125 برنامج طهي تقدم على 450 قناة في الهند

الطعام أصبح البطل والمطبخ يغزو الشاشات

الشيف سناجيف كابور في أحد برامجه المتلفزة
TT

لقد أصبح الطعام وسيلة جديدة للترفيه في الهند ومحتوى جديدا في التلفزيون الهندي. بعد الأفلام وبرامج الأسرة الترفيهية وبرامج الواقع، أصبح المشاهد يتذوق القنوات التي أصبح قوامها برامج الطهي فقط. لقد بات الطعام هو البطل والمطبخ هو المساحة التي تتصدر الشاشة في كل قناة تلفزيونية حتى الجديدة منها. وتبحث هذه القنوات التي ترفض الكشف عن الأسماء والأعداد عن أشكال جديدة من برامج الطهي لتقديمها خلال العام الحالي. أصبح الطهاة المحترفون حاليا هم النجوم الجدد. نرى بعض الأسماء المشهورة في عالم الطهي مثل سانجيف كابور وتارلا دلال وريتو دالميا وأديتيا بال وفيكي راتناني وفينيت بهاتيا، فضلا عن المتخصصين في تقديم برامج الطهي الذين يقدمون أصناف الطعام الشهية في عدة قنوات شهيرة. يمكنك التقاط جهاز التحكم عن بعد لتكتشف أن برامج الطهي أصبحت هي النكهة الحالية للتلفزيون الهندي. ويتم تقديم ثلاثة برامج على قنوات مثل «إن دي تي في غود تايمز» هي «هاي واي أون ماي بليت» و«تشاك لي أكاديمي» و«غورميت سنترال». ودشن سانجيف كابور قناة متخصصة تعمل يوميا طوال أيام الأسبوع في الطهي باسم «فود فود». وخصصت مؤسسة «زي» قناة خاصة للطهي باسم «زي كانا كازانا». ودشنت شبكة «ألفا براذرذ إنترتينمينت» قناة طهي تعمل 24 ساعة طوال أيام الأسبوع تحت اسم «فود فيرست». وتعرض كل شبكة قنوات تلفزيونية في الهند اثنين أو ثلاثة برامج طهي على الأقل. وعلى غرار برنامج «ماستر شيف» في أستراليا وبعد نجاح الموسم الأول له، يعود «ماستر شيف 2» الشهر الحالي على قناة «ستار بلاس» وسيقدم خلال الموسم الثاني شخصيات ومواهب جديدة في الطهي. إنها منافسة فريدة في الطهي يشارك فيها الطهاة المبتدئون ويواجهون تحديات صعبة ويحكم خلالها خبراء في الطهي. ويبدأ البحث مرة أخرى عن أفضل الطهاة في نهاية الموسم من خلال أطباق تعد في الاستوديو للأثرياء والمشاهير إلى أخرى تعد في مطابخ أشهر المطاعم. وتتسم تلك السلسلة بعناصر الدراما والتشويق والإثارة. ويستحق ذلك الاعتراف بوجود نحو 125 برنامج طهي تقدم على 450 قناة في الهند وتتنافس مع بعضها البعض وكذلك مع قنوات أجنبية مثل «تي إل سي ديسكفري هيلث» و«زي كافيه» و«ستار وورلد» و«فوكس هيستوري أند ترافيلر». عندما ترى أحدهم يقطع الطعام بطريقة رائعة ويقلي الخضراوات ويضع الشعرية سريعة التحضير ويزين الطبق، ألا يستثير هذا حواسك؟ تدفعنا جميعا الرغبة نحو الطعام الجيد، ولعل هذا من أسباب توجه الجميع من الطفلة التي تبلغ العاشرة من العمر إلى الجدة التي تبلغ الثمانين نحو برامج الطهي على القنوات التلفزيونية من أجل الحصول على وصفات الطعام والاستماع إلى الطرائف. يقول هاريش بيجور، المخطط الاستراتيجي للعلامة التجارية والأستاذ الزائر في كلية الأعمال الهندية في حيدر آباد: «لأن الهند دولة تتناول ما يزيد على مليار وجبة يوميا، يعد الطعام أمرا أساسيا في البلاد وبالتالي جدير بما يحظى به من اهتمام». ويوضح فيكي راتناني، أحد أشهر الطهاة الذي يقدم برنامجا خاصا به على قناة «إن دي تي في غود تايمز»، أن برامج الطهي من أكثر البرامج شعبية وانتشارا في الهند وجميع أنحاء العالم. لكن، لماذا استغرق وصول القنوات المتخصصة بالطهي إلى الجمهور وقتا طويلا بهذا الشكل. ويجيب راجيف باكشي، نائب رئيس التسويق في «إنديا» بشبكة «ديسكفري نيتوركس» التي بدأت تعرض برامج طهي على شاشات التلفزيون الهندي منذ عام 2004: «إن التلفزيون على شبكة الإنترنت والتلفزيون في المنازل يغير سريعا الطريقة التي يستقبل بها الناس التلفزيون في البلاد. تكلفة التكنولوجيا تنخفض مما يمكن القنوات من تقديم الخدمة للجمهور بسعر منخفض». كذلك هناك أسباب اقتصادية اجتماعية، فمع زيادة الثروات في الهند، زادت التطلعات نحو نمط حياة أفضل. ويتم التعبير عن الطعام، الذي طالما كان من الأمور الأساسية في المجتمع الهندي، بشكل جيد. ويتضح هذا من خلال عدة أمور، حيث ظهرت شركات جديدة للطعام والمشروبات وتزايد عدد المطاعم ومنها سلاسل عالمية ومتاجر بقالة راقية تعد بتجربة تسوق رائعة وتقدم مجموعة متنوعة من أصناف الطعام الغريبة. يقول بيجور: «الطعام حاليا أكثر من مجرد عنصر أساسي أو منتج معبأ أو معالج أو خدمة تقدمها المطاعم، بل تعدى ذلك. يأكل الكثير منا بعينيه لا بفمه. إن هذه الحقيقة الاجتماعية المادية هي سر رواج قنوات الطعام. أكثر الذين يشاهدون هذه القنوات من كبار السن. التفسير بسيط وهو إذا كنت قد فقدت القدرة على الأكل، يمكنك مشاهدة الطعام وهو يعد ثم يؤكل». يقول الطاهي الشهير سانجيف كابور الذي يمتلك سلسلة مطاعم «يلو تشيلي أوبشونز» و«سانجيف كابور كازانا»: «الطعام في الهند مرادف للترفيه. الناس يتقابلون في مناسبات تمتلئ بالطعام ويتناقشون في أماكن حيث يمكنك تناول الطعام. إن كل مناسباتنا واحتفالاتنا تتمحور حول الطعام».

ويشير تقرير «برايس واترهاوس كوبرز» إلى أن الطعام والشراب يمثل 14 في المائة من الإعلانات التي تعرض على التلفزيون. ويوضح بيجور أن هناك في الهند أكثر من 21 ألف علامة تجارية لأطعمة ومشروبات. ويضيف: «لذا، من الطبيعي أن تتمكن هذه القنوات من جذب انتباه المسوقين المستهدفين».

في الوقت الذي لا يعتزم فيه مروجو قنوات الطهي إلى الكشف عن معلومات بشأن حجم الأموال المستثمرة في هذه القنوات، تتراوح تقديرات المحللين بين 15 إلى 20 مليون دولار وأنها تحتاج إلى أربع أو خمس سنوات من أجل تعويض التكلفة والبدء في تحقيق أرباح. لا تصور كل البرامج في الاستوديو، فالطاهية الشهيرة ريتو دالميا التي تقدم برنامج «بريشير كوكر» على قناة «إن دي تي في غود تايمز» تزور إيطاليا من أجل إعادة اكتشاف الاختلافات البسيطة بين أصناف الطعام الإيطالية من باذنجان ونبيذ وبيتزا.

يعد الطاهي فيكي راتناني، الذي امتنع عن تناول اللحم لمدة شهرين قبل إذاعة البرنامج الذي أصبح في ما بعد نباتيا من أجل مصداقية البرنامج، طعاما نباتيا مختلفا في برنامجه «فيكي غوز فيج». ويقول: «الهنود بحاجة إلى معرفة أن هناك خضراوات أخرى غير البطاطس والجبن القريش».

يؤكد روكي سينغ، الذي وهب حياته ومهنته من أجل «ثراء الطهي» كما يقول والذي يقدم «هاي واي أون ماي بليت»، هوسه بالطعام. وقال: «الطعام في الهند شغف وليس حاجة فحسب». ودشن البرنامج الذي حقق نجاحا على مدى أربع سنوات موسمه الجديد يتناول فيه اثنان الطعام في مطاعم على جانب الطريق بحسب رغبة المعجبين المتحمسين. ويبدو أن البرنامج يحقق شهرة كبيرة بالنظر إلى الكتاب الذي صدر والذي يحمل اسم البرنامج «هاي واي أون ماي بليت: الدليل الهندي لتناول الطعام في المطاعم على جانب الطريق».

كذلك يقدم البرنامج الذي يجمع بين الطهي والمغامرات على قناة «إن دي تي في غود تايمز» باسم «تشاك دي إنديا»، حيث يستكشف مقدم البرنامج الوصفات الهندية الريفية الغريبة من خلال أسفاره. ويتناول برنامج آخر باسم «ذا فيت أند فيماس» الذي يقدم مشاهير يعرضون أكلاتهم المفضلة، ثم ينتهي بعرض لوصفة أفضل الأصناف التي يستمتعون بتناولها. ويتسم برنامج «الحقيقة عن الطعام» «تروث أباوت فود» الذي يعرض على قناة «ديسكفري هيلث» بالعلمية، حيث يحاول أن يفند الأساطير الخاصة بالطعام من خلال العلم. ويقدم الطاهي فينيت بهاتيا برنامج «تويست أوف تيست» على قناة «فوكس هيستوري أند ترافيلر» مساء كل يوم أحد. ويسافر الطاهي الحائز نجوم ميشلان مع زوجته راشيما إلى 13 مدينة هندية منها بلدات صغيرة مثل أمريتسار وجودابور وغواهاتي وماكليودانغي ومنالي. ويضفي بهاتيا لمسته على النكهات المحلية محولا أصناف الطعام إلى أطباق غريبة. عمل فينود دوا، صحافي في التلفزيون لمدة 35 عاما، لكنه يظهر بهوية جديدة من خلال برنامجه «زايكا إنديا كا» أو «طعم الهند». ويقول: «أتفق مع برنارد شو عندما قال إنه لا يوجد حب حقيقي أكبر من الحب للطعام، فقد قادني شغفي بالطعام إلى اكتشاف أطعمة رائعة في شوارع الهند. لقد أردت اكتشاف الهند أو النكهة التي نشأنا عليها. إن الطعام أمر شخصي، والهنود مرتبطون كثيرا بالطعام الجيد».

من برامج الطهي العالمية التي يشاهدها الهنود «ماستر شيف أستراليا» على قناة «ستار وورلد» لمشاهدة الطهاة الساخطين يقولون الشتائم.

تنظر نيغيلا لاوسون مباشرة إلى الكاميرا في برنامج «نيغيلا فيستيس» على قناة «تي إل سي» وتعترف للعالم قائلا: «سأتناول الطعام ولو سقط على الأرض» وهي تلعق السكر من خبز الخوخ المحمص. تقدم قناة «ديسكفري تي إل سي» شكلا مختلفا، حيث خصصت حلقة بالكامل لتتبع مسار جعة الأرز من خلال برنامج «ماتر أوف تيست» الذي يقدمه الصحافي الهندي الشهير فير سانغفي أو اكتشاف النكهات المحلية مع أندرو زيمرمان في برنامج «بيزار فودذ 4». وفي برنامج «مان فيرسيس فود» يقدم آدم ريتشمان أصناف الطعام في مدينة أميركية قبل قبول تحد خاص بالطعام في مطعم محلي. يجمع الطاهي الأميركي أنتوني بوردين، الحائز جائزة «إيمي» في برنامجه «نو ريسرفيشينز»، بين متعة الطهي والثقافة.

بعيدا عن القنوات الأساسية، هناك شبكات إقليمية تعج ببرامج الطهي. وكذلك هناك تحظى مقاطع مصورة عن الطهي، مثل «مانجولاز كيتشين» و«فاتشيف أند إكسبيرت»، بشهرة ورواج على موقع «يوتيوب». ولا يجب أن يفوتنا في هذا المقام ذكر «شو مي ذا كيري» الذي يقدمه كل من هيتال وأنجوا والذي تعدى عدد مشاهديه على موقع «يوتيوب» الـ23 مليون مشاهد.

عندما نشاهد الناس يطهون، يصبح الأمر موضع نقاش عام وجزءا من الثقافة. يريد الجميع تعلم فن الطهي، ويقول الطبيب النفسي ديباك راهيجا: «إنه يستثير حواسنا، فهو أمر أساسي للإنسان ومشاهدة مثل هذه البرامج يشبع رغبة أساسية. وتعد أصناف الطعام الغريبة نوعا من الرصيد الثقافي، وبرامج الطهي تساعدنا على الحصول على هذا النوع». ربما هذه هي الطريقة التي يغير بها التلفزيون الهند. حتى في ظل إدمان سكان المدن الهندية لتناول الطعام خارج المنزل، يبدو أنه لا يوجد أفضل من الجلوس على الأريكة في منزلك وتذوق «الحنين الثقافي»، حيث يصطحبك مقدم البرنامج في رحلة على الطهاة الذين يعدون طبق البرياني الذي تشتهر به حيدر آباد. تقول مونيكا نارولا، رئيسة برامج الطهي في قناة «إن دي تي في»: «لقد غيرتنا برامج الطهي كثيرا وتغيرت معنا. نحن نشهد ازدهارا في التجارب المتعلقة بالطعام. لقد بات الطعام الإمكانية غير المستغلة لقطاع الترفيه. نجوم التلفزيون الجدد هم من يقدمون برامج الطهي. لقد ذهلت مؤخرا عندما اتجهت فتاة تبلغ من العمر 12 عاما نحو ريتو دالميا وأثنت على برنامجها. حتى الصحافي السياسي فينود دوا أصبح البطل الجديد ببرنامجه الجديد باعتباره مؤرخا لإنسانيات الطعام. على الرغم من أن روكي سينغ ومايور شارما ليسا من الطهاة، أصبحا متخصصين في الطعام كذلك بفضل برنامجي الطهي اللذين يقدمانهما».