«كافيه ديانا».. تحول إلى معلم سياحي لندني بسبب الأميرة الراحلة

مقهى الكباب العراقي الذي فاز بقلب «أميرة القلوب»

سمي المقهى «كافيه ديانا» تيمنا بالاميرة الراحلة ديانا التي كانت من زبائنه الدائمين
TT

عندما شرع عبد الباسط داود في العمل على افتتاح «كافيه ديانا» في منطقة نوتينغ هيل غايت، قبالة مدخل قصر الأميرة ديانا في منطقة كينزينغتون في وسط لندن، قبل 22 عاما، لم يكن يتصور أن هذا المقهى المتخصص في تقديم الكباب العراقي سيكون واحدا من أشهر مقاهي العاصمة البريطانية، بل تحول إلى علامة مميزة من علامات لندن السياحية، إذ يزوره اليوم السياح لالتقاط الصور أمام جدران المقهى المؤثث تماما بصور الأميرة الراحلة والتي أطلق عليها شعبها الذي يكن لها محبة عارمة لقب «أميرة القلوب».

داود، أو عبدول كما يطلق عليه أصدقاؤه وزبائنه الأجانب، ينحدر من عائلة مشهورة في العراق بتقديم أفضل كباب عراقي، ومنذ أن نزح والده من مدينة الموصل في شمال العراق إلى العاصمة بغداد ليؤسس مطعم «كباب نينوى» في حي المنصور الراقي ببغداد، امتدت سلسلة المطاعم والمقاهي التي تقدم هذا الكباب إلى مناطق أخرى في العاصمة العراقية، شارع الكندي في الحارثية، مثلا، ووصولا إلى لندن، وحتى اليوم يقف طابور من المنتظرين أمام «كباب نينوى» ببغداد لتميز كبابهم عن بقية المطاعم، وعلى مدى سنوات رفض، ويرفض عبدول ذاته بالتصريح عن مكونات خلطة كبابهم ليبقى علامة خاصة بالعائلة.

وتحدث صاحب «كافيه ديانا» لـ«الشرق الأوسط» عن قصة هذا المقهى قائلا: «عندما وصلت إلى لندن عام 1977 كان أول ما فكرت به هو افتتاح فرع لمطعم كباب نينوى المشهور ببغداد، لكن الظروف الاقتصادية لم تساعدني، فعملت لفترة في العقارات حتى تمكنت من جمع المبلغ اللازم لافتتاح هذا المقهى الذي افتتحت بعده مطعم بغداد في منطقة (كوينز واي) لكنني تخليت عن المطعم لأركز على نجاح هذا المشروع».

لكن عبدول لم يسم مقهاه الذي خطط له طويلا وأنجزه مثلما كان قد قرر سابقا «كباب نينوى» بل أطلق عليه اسم الأميرة البريطانية ديانا، يقول: «قبل افتتاح الكافيه كنت أتابع أخبار ونشاطات الأميرة ديانا ومشاريعها الخيرية وأرصد محبة الناس لها، ليس في بريطانيا فقط بل في أنحاء مختلفة من العالم وقد حملت لقب (أميرة القلوب) عن جدارة، فقررت أن أسمي الكافيه على اسمها خاصة أن موقع الكافيه مقابل لقصرها»، منوها: «إنني كنت قلقا من رفض الأميرة ديانا للفكرة وقد لا تتقبل أن يحمل كافيه يقدم الكباب العراقي اسمها».

وضع عبدول اللوحة التي تحمل اسم «كافيه ديانا» على واجهة مقهاه وبدأ ينتظر ردود أفعالها، «وفي 6 يناير (كانون الثاني) 1989 افتتحت الكافيه ، وكنت اعرف أن الأميرة ديانا تمضي إجازة أعياد رأس السنة مع عائلتها خارج لندن، وعندما عادت بعد أيام قليلة من افتتاح الكافيه مرت سيارتها من أمام الكافيه وكنت أقف هناك منتظرا إطلالتها لأرصد ردود أفعالها، فابتسمت وأشارت من خلال نافذة السيارة إلى الاسم ومضت في طريقها، فاعتبرت ذلك موافقة واضحة من قبلها على التسمية».

شكلت هذه الابتسامة مفاجأة سعيدة في نفس عبد الباسط الذي استمر وعلى مدى سنوات طويلة يقف عند باب الكافيه منتظرا مرور الأميرة ديانا ليقول لها صباح الخير، حتى ولو عن بعد. لكن المفاجأة الأكبر، والتي لم تكن ترد ببال عبدول هي أن تقوم الأميرة ديانا بنفسها بزيارة إلى الكافيه الذي يحمل اسمها، يقول: «ذات صباح فوجئنا بالأميرة ديانا وهي تدخل إلى الكافيه، كانت ابتسامتها مشرقة وتسبقها كالعادة، قالت مباشرة (جئت لأقول لك صباح الخير)، أسرع احد العاملين في الكافيه لإحضار باقة ورد وأعطيتها لها بمناسبة زيارتها، وقالت شكرا، ثم سألتني عن سبب تسميتي الكافيه باسم ديانا، وفيما إذا كان اسم زوجتي ديانا، قلت لها كلا، زوجتي ليس اسمها ديانا بل أطلقت الاسم تيمنا بك فأنا اعتز بك كثيرا ومعجب بشخصيتك وبإنجازاتك ومشاريعك الخيرية، ولأنك قريبة إلى الناس، وأنا أتفاءل بهذا الاسم، فابتسمت واحمر وجهها خجلا، وكانت كلما توجه لها كلمات إعجاب تشعر بالخجل ويحمر وجهها وذلك لتواضعها وبساطتها، وقالت شكرا».

لكن الأمر لم ينته بمجرد تحية صباحية مجاملة وحسب بل إن الأميرة ديانا راقها جو الكافيه، وحسب صاحب «كافيه ديانا» بعد ذلك جلست على طاولة قرب النافذة وطلبت كوبا من الكابتشينو ورحنا نتحدث كأصدقاء وكأننا نعرف بعضنا والعاملون حولنا، سألتني عن الكباب العراقي ومدى اختلافه عن سواه، وعن العراق وبغداد، وعن أمور حياتية عامة، ثم خرجت بعد أن أثثت المكان بسحرها». ولم تكن هذه الزيارة خاتمة المفاجآت بل كانت بدايتها، فبعد يومين من هذه الزيارة، وكما يوضح عبدول: «فاجأني حارسها الشخصي (البودي غارد) وهو يدخل حاملا هدية ثمينة من الأميرة ديانا وهي عبارة عن صورتها التي تحمل توقيعها الشخصي، وقال (الأميرة ديانا تحييك وأرسلت لك هذه الهدية) مع أني كنت أتمنى مثل هذه الهدية، بل أردت أن اطلبها منها عندما زارت الكافيه لكنني تراجعت وأجلت الموضوع لمناسبة قادمة، وإذا بها تفاجئني وكأنها عرفت ما أريده، وها هي صورتها التي تحمل توقيعها مثبتة في واجهة المحل». مستدركا: «وردا على هديتها بعثت لها بباقة ورد ورسالة شكر، وبقيت أبعث لها باقات الورود والرسائل في كل المناسبات حتى بعد عودتها من سفراتها من خارج بريطانيا، وفي المقابل كانت ترد على رسائلي، إذ بعثت لها مرة برسالة بعد ورود أنباء عن محاولتها الانتحار بسبب المشكلات التي كانت قد بدأت مع زوجها الأمير تشارلز، وعبرت لها عن تأثري لهذا الخبر وقلت لها عليك الاستمرار في مشاريعك لأنك لم تعودي ملك نفسك، وبقاؤك مهم لمن هم بحاجة لك ولأعمالك الخيرية، وبعد يومين تلقيت ردا منها في رسالة تشكرني بها وتشجعني على الاستمرار في العمل».

وبينما يشير عبد الباسط داود إلى الصورة والرسالة بعينها، والمثبتتان على الجدار الأيسر للكافيه، وسط عشرات الصور للأميرة ديانا، لزياراتها لدول العالم، ولأفريقيا خاصة، وأخرى لمعظم نشاطاتها، وبأزياء مختلفة، بالجينز والملابس الرياضية والسواريه والرسمية، وبينها صورة تجمعها وهي تحمل باقة ورد ملونة مع عبدول ذاته وبعض العاملين في الكافيه خلال زيارتها الأولى عام 1989، بينما تحتل صورة كبيرة جدا الجدار المقابل، في الحقيقة من الصعب أن تعثر على مليمتر مربع واحد في كافيه ديانا خاليا من صور «أميرة القلوب»، وهذا ما يجذب السياح للدخول إلى الكافيه لالتقاط الصور التذكارية مع جداريات صور الأميرة ديانا، تلك الصور التي كانت تحرج بكثرتها الأميرة عندما كانت تزور الكافيه، يقول عبدول: «لم تكن زيارات الأميرة ديانا منتظمة إلى الكافيه، لكن لم يكن يمر شهر إلا وتأتي لشرب القهوة، وأحيانا كانت تأتي مع ولديها وليام وهاري، وقبل انفصالها جاءت مرة مع زوجها الأمير تشارلز، وكانت تقول لي أرجوك لا تضع المزيد من الصور فيرد عليها العمال سنضع المزيد حتى في السقف»، ومن المفارقات الظريفة التي يذكرها عن الأميرة، يتذكر: «ذات مرة دخلت الأميرة ديانا إلى الكافيه فطلب منها أحد الزبائن الذي لم يتعرف عليها، أن تعطيه قنينة الكاتشاب الموجودة على طاولة بالقرب منها، فابتسمت وفعلت وسألته إن كان بحاجة إلى خدمة أخرى، وهنا انتبه وتعرف إلى شخصها، فهب واقفا معتذرا، بينما كانت هي تبتسم، وذات مرة كانت تتأمل صورة لها مع ولديها، فمازحها أحد الزبائن وسألها فيما إذا كانت تعرفهما، فردت بجدية تامة (نعم، بالتأكيد انهما ولداي وليام وهاري)، وغالبا ما كان حارسها الشخصي ينتظرها خارج الكافيه أو يجلس على طاولة أخرى، وغالبا ما كانت تأتي وتفاجئ الزبائن بحضورها، ومرة قالت لي (أنا اشعر هنا بالقليل من الحرية بعيدا عن أعين المصورين والمجاملات) إذ تخرج سعيدة»، مشيرا إلى أن «المصورين الفضوليين (باباراتزي) غالبا ما كانوا ينتظرونها قرب الكافيه أو يجلسون على طاولات خارج الكافيه، وكانت الأميرة ديانا تتضايق منهم كثيرا، حتى إنها ذات مرة توقفت قليلا وقالت لي (لا تدعهم يجلسوا هنا، أبعدهم عن الكافيه) وبالفعل أبعدتهم».

لقد استمرت الأميرة ديانا ترسل تحيتها الصباحية إلى عبدول كلما كانت تخرج من بوابة مدخل قصرها، باستثناء مرة واحدة، حسبما يتذكر عبدول قائلا: «حدث ذلك عندما عرفت بوفاة والدها فخرجت حزينة، وخلال إجراءات الطلاق جاءت لوحدها بعد أن سحبوا اللقب الملكي منها وأبقوا على لقبها كأميرة ويلز، كانت تقود سيارتها لوحدها عائدة من النادي الرياضي، وجلست لأكثر من ساعة حيث تحدثت عن مشاعرها عن الطلاق، وقالت (أنا لست حزينة بسبب الطلاق، بل أنا حزينة من أجل ولدي وليم وهاري لأن الطلاق سوف يؤثر على مشاعرهما، فأنا نفسي ضحية طلاق أمي وأبي، وكنت طفلة عندما انفصل والداي وتأثرت جدا وحزنت لذلك وأرجو إلا يصيب ولدي أي شعور من هذا)، أما آخر زيارة لها للكافيه فقد كانت قبل رحيلها بأسبوعين، وكانت زيارة سريعة».

لم تنقطع علاقة عبد الباسط مع ولدي الأميرة ديانا، يقول: «بعثت برسالة تهنئة إلى الأمير وليام بمناسبة خطوبته وتمنيت له زواجا سعيدا ودعوته لزيارة الكافيه مع خطيبته، وذكرته بأن أول زيارة له للكافيه كانت مع والدته عام 1989 وكان عمره سبع سنوات حيث وضعت فوق رأسه، وقتذاك، تاجا ورقيا ملونا مخصصا للأطفال»، متذكرا: «ذات مرة جاء شقيقه هاري إلى الكافيه، عندما كان طفلا مع مربيته وشرب العصير كما طلب شوكولاته وقال سأخبر وليام بأني كنت في كافيه ديانا وأخذت شوكولاته، فقالت له المربية أرجو ألا تخبر أي أحد لأنه ليس من المفروض أن نكون هنا بلا موافقات مسبقة، موضحة بأنها جاءت معه بناء على رغبته، لكنهما للأسف لم يحضرا إلى الكافيه بعد رحيل والدتهما الأميرة ديانا».

عبد الباسط يقوم بتجديد الكافيه سنويا من دون أن يغير الصور المعلقة، بل يضيف إليها صورا أخرى، يقول: «خلال عملية تجديد المنظر الخارجي والداخلي وطلاء الكافيه أرفع صور الأميرة ديانا ليومين حتى تجف الجدران، وخلال هذين اليومين يصيبني الصداع نتيجة الأسئلة المتكررة من قبل الزبائن أو المارة عما إذا كانت الصور ستعود أم لا، فأوضح لهم الموضوع».