دونيس أكابو: أشهر امرأة تبيع الشوكولاته في باريس

حلواها من أشهر ما تزخر به منطقة المونمارتر السياحية

دونيس بلباسها المميز في متجرها في باريس
TT

لا يبدو عليها التعب أو الوهن أو حتى الأرق، بسنوات عمرها التي تقترب من نهاية الستينات، تجلس دونيس أكابو يوميا، منذ الثامنة صباحا في متجرها لبيع الشوكولاته وبعض الأنواع الفرنسية الراقية من السكاكر. هذه السيدة التي لا تمل من الحديث بشغف عن الشوكولاته وكيفية صنعها والطرق الأفضل لحفظها، وحتى طريقة أكلها بحسب كل نوع منها، ليست سوى من صنف من النساء اللاتي لا يتوقف الشغف في حياتهن عن تجديد نفسه كلما أضافت الحياة لها يوما جديدا.

منذ 33 عاما افتتحت مدام أكابو متجرها «النجمة الذهبية» في واحدة من الطرقات الجانبية فيما بات يعرف اليوم بباريس القديمة، على مقربة خطوات قليلة من المولان روج الشهير ومسافة قريبة نسبيا من مونمارتر، يعج متجرها يوميا بالكثير من الأشخاص الذين يحبون الشوكولاته على أنواعها، تلك الأنواع الراقية، التي تعرف بها أكابو منذ افتتحت هذا المتجر البسيط في كل شيء إلا في محتوياته. العمل لا يهدأ هنا، في المرات التي زرتها لم يكن المتجر يخلو من زبائن أغلبيتهم أجانب، يأتون إليها من اليابان والولايات المتحدة وكندا والصين وروسيا والبرازيل، أجناس تذهب وأجناس تأتي لشراء الشوكولاته والنوغا والكراميل والبسكويت الفرنسي المشبع بالزبدة، وهي موجودة في كل الأوقات، نضرة رغم علامات الزمن على جبينها وفي تعب عينيها الذي يبدو جليا لمن يزورها باستمرار.

ثمة بلاد تعرف بأنها المكان الأمثل للشوكولاته، هذه الحلويات المثيرة، التي تخرج من شجرة الكاكاو فتمشي آلاف الأميال من مكان زراعتها إلى حيث الصناع المهرة الذين يحولونها بفضل حرفيتهم من بودرة مرة إلى قطع تنضح شهية، تعرف سويسرا ومن ثم بلجيكا ببلاد الشوكولاته، هذا صحيح، فأهم المصانع العالمية لصناعة الشوكولاته سويسرية ومن ثم بلجيكية، في فرنسا لا يوجد مصانع كبيرة كما في هاتين الدولتين، لكن يوجد صناع مهرة، فنانون في هذه الحرفة التي يتوارثونها جيلا عن جيل. ولا يمكن التكهن عن سحر العلاقة التي تجمع باريس بالشوكولاته، ثمة علاقة حتما، يمكننا ببساطة الحديث عن جاذبية المدينة وإسقاطها على هذه المادة الساحرة التي لا يوجد شخص في العالم لا يحبها أو يتمنى تذوقها، إن لم تكن متوفرة في بلاده أو ليست في متناوله هو شخصيا، كما لا يمكننا تصور امرأة لا تحب الشوكولاته، هذا ضرب من المستحيل، لكن العلاقة بين الشوكولاته وباريس ربما تبقى علاقة لم يقل فيها الكثير لا في الصحافة ولا في الأدب.

تعتمد مدام أكابو لباسا رسميا لعملها، لا تلبس كيفما اتفق، بل تظهر، يوميا بالمظهر نفسه، قميصها الأبيض الذي تزرره حتى آخر زر فيه ثم تغلقه بربطة عنق من الطراز الأسكوتلندي على كنزة من الصوف الناعم كحلية اللون ثم التنورة الأسكوتلندية الخضراء المزيحة بالخطوط الكحلية والحمراء، تبدو هكذا، يوميا، حتى يمكن القول إن زبائنها إذا ما دخلوا يوما فإنهم لن يعرفوها إذا كانت تلبس لباسا آخر. وهي تقول إن لا شيء «يجمع بين الألوان التي ألبسها وباريس والشوكولاته، لكني أحب هذا الطراز من الملابس لأنه يجمع بين البساطة وقوة الألوان الأساسية والقدرة على التحمل»، وفيما عدا اللون الأبيض «الذي يتسخ بسرعة» فإن مدام أكابو الغارقة في بحر الشوكولاته من حولها، فكما على كافة الرفوف، يقف في وسط المتجر براد صغير للعرض وبجانبه قبالة الواجهة الزجاجية العتيقة، طاولة خشبية صغيرة، تعرض عليها، أنواع الشوكولاته الطازجة، التي تصل يوميا من معمل برناشون للشوكولاته في مدينة ليون. وهذا واحد من المعامل التي تنتج أفخر أنواع الشوكولاته حول العالم.

تفضل مدام أكابو التحدث مع زبائنها واحدا تلو الآخر، لا يمكن لزبون أن يدخل المكان دون أن تزداد ثقافته ولو بأشياء بسيطة حول الشوكولاته، تهتم هي بالشوكولاته رغم عرضها لأنواع غالية من النوغا الفرنسية، وكذلك بضعة أصناف من البسكويت الفرنسي بالزبدة المالحة، وهي أنواع تحصل عليها مدام أكابو من موارد بعيدة في القرى الفرنسية النائية وليس من معامل تجارية. لكن للشوكولاته طعما آخر في حديثها، تحاول قدر الإمكان الحديث عن كل نوع على حدة، كما أنها، وهذه ميزة ربما لا توجد عند التجار عادة لا تغش، فالشوكولاته التي يمكن أن تؤكل طازجة تنصح بأكلها طازجة ولو كان قد مضى عليها في المتجر أكثر من يوم تقول مخيرة زبائنها بشرائها أو عدمه، هذا الأمر يزيد من مصداقيتها عند الزبائن الذين من كافة الطبقات والجنسيات التي تأتي إليها خصيصا.

تفتخر دونيس أكابو بوجود مكتبة في متجرها، ليست مكتبة عامة بالطبع، لكنها مكتبة تتعلق فقط بالشوكولاته، في كافة اللغات، ومن بين هذه الكتب والمجلات الكثيرة يوجد فقط خمسة كتب لم يكتب فيها عن دونيس أكابو شيئا أما الباقي فلا يمكن أن يفتح كتاب أو مجلة إلا وتطل هذه المرأة بملابسها المميزة وابتسامتها من بين الصفحات.

لا يمكن اختصار سيرة هذه السيدة، كما لا يمكن الحديث عن الشغف، لكن لمن يريده ولمن يحب الشوكولاته وكان في يوم ما في باريس ما عليه سوى التوجه إلى هذا المتجر لعمل أمرين لا ثالث لهما تذوق أفخر أنواع الشوكولاته وتلمس ورؤية شغف هذه السيدة العجوز.

للوصول إلى محل أكابو للشوكولاته:

Denise Acabo L’toile d›Or 30، rue Pierre Fontaine 75009 Paris