«Pepe عبد».. متحف فمطعم فجلسة تعبق بالشهرة وبرائحة السمك

ربط بين الأكابولكو وجبيل فصنع تاريخا خاصا به

TT

إذا قصدت لبنان ولم تزر مطعم «pepe عبد» فكأنك ذهبت لتمضية رحلة شهر عسل من دون رفيق. بهذه الكلمات وصف الصحافي الفرنسي غولت ميليو مطعم «pepe عبد» المشرف على ميناء جبيل الذي كان ولا يزال محط أنظار السياح في لبنان منذ عام 1961 حتى اليوم.

فهذا المطعم الذي يأخذك في رحلة بحرية صرفة وأنت تجلس على كرسي خشبي سبق وجلس عليه أهم المشاهير في العالم أمثال بريجيت باردو، وجاك شيراك، وإياد علاوي، وأمير موناكو، وداليدا.. وغيرهم، سمي هكذا تيمنا باسم صاحبه ومؤسسه اللبناني يوسف عبد الذي عاش فترة طويلة من حياته في المكسيك وعلى شاطئ الاكابولكو بالتحديد، إلا أن حبه الكبير لبلده الأم جعله يترك كل شيء من أجل شاطئ جبيل. و«pepe» تعني بالمكسيكية جوزيه، أو يوسف بالعربية.

«pepe عبد» ليس مجرد مطعم سمك عادي، بل كناية عن عنوان لمتحف عريق يعبق بذكريات المشاهير وتحلو فيه الجلسة كلما شعرت بالحنين لتناول طبق سمك شهي ينقلك إلى أعماق البحر من خلال ديكورات تطفو على جدرانه وأرضه.

يطل المطعم على لوحة طبيعية رسمتها البواخر والمراكب الراسية في ميناء جبيل وقد ظهر خلفها البحر الأزرق الواسع والهادئ الذي تتميز به مدينة الحرف بيبلوس كما هي معروفة به منذ أيام الفينيقيين، وإلى جانبه قلعة جبيل الأثرية.

وما إن تطأ قدماك محيطه حتى تتسلل إلى أنفك رائحة السمك المشوي على الفحم أو المقلي بفن والمعروف في المنطقة بسمك «pepe» البلدي. ولا يلبث أن يأخذك نظرك إلى تفاصيل هندسة معمارية لمطعم مبني من الحجر القديم مزنر بسلاسل حديدية مشابهة تماما لتلك التي نشاهدها عادة على مداخل البواخر فتدخله من فوق بضع درجات ضيقة صنعت من الطين توصلك إلى ردهة معتمة تستقبلك بلوحة خشبية كتب عليها: «قبعات أدميرال قدمت لـ(pepe عبد) من قبل سفراء دول المتوسط»، وهي بالفعل معروضة على رفوف قطعة أثاث داخل المطعم، وكان يوسف عبد يهتم بها وكأنها كنز نادر. وفي أسفل اللوحة كتابة تدل على المهنة الأساسية لعائلة عبد وهي صناعة وبيع المجوهرات.

وأول ما يلفتك أرضية الـ«terrasse» أو الشرفة المغطاة بطبقة من البحص الملون البحري، التي لملمها صاحب المطعم بنفسه من شاطئ جبيل لتصبح سجادة بمثابة فسيفساء حجرية تزين المطعم. ويطالعك عن يمينك بوابتان خشبيتان تعلوهما قنطرتان من الحجر الصخري تعبر منهما إلى غرفتين منفصلتين تتضمنا متحف «pepe عبد» وفيه كل التذكارات والإهداءات والمنحوتات واللوحات التي جمعها يوسف عبد من زواره من مشاهير الفن والسياسة والسلك الدبلوماسي، بالإضافة إلى قطع المجوهرات التي صنعها من عقود وأساور، والأوسمة وشهادات التكريم التي حصدها في حياته. وتستند على الأرض مباشرة أمامك مرساة بحرية من الحديد تعلمك أنك في مطعم بحري.

أما من جهة الشمال فيطالعك مكتب يوسف عبد وفيه أغراضه الخاصة وأوان وكراسي قديمة تمثل أول قطع أثاث وديكور استعملها في المطعم.

ويبدو منذ النظرة الأولى لزائر المطعم بساطة الديكور وارتباطه ارتباطا مباشرا بالطبيعتين البحرية والريفية في آن، أن من خلال الطاولات الخشبية وكراسيها الزرقاء المستوحاة من لون البحر وأغطيتها المفروشة عليها بأناقة وتجمع ما بين الأبيض والأزرق أيضا. أما السقف الخشبي المغمور بقطع القصب أحيانا وشباك البحر أحيانا أخرى فتتدلى منه إنارة خافتة داخل سلال من القش تعكس رومانسية الأجواء وتتوزع بينها مراوح هوائية تستعمل لتبريد الجو في الأيام الحارة، وقد رفض القيمون على المطعم من آل عبد استبدال أخرى حديثة بها للحفاظ على الخط الريفي الذي أراده مؤسس المطعم يوسف عبد، حيث إنه منذ وفاته عام 2006 لم يقم أحد بأي تغييرات جذرية على المطعم.

أما أرضية داخل المطعم فتختلف عن الـ«terrasse» بحيث هي مرصوصة ببلاط أحمر لامع.

ولمن يهوى التمتع بجلسة مريحة مغايرة عن الكراسي الخشبية الموزعة حول طاولات الطعام فإن باستطاعته أن يسترخي على صوفا خشبية مفروشة بمساند وطراحات حمراء محشوة بالقطن موجودة في ركن من أركان المطعم.

وبقرب المنضدة أو الـ«bar» التي تتوسط المكان تجد لوحات خشبية مختلفة الأحجام في داخلها صور تذكارية أخذها صاحب المطعم مع زواره من المشاهير أمثال الفنانين الفرنسيين جيلبير بيكو، وجوني هاليداي، وداليدا.. وآخرين عالميين مثل مارلون براندو، وكلوديا كاردينالي، بالإضافة إلى شخصيات لبنانية أمثال كميل شمعون، وريمون اده، ورشيد كرامي، وبيار الجميل.. وغيرهم.

أما أواني الفخار فتجدها موزعة هنا وهناك، بعضها يتدلى من سقف الشرفة وهي عبارة عن أباريق صغيرة وكبيرة وأخرى موجودة في زوايا وممرات المطعم كالجرار.

ويبدأ مشوار الطعام عادة بالترمس واللوز المنقوع كمقبلات وفاتحة للشهية مرورا في ما بعد بالحمص المتبل بالطحينة والبابا غنوج واللبنة بالتوم ورقاقات الجبن والروبيان والصبيدج والأخطبوط.. وجميعها تقدم في صحون من الفخار، بالإضافة إلى سلطات منوعة بينها التبولة والفتوش ووصولا إلى الأطباق الأساسية من السمك اللقز والفريدي والسلطان إبرهيم المشوية والمقلية.

أما أيام الآحاد فيقدم المطعم لزواره البوظة العربية المدقوقة التي يندر وجودها حاليا لأنها تصنع يدويا.

ويستعد خوسيه عبد، وهو حفيد يوسف عبد من ابنه روجيه والذي يدير المطعم حاليا، إلى تخصيص قاعة من قاعات المطعم لعرض المركب الخاص بيوسف عبد المعروف بـ«pepe» الذي حمل على متنه أجمل الذكريات.

وهكذا تخرج من «pepe عبد» وأنت تشعر بالشبع من ثقافة منوعة صقلتها الذكريات والصور، ومن أجواء حالمة تأخذك إلى عالم البحر قلبا وقالبا ومن أطباق لبنانية أصيلة اعتمد في تحضيرها الشيف زخيا رميا كل ما هو عضوي (organic) وبلدي.