه لطالما علم بأنه يعشق الطعام ويشعر بشيء غريب عندما يشارك والدته الطبخ. ولغاية يومنا هذا، يواظب فيلدز على زيارة والدته في لانكشير، ويحرص على دخول المطبخ معها والتعاون في تحضير الطعام وتبادل الوصفات. ويقول فيلدز إنه الابن الأكبر في عائلة مكونة من ثلاثة أبناء، وعندما كان صغيرا لم يكن أمام والدته الوقت الكافي لتعليمه الطهي، إنما اليوم أصبحت تملك الوقت لذلك، وهو يعتقد أن الوقت الذي يقضيه معها في مطبخها بين الفينة والأخرى من أفضل الأوقات الذي يقضيها في حياته.

وعن لوائح الطعام الجديدة التي بدأ تحضيرها منذ أن استهل عمله في «ذا ستافورد» منذ 3 أشهر، أكد أنها ستكون موسمية، وستكون بسيطة وسهلة، لأنه من المهم أن تكون كذلك خاصة أن هناك نسبة كبيرة من الزبائن من رجال الأعمال الذين لا يملكون الوقت الكافي للاستيضاح عن معلومات معقدة على لائحة الطعام أثناء تناول غداء عمل. وفيلدز يتولى حاليا تحضير المأكولات في البار الأميركي وخدمة الغرف في الفندق وقريبا المأكولات في المطعم الرئيسي.

واعترف فيلدز بأن المشكلة في بريطانيا أن الناس لا يحتفلون بالمحاصيل الغذائية الموسمية على عكس باقي الشعوب الأوروبية، وقد يكون هذا هو السبب الذي يجعل من المطبخ الإنجليزي خجولا بعض الشيء. وشرح فيلدز بأن بريطانيا تنتج أفضل أنواع الخضراوات واللحوم والأسماك، إلا أن كثيرين يجهلون ذلك ويعتقدون أن أفضل أنواع المكونات الغذائية تستورد من فرنسا.

ومن أشهر الأطباق التي يقدمها فيلدز في البار الأميركي، طبق السمك مع البطاطس إلى جانب صلصة البازلاء، والبرغر مع الصلصة البنية، وفي المطعم سيقدم طبق «اليخنة» والغراتين المكون من البطاطس والخضار مع جبن لانكشير الشهير، وطبق لحم الضأن المسلوق لمدة 7 ساعات على حرارة لا تقل عن 55 درجة، وبعدما يتم حرق اللحم على النار لمدة قصيرة لحبس النكهة بداخله، إضافة إلى عدد من أطباق اللحوم مع الخضراوات والأسماك.

والسبب الذي جعل فيلدز يتخلى عن عرشه في «بينتليز» وهو واحد من أشهر مطاعم لندن الإنجليزية، المتخصصة في تقديم المحار وثمار البحر، هو أنه يعشق التحدي والابتكار، فالفندق إنجليزي بكل صفاته ومواصفاته، وفرصة العمل فيه فتحت أمامه الباب الواسع للابتكار في المطبخ الإنجليزي، فمن المعروف عن «ذا ستافورد» كونه من أعرق العناوين الإنجليزية البحتة في لندن، فهو كان تابعا لممتلكات الملكة إليزابيث الثانية، وكان يستعمل قسم منه في الماضي اسطبلات للخيول الملكية.

ويقول فيلدز إن المطبخ الإنجليزي أصبح اليوم أكثر رونقا من ذي قبل، ففي الماضي كان طبق السمك مع البطاطس «فيش آند شيبس»، مغمسا بالزيت وتغلفه طبقة سميكة من الزبدة والطحين والدهن، إنما اليوم يمكنك تناول هذا الطبق في واحد من أهم المطاعم من دون الحصول على سعرات حرارية زائدة، كما أن هناك نوعيات مختلفة من البطاطس، فالخيار الجيد يؤدي إلى طبق ناجح.

وعن سؤاله عن أشهر الأطباق الإنجليزية وعن اعتقاد البعض أن طبق الكاري الهندي هو من تراث المطبخ الانجليزي، رد فيلدز ضاحكا بأن الأمر مغلوط، والدليل على ذلك هو أن هناك نسبة كبيرة من المناطق الإنجليزية التي لا تعرف الأطباق الهندية ولا توجد بها مطاعم هندية مثل منطقة لانكشير، إنما في لندن تنتشر ثقافة توصيل الأكل إلى البيوت (التيك أواي) بسبب نمط المعيشة في المدينة، وصحيح أن المأكولات الهندية تتصدر المطابخ الأجنبية في لندن.

وعن مطبخ فيلدز المفضل إلى جانب المطبخ الإنجليزي يقول إنه منفتح جدا على مطابخ العالم كلها، ويعشق السفر، ويتعلم في كل مرة يسافر فيها طبقا جديدا ويقوم بعدها بتحضير هذا الطبق في منزله، وكانت آخر محاولة له هي تحضير أحد الأطباق اللبنانية، فهو من أشد المعجبين بالمطبخ الشرق أوسطي.

ومن المعروف عن لندن أنها عاصمة الطعام في العالم، ويهدف فيلدز اليوم إلى استغلال سمعة المدينة في هذا المضمار وتقديم أفضل الأطباق الإنجليزية التي تحاكي تاريخ بريطانيا العريق.

وعن مطعمه المفضل في لندن يقول فيلدز إنه يحب طريقة هيستن بلومنتال في الطهي، وهو لا يزال من أنصار مطعم «بينتليز» الذي يقدم ألذ أنواع المحار، و«تايم هاوس» في منطقة سوهو. وبرأي فيلدز، نجاح المطعم هو من نجاح العاملين فيه والأجواء التي يقدمها والمهنية العالية والخدمة.

وعن تجربة العمل في فندق بالمقارنة مع أعماله السابقة في مطاعم، يرى فيلدز أن الأمر مختلف، وهناك نوع من التحدي خاصة في مسألة تحضير خدمة الغرف، في الفندق يعمل إلى جانب 7 طهاة متخصصين، وما يفضله في العمل في الفندق هو تمتعه بالحرية المطلقة في الاختيار والابتكار والقرار، فالإدارة به لا تقف في طريق الإبداع، فيترك الأمر للطهاة في المطبخ، وهذا الأمر يجعل العمل ممتعا أكثر.

وعن العقبات التي واجهته في بداية انضمامه إلى الفندق فيؤكد أن الأسعار على رأسها، ففيلدز يعادي فكرة الأسعار العالية جدا، ويعتقد أن الطعام الجيد ليس من الضروري أن ترافقه أسعار عالية غير مبررة، فهو يسعى لأن يكون سعر ثلاثة أطباق في مطعم الفندق نحو 28 جنيها إسترلينيا وليس أكثر.

وأنهى فيلدز المقابلة بوصف المطبخ الإنجليزي بالمجهول، وقد يكون السبب في ذلك هو تكتم الشعب البريطاني على أسراره وعدم مجاهرته بما يملك، على عكس باقي الشعوب الأوروبية. وختم كلامه بأن «أفضل ما يميز أي طبق في أي مطبخ هو البساطة والابتعاد عن التعقيد».

للمزيد من المعلومات: «www.kempinski.com/en/london».