المقبلات الطازجة والموسمية أحدث صرعة في المطاعم اللبنانية

يتناولونها وهم يستمعون إلى أغاني زياد الرحباني وفيروز

TT

لم تعد المقبلات الكلاسيكية كالفستق والكاجو والبزورات على أنواعها والتي عادة ما كانت تقدّم على الموائد لفتح شهية الزبون ولإلهائه فيها ريثما يتم تحضير الطعام الذي يطلبه مزدهرة في الآونة الاخيرة في المطاعم اللبنانية بعدما تم استبدالها بأخرى تتناسب مع نظام التغذية الصحي المنتشر مؤخرا في لبنان بين الشباب الجامعي اللبناني خاصة تحت عنوان الـ organic.

ويعتبر شارع الحمرا في بيروت أحد أكثر الشوارع في العاصمة التي يروّج فيها هذا النوع من المقبلات نظرا لرواد الحانات المنتشرة في أحيائه وأزقّته المعروفة والمؤلفة عادة من الطلاب والتلامذة.

فإذا قصدت اليوم مطعم «أبو ايلي» أو Dany’s او The prague او Rabbit hole في الحمرا لا بد أن تلفتك الصيغة الجديدة المتبعة فيها بما يخص تقديم المقبلات للزبون والتي ينتظرها هذا الأخير عادة لتسدّ البعض من جوعه فيتناولها مع كوب عصير مثلّج أو مع كوب من أحد أنواع المياه الغازية وما شابهها.

فما إن تجلس على كرسيك حتى تبدأ صحون المقبلات تنزل تباعا وبسرعة لتصطف جنب بعضها البعض وتلوّن المائدة بالأخضر والأحمر والأبيض والبرتقالي فتلتهمها بنظرك قبل أن تتناولها وتتلذذ بطعمها. وغالبا ما تتألف هذه المقبلات من فواكه أو خضراوات موسمية طازجة وأحيانا من حبوب منقوعة بالماء أو جافة شرط أن تكون طبيعية ليست مدخنة أو محمّصة تبعا لنوعيتها. ولا تتوانى بعض هذه المحلات من إشغال أذن الزبون إضافة إلى فمه من خلال إضفاء أجواء موسيقية أصيلة أيضا تتنوع بين أغان لزياد الرحباني وفيروز وسامي حوّاط والتي يستمع إليها الجيل الجديد بشغف ويفضلها عن تلك التي تصدح عادة في حانات ذات طابع غربي كالبلوز والهارد روك وغيرها.

ومن بين تلك المقبلات اللوز الأخضر المنقوع بالماء والبازيلا والفول الأخضران وكذلك التفاح الموشّح ومن نوع الغولدن والستاركن المقطّع قطعا صغيرة وقد شكّت فيها عيدان الخشب الصغيرة المعروفة بالـcuredent بالفرنسية وبالـ«مسواك» في الفصحى ليتسنى للزبون تناولها بسرعة ودون توسيخ يديه.

ماهر قزي وهو طالب جامعي يدرس الهندسة المعمارية في الجامعة اللبنانية يقصد شارع الحمرا أقلَه مرتين في الأسبوع ليأخذ فترة راحة في إحدى حاناته برفقة أصدقائه وهناك يبحثون دائما عن الحانات اللبنانية الأجواء فيستمتعون بالموسيقى الرحبانية خاصة تلك الملحنة من قبل زياد الرحباني ويقول: «ليس هناك أجمل من أكل التفاح البلدي على صوت فيروز أو جوزف صقر فنردد معهما (عا هدير البوسطة) مثلا ونشعر كأننا مالكون الدنيا وما فيها».

أما مروان حجار الذي يسكن منطقة رأس بيروت فيرى أن هذا النوع من الحانات أعاد إلى الشباب اللبناني متعة السهر خصوصا أن القعدة وأجواء بعض هذه الحانات تشعرك وكأنك في بيتك الخاص فمن ورائك يصدح صوت سامي حوّاط مثلا يغني «طللي اضحكيلو» أو «حضرتنا من الراي العام صوت اللي ما الن صوت» ومن أمامك صحون الفول الأخضر أو الجنارك الحامضة أو القضامي الصفراء تناديك كمقبلات خفيفة لجلسة مميزة.

ومن الفاكهة التي تضعها حانة the prague في شارع الحمرا مثلا لزبائنها كمقبلات قبل تناول الطعام حبوب العنب الأحمر والخوخ الأصفر والاكي دنيا البرتقالية .

أما نوعية الحبوب الرائجة في هذا المضمار فتبدأ بالحمص المبلول والترمس البلدي وصولا إلى فستق العبيد وبزر البطيخ الأصفر. وتضيّف بعض هذه الحانات زبائنها القنبز وهو نوع من الحبوب الذي تقتاته الطيور وكذلك الذرة المسلوق. ويقول منير الحلو أحد العاملين في حانة Dany’s في الشارع نفسه إن هذا النوع من المقبلات أو فاتحة الشهية لم يكن واردا تقديمه في الماضي إذ كان يعتبره الزبائن من حواضر البيت ولا يجوز تقديمه في حانة أو مطعم لأنهم عندما يرتادونها ينتظرون أن تقدّم لهم المقبلات التي لا توجد عادة في منازلهم أما اليوم فقد تغيرت هذه العادات وأصبح الزبون يبحث عن المطعم الذي يشعره وكأنه في البيت وتكون أطباقه على أنواعها وكأن ربة المنزل نفسها هي التي حضّرتها.

فموجة الـ Organic أي تناول كل ما هو طبيعي وغير خاضع لأي مواد كيمائية أو أخرى حافظة غزت نظام حياة اللبناني ولا سيما المتابع لأخبار الاختصاصيين الغذائيين الذين ينادون دائما باتباع نظام صحي صحيح خال من المواد المصنعة من خلال برامج تلفزيونية أو إذاعية.

بعض المطاعم صارت تتباهى أمام زبائنها في ذكر مصدر خضارها وفواكهها بأنها من حديقتها الخاصة وليست مستوردة أو مستقدمة من أي بلد أو مشروع زراعي غير موثوق بإنتاجه والذي عادة ما لا يكون عضويا أو Organic لأنه يتطلّب اهتماما ورعاية زراعيتين لا تتوافر في جميع الأماكن.

ومن بين المطاعم التي أخذت من الزراعة العضوية عنوانا لها مطعم Elrancho في بلدة غدراس الجبلية وقد استفاد أصحابه من الأراضي المحيطة به ليحوّلوها إلى مزارع وحقول يقدّمون من نتاجها كل الأطباق وأنواع الطعام من سلطات ومشاو ومقبلات.

وما يجدر ذكره أن المواسم الزراعية هي التي تتحكّم بنوع المقبلات المقدّمة في هذه المطاعم بحيث تلاحظ وجود الفاكهة أو الخضراوات على موائدها في مواسمها الخاصة فتكون طازجة غير محفوظة في البرّادات أو ما شابه وإذا صدف وزرت حانتك المعتاد ارتيادها لتتناول مقبلاتها ولم تجدها فيكون جواب النادل واضحا وصريحا ومختصرا قائلا لك: «ليس موسمه اليوم سيدي».

أما الجزر الطازج والمقطّع إلى دوائر أو إلى أصابع طويلة ورفيعة فقد اتخذته حانة الـRabbit hole عنوانا لها بحيث تقدّمه للزبون مجانا وبكميات كبيرة ليشكل طبق المقبلات الوحيد لديها. ويقول فريد مزهر أحد روّاده إن فكرة تناول الجزر فقط في هذا المطعم تشعره وكأنه من سلالة الأرانب المستوحى اسم المكان منها ولكن ذلك لا يزعجه لأن الجزر كما يقول المثل اللبناني يقوّي النظر!