صاحب «موموز» يملك الكثير من المطاعم.. لكنه لا يملك شيئا

مراد معزوز يحمل حبه للجزائر في أطباقه وموسيقاه

مراد معزوز رجل أعمال ناجح وموسيقي من الطراز الأول
TT

في إحدى أمسيات توزيع جوائز صحيفة «الإيفننغ ستاندرد» البريطانية التي تقام سنويا في لندن وتقوم باختيار أفضل مطاعم العاصمة وكل ما له علاقة بعالم الطهي والأكل، سمعت اسم مراد معزوز يتردد في القاعة، وعجت القاعة بالصراخ والترحيب بذلك الشاب صاحب الشعر الرمادي واللحية الناعمة البيضاء، كان يرتدي الجينز ويلف حول عنقه شالا أسود مع سترة من المخمل الأسود، وبتلك الإطلالة البسيطة وبابتسامة دائمة لم تفارق ثغره، تسلم معزوز جائزته عن أفضل صاحب مطعم للعام Best Restaurateur. وكانت تلك فرصة مناسبة لتعريف معزوز بنفسي وعندما سمع باسم «الشرق الأوسط»، ابتسم أكثر وتخلى عن لكنته الفرنسية وهو يتكلم الإنجليزية وراح يرحب بي وبالصحيفة باللهجة الجزائرية مستعملا بعض العبارات الأمازيغية أيضا، هنأته بالجائزة ووعدني حينها بمقابلة للصحيفة إلا أن أسفاره وتنقله بين لندن وباريس وبيروت حالت دون اللقاء.

ولكن معزوز وفى بوعده واتفقنا على اللقاء في لندن لإجراء المقابلة خاصة أنه يحتفل حاليا بافتتاح مطعم «موموز في الأسواق» في بيروت.

في مطعم «موموز» الواقع بالقرب من شارع «ريجنتس» الشهير في لندن انتظرت مراد معزوز يأتي برفقة مساعد وسائق إلا أنه فاجأني بمجيئه على دراجته النارية «السكوتر» وتبين لي في سياق الحديث أنه لا يملك سيارة ولا يملك حتى أي منزل، فهو يعيش في شقة بالإيجار، في لندن وفي باريس وحتى حاليا في بيروت مكان إقامته منذ 6 أشهر، والسبب وبحسب ما قاله معزوز، أنه ضد فكرة التملك ويرى الحياة بمنظور يتناقض مع النظرة التي قد يكونها عنه من هم من حوله خاصة أنه رجل أعمال معروف جدا في الأوساط اللندنية والباريسية، سجل العديد من النجاحات في مجال تأسيس المطاعم وصنع لاسمه مكانة مهمة في أوساط المشاهير وعندما افتتح مطعم سكيتش في منطقة مايفير كان ذلك من الأحداث المهمة في لندن وأصبح المطعم الذي أطلق عليه في حينها لقب أغلى مطاعم العاصمة ملاذا لألمع الأسماء في عالم الموضة والتمثيل وكان ولا يزال مقصد أهم أعلام هوليوود.

مراد معزوز ليس طاهيا ولا يجيد الطهي إلا أنه روى لنا قصة طريفة عندما اضطر لدخول المطبخ في إحدى الليالي المكتظة بالساهرين في مطعم «موموز» بعدما اعتذر الطاهي الرئيسي عن المجيء بسبب حالة مرضية مفاجئة، عندها اختبر معزوز قدراته في الطهي وكانت النتيجة جيدة لا بأس بها ولو أنه يفضل ترك هذه المهمة للمحترفين العاملين معه في جميع فروع «مومز» و«سكيتش»، وقال معزوز الذي بدأ العمل في هذا المجال منذ أواخر السبعينات إنه في الماضي كانت مهمة الطاهي هي الوقوف في المطبخ، ابتكار وتقديم الأطباق إنما اليوم تغير مفهوم مهنة الطاهي إذ أصبحنا نجد الطهاة - رجال أعمال، ولم يرد معزوز التعليق على هذه الفكرة بالسلبية أو الإيجابية إنما فضل إعطاء رأيه من زاوية مختلفة مشددا على رفضه تسمية «المطاعم» بـ«المفهوم» أو الـConcept والسبب وبحسب تفسير معزوز هو أن المطعم هو مطعم وليس برنامجا مبرمجا.

وأشاد معزوز بقدرة بعض الطهاة العالميين أمثال زوما ونوبو اللذين استطاعا خلق فروع عديدة لمطاعمها حول العالم تحت راية واحدة وبمفهوم واحد، قائلا بأنهما نجحا بذلك ولكنه هو شخصيا لا يستطيع ذلك، فمطعم موموز في لندن يختلف تماما عن «الماظ» في دبي وعن «موموز في الأسواق» في بيروت والسبب هو إعطاء كل مطعم حقه وهويته، إنما الفكرة الوحيدة التي تطبق في جميع الفروع تقتصر على المهنية واختيار أفضل الطهاة وتقديم الأطباق الفرنسية والشمال أفريقية في قالب محبب لدى الناس والاهم من هذا كله، تقديم الأجواء الدافئة والمريحة في كل مطعم. وعن مطعمه الجديد الذي افتتحه مؤخرا في بيروت، يقول معزوز إنه يحاول فيه استخدام الكثير من المنتجات اللبنانية والمكونات المحلية مثل الزعتر وإدخالها في الأطباق ويتم شراء العديد منها من سوق الطيب في بيروت، والطاهي الرئيسي جزائري الجنسية كان يعمل سابقا لمدة عشر سنوات في سكيتش لندن، كما توجد على لائحة الطعام في بيروت أطباق خاصة بذلك الفرع مثل طبق «الطاجين بالحامض» حتى لا يكون هناك أي نوع من اللغط والمقارنة مع مومز في لندن، والمأكولات هي فرنسية وشمال أفريقية ومن أهم الأطباق التي تقدم البريوات والكارباتشيو والتارتار والزعلوق والحريرة.

وعن مطعم الماظ في دبي يقول معزوز بأن قصة هذا المطعم مثيرة ومضحكة فمن زار هذا المطعم يدرك أنه لا يحتل الموقع الأفضل في المركز التجاري ولو أنه كان بإمكاني اختيار أي مكان آخر في دبي إلا أنني أحببت الشخص الذي شاركني المشروع في دبي وهذا كان هو السبب.

مراد معزوز لا يمكن وصفه إلا بالنزعة الجنونية أو بالأحرى بمواصفات الفنان الحقيقي الذي يرى الأشياء من حوله بنظرة مختلفة، ففلسفته الحياتية تختلف عن فلسفة رجال الأعمال تماما، فهو يعتبر كل مشروع يقوم به بمثابة طفل جديد يرعاه ويفرح به وبنجاحه وأجمل مرحلة في أي مشروع هي المرحلة الأولى عندما يشارك معزوز بوضع لمسات الديكور ولوائح الطعام.. إلا أن المادة والمال لا يعنيان أي شيء له في الحياة، الأرباح التي يجنيها من عمله يشاركه بها أهله في الجزائر ويؤمن بها ما يحتاجه أبناؤه ولو أنه ضد فكرة شراء الألعاب والحاجيات باهظة الثمن، فهو فعلا لا يملك إلا القليل مما يحتاجه لتأليف وسماع موسيقاه الصحراوية التي يعمل عليها مع فنانين جزائريين وعالميين، وبمجرد أن تلفظ كلمة موسيقى، يشع وجه معزوز بالنور فهو يعشق الموسيقى، وبعد سماع الألبوم الغنائي والموسيقي الذي أنتجه فهمت حبه للصحراء ولبلده الجزائر الذي يزوره حاليا في المناسبات السعيدة والمؤلمة فقط، مفضلا الاحتفاظ بصورة خاصة به عن الجزائر يجدها مطبوعة في ذاكرته قبل ترك بلاده والعيش في باريس عندما كان في سن الـ17.

وعن الموسيقى، وحبه لها، يصف معزوز نفسه بالهاوي الذي يسعى إلى تأليف الموسيقى الصحراوية من سيوا إلى موريتانيا ويحب الموسيقى الأفريقية وموسيقى الطوارق. وقال معزوز إن موموز في لندن يقدم كل يوم ثلاثاء أمسية موسيقية ويمكن الدخول مجانا فهذه الموسيقى هي لعشاق الفن الحقيقي.

وحدثنا معزوز عن المطبخ الشمال أفريقي قائلا إن افتتاح موموز في لندن كان بمثابة تحد حقيقي فالأطباق المغاربية لم تكن معروفة، إنما الحظ حالفه في نشر المطبخ الجزائري والمغربي بطريقة أحبها الأوربيون.

مراد معزوز.. قصة نجاح

* ولد مراد معزوز (48 عاما) في الجزائر، ويعيش في لندن منذ 15 عاما. عندما وصل مراد الشاب إلى باريس شارك في العديد من الوظائف المتواضعة حتى طلب منه الكوميديان الجزائري العالمي إسماعين فيروز أن يكون مسؤول العلاقات العامة الخاص به. وكان مراد الرجل المناسب لهذه الوظيفة نظرا لقدرته الطبيعية على جعل الناس يشعرون بالألفة. وبعد مرور عامين أصبح مراد مشهورا في دائرة باريس الليلية، وبعد فترة من الزمن قضاها في السفر خارج البلاد حيث عمل في مطاعم شهيرة من ضمنها مطعم «مال ميزون» في لوس أنجليس، عاد مراد إلى باريس بعد أن أصبح صاحب مطعم «باغ».

وقام بتعيين بعض أصدقائه المقربين الذين ساعدوه في فتح أول مطعم صغير له في باريس عام 1988 وأطلق عليه اسم «أو باسكو». وفاز مطعمه بلقب مطعم العام بعد اثني عشر شهرا من افتتاحه. وعلى الرغم من ذلك كان حلم مراد هو أن يفتح مطعما يقدم أكلات شمال أفريقية ليعكس جذوره.

وحقق مراد حلمه عندما افتتح مطعم 404 في باريس عام 1995، ومطعمه الضخم والناجح «مومو ريستوران فاميليال» في لندن عام 1997، والذي فاز بجائزة صحيفة «إفنينغ ستاندرد» لأفضل المقاهي وفاز مطعم «مومو» بالجائزة بعد عام واحد على افتتاحه.

في عام 1999 قام مراد بتوسيع مطعم «مومو» وفتح مقهى «مو» بجواره، وهي فكرة مبتكره تشمل بوتيك بازار كلاسيكي، ويقدم «كيميا» (وجبة خفيفة عربية أشبه بالمازة أو التاباس الإسبانية).

وبسبب فكرته غير التقليدية التي تختلف عن المطعم الأم، يعد مقهى «مو» الآن أحد أكثر الأماكن رواجا في وسط لندن.

وقام مراد في نفس العام بمساعدة أصدقائه أمثال باسكال اوسينياك وفينسان لابيري في تمويل وتقديم المشورة لمطعم «كلوب غاسكون»، المصنف داخل دليل «ميشيلين» للتميز.

ويحرص مراد على إلقاء الضوء على الثقافة الغنية في شمال أفريقيا لذا أعد كتابا عن الطهو والسفر، تحت عنوان «رحلة طهي عبر شمال أفريقيا». وتمت ترجمة دليل طهي مومو (2000) بعد ذلك إلى خمس لغات هي الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والهولندية والألمانية.

وفي عام 2001 افتتح مراد مع شريكين آخرين مطعم «كي إم فايف» في ايبيزا في إسبانيا.

وفي عام 2002 قام مراد بافتتاح مطعم، «سكيتش»، بالتعاون مع الطاهي بيير غانيير، وفي جعبته ثلاث نجوم ميشلن. يجمع «سكيتش» بين فن طهي الطعام الفاخر والفن الرائع، وحصل على عدد من الجوائز الهامة بما فيها نجمة «ميشيلين». ويعتبر مراد «سكيتش» مكانا تمتزج فيه الموسيقى والفن والطعام والتصميم والفيديو لتخرج تجربة منفردة للحواس الخمسة.

وفي عام 2006 افتتح مراد مطعم «ألماظ» في دبي، وهو دمج رائع بين التصميم والطعام الشمال أفريقي الحديث.

وفي يناير (كانون الثاني) 2009، دشن مراد مطعمه «دابل كلوب» في منطقة ايزلنغتون بلندن وقد صمم هذا المطعم مهندس الديكور العالمي كارستين هولر ودعمته مؤسسة «برادا». ويعد من أكثر المشروعات شعبية هو المطعم الكونغولي إذ أصبح من أكثر الملاهي الليلية شهرة.

وحظي مطعم «ديريير» المطعم الباريسي الأخير لمراد والذي أنشأه عام 2009 على شهرة واسعة النطاق.

كما افتتح مراد مطعم «مومو في الأسواق» الذي يعد المغامرة الأخيرة له في مارس (آذار) 2011 حيث يحتل موقعا متميزا في سوق بيروت القديمة في منطقة وسط العاصمة. ويتسع لمائتي مقعد، يقع نصفها في حدائق تحيط بالمبنى.

وبالتعاون مع مصممة الديكور الشهيرة انابيل كريم قصار، الفائزة بجائزة دولية، استخدم مراد المزيد من السمات المعاصرة في إنشاء هذه المساحة.

ويقدم المطعم وجبات الغداء والعشاء والوجبات الخفيفة طوال اليوم، كما تشتمل قائمة الطعام على مزيج من الأطباق الفرنسية واللبنانية وأطباق شمال أفريقيا.

وأخيرا قام مراد بإعادة ترميم مقهى «مومو» في لندن، في الطابق السفلي لـ«مومو»؛ تصدح الموسيقى العالمية كل يوم ثلاثاء حيث يسود جو من الجاذبية والمرح وموسيقى السول أو الفانك أو الهيب - هوب أو الراب أو الداب أو الهاوس أو الموسيقى الإلكترونية. ويعتبر هذا البرنامج الرائع للدي جي والعروض الحية في صدارة حياة الليل في لندن. كما تتاح الأمسيات الموسيقية العالمية الأسطورية للجميع أيام الثلاثاء.

وفي مايو (أيار) 2001، أسس مراد شركة إنتاج موسيقي مع ستيفان مالكا وماثيو ماساديان مجموعاته الخاصة، فأصدر «أرابيسك زودج 2» (2001)، و«افريكانيسك» (2002)، و«أرابيسك تلاته 3»، و«سكيتش 01 نايت» و«ون نايت أت موموز» (2004)، و«سكيتش 02 داي (2005)» و«لاتينسك» (2006). وقد كلفت شركة «هابيتات» مراد إنتاج أربعة ألبومات لفنانين مشاهير مثل المصممة العالمية تريسي إيمين ومالكولم ماك لارين (الذي لم تصدر من قبل أغانيه الأصلية)، واتيان دو كرسي وغيل بيترسون. كما قاموا أيضا بإصدار البومات أصلية مثل سمادج «تيك إت آند درايف» و«تافتاس» (2004).

وقد تسلم زمام القيادة مع شريكته كارولين كريم قصار عام 2007 وأصبح اسم «تسجيلات موزيك» الذي أصدر أولا «أرابيسك أربعه 4» وصدر في يوليو (تموز) عام 2008؛ وهو ألبوم مزدوج يشتمل على 14 مسارا تقليديا و10 ريمكسات (ميدنايت مايك، هواي بي.، بلاي غراوند....). وأنتج ستيفان مالكا مع موسيقيي الفيلا بالإضافة إلى بعض الفنانين النيجريين الواعدين الألبوم «37 حالة» والذي صدر في سبتمبر (أيلول) عام 2008 بالاشتراك مع تسجيلات بي بي إي.