«الجبن البلدي» في المغرب صامد في مواجهة أجبان المصانع

قرويات يجلبنه طازجا.. وجبن اليوم لا يصلح للغد

بائعة للجبن البلدي ( تصوير محسن الأشهب)
TT

من بين المواد الغذائية المنتشرة في طنجة وضواحيها، خاصة في الطريق نحو مدينة تطوان «الجبن البلدي» أو «قشطة الحليب»، حيث تجلب فلاحات هذا النوع من الجبن إلى قرب الطرق لبيعه للمسافرين بالسيارات، وأحيانا يحملنه إلى أسواق المدينة.

ويتم إعداد «الجبن البلدي» من مشتقات الحليب في البيوت بدلا من المصانع وبطريقة تقليدية، وهو وجبة دسمة جدا ربما تكون لها بعض المضار التي يسببها الدسم لكن لذتها لا تقاوم بالنسبة لكثيرين لا يحفلون عادة بالمضار الجانبية، أو احتمالات ذلك. اعتاد أهل شمال المغرب على تناول «الجبن البلدي» وهم يتناولونه في وجبة الإفطار الذي عادة ما يتكون من الجبن والشاي والخبز الساخن. تمتهن «فاطنة» بيع «الجبن البلدي» منذ زمن، وهي تصنعه ليلا في بيتها وتبيعه في اليوم التالي، ونظرا لعدم وجود آلات للحفظ والتبريد، تعمل متفانية من أجل بيع كل الكمية، وإن لم تفلح يكون ما تبقى من نصيب أطفالها «لأن جبن اليوم لا يصلح للغد» كما تقول.

تحتاج «فاطنة» لتحضير كمية من الجبن إلى «نصف لتر حليب، ولتر من اللبن وقليل من الملح، تخلط اللبن والملح، ثم يغلى الحليب ويضاف إليه اللبن ويخلط جيدا ويترك لمدة 10 دقائق، ثم توضع قطعة من ثوب فوق طنجرة صغيرة ويصب فوقها خليط الحليب واللبن بعناية، وتربط بعد ذلك جوانب الثوب ويعلق لمدة، ثم يفرغ الجبن في سلة صغيرة ويبسط بملعقة لمدة ساعتين وليأخذ شكل السلة أو الإناء المستعمل»، وبعد ذلك يصبح جاهزا للأكل.

عند وقوف أي سيارة على الطريق في مخارج طنجة، تركض هؤلاء النسوة بلباسهن التقليدي الذي يتكون من قبعة مزينة بخيوط من الصوف الملونو «المنديل» وهو قطعة من القماش الصوفي مخطط باللونين الأبيض والأحمر يوضع على الخصر، نحو الزبائن لبيع ما تيسر. تتداخل أصواتهن وتتعالى إلى درجة يحتار معها المرء إلى من ينصت وممن سيشتري، حيث تحمل كل واحدة بين يديها دوائر من ورق النخيل الأخضر، يوضع بداخلها الجبن الذي اتخذ شكلا دائريا، ثم يغطى بورقة نخيل أخرى للتزيين، تحاول إقناعك بأن جبنها هو الأفضل والأنظف والأكثر طراوة.

كان ذلك اليوم يوما سعيدا بالنسبة لـ«فاطنة»، إذ باعت جميع الأجبان التي جلبتها معها، وهذا لا يحدث إلا بين الفينة والأخرى، تفسر «فاطنة» ذلك بقولها «نحن الآن في أيام عطلة، وزوار مدن الشمال كثر هاته الأيام، وهناك إقبال كبير على الجبن البلدي» لكن «فاطنة» تشتكي من قلة الإقبال في أيام أخرى، وتقول إن السبب هو تقليد بعض المصانع «للجبن البلدي» التي نقلت من هؤلاء النسوة طريقة صنع الجبن مع إضافة مواد صناعية حافظة، وتفننت في صنع الأغلفة البلاستيكية، مع الحفاظ تقريبا على نفس الاسم مثل «الجبلي» مثلا. وهكذا يواجه «الجبن البلدي» المصنوع من حليب الأغنام والماعز والأبقار منافسة قوية من طرف أنواع كثيرة من الأجبان المصنعة والمقدمة في علب وأغلفة جذابة، تعرض في المتاجر والأسواق الكبرى وبأسعار متفاوتة، إلا أنها لم تستطع القضاء كليا على «الجبن البلدي» الذي حافظ على زبائنه الذين يتذوقونه ويفضلونه على الجبن المصنع نظرا لخلوه من المواد الكيميائية والمواد الحافظة. لكن «فاطنة» تؤكد وبثقة «الجبن الذي نصنعه نحن هو الأفضل لأنه طبيعي وخال من أي إضافات».