القهوة التركية لا تزال المفضلة لدى السوريين

تعرف إلى البن بشتى أشكاله

TT

تنتشر عادة شرب القهوة بأنواعها وطرق تحضيرها المختلفة بين السوريين منذ عشرات السنين إن كان في المنازل أو المقاهي الشعبية والراقية وعلى مقاهي الأرصفة التي تحولت في السنوات الخمس الأخيرة إلى ظاهرة في دمشق وحلب وحمص وعدد من المدن السورية الكبرى بعد أن كانت غائبة عنها بسبب ضيق الأرصفة في هذه المدن باستثناء مدينة اللاذقية التي اشتهرت بمثل هذه الأرصفة منذ أكثر من نصف قرن وكان أعرقها مقهى البستان وسط المدينة ومقاهي الصيادين في شارع بغداد وبورسعيد بالقرب من مرفأ المدينة كما تخصص شارع أحمد شوقي وسط مدينة حمص قبل خمس سنوات بمقاهي الأرصفة، كما انتشرت في مدينتي دمشق وحلب المقاهي الأوروبية أسوة بمدن العالم الأخرى التي تقدم القهوة بأنواعها المتنوعة وبماركتها العالمية المعروفة ومنها مقاهي كوستا في بولفار فندق الفورسيزنز بدمشق وفي أسواق رئيسية دمشقية كالقصاع وفي المولات التجارية الجديدة الضخمة ومقهى كولومبوس في ساحة عرنوس بدمشق وإن هاوس وسيتي كافيه وغيرها. كذلك ورش تحميص وبيع البن المطحون بكثرة والتي تتسابق لبيع البن المطحون مباشرة أمام الزبائن وبعض هؤلاء ومن باب المنافسة في تحضير البن بطريقة تجذب المتذوقين السوريين حيث يتفنن هؤلاء بطريقة تحميصها وتحضيرها واختيار أجود أنواع البن العالمية فإنهم يقدمون هدايا مع كل عبوة نصف كيلوغرام من البن المطحون وهي غالبا هدايا تجذب النساء وربات البيوت ومنها مثلا أدوات مطبخ زجاجية ومعدنية وغيرها، في حين انتشرت في السنوات الثلاث الأخيرة في أسواق دمشق وخاصة سوق البزورية في دمشق القديمة وفي المجمعات الاستهلاكية والسوبر ماركت أنواع من القهوة المغلفة والمعبأة بأكياس وعلب كرتونية أعلن عنها الباعة بأنها قهوة منحفة أي (دايت) - يبتسم معلقا أحد هؤلاء الباعة في سوق البزورية والذي عرفنا على نفسه بأبو الخير - والذي يقول إن بعض المختصين بتجارة البن وتحضيرها وتعبئتها باتوا يأتون لدكانه ولمن يرغب من زملائه مثل هذا النوع من البن لجذب الزبائن الباحثين عن تنحيف أجسادهم رغم أن فنجان القهوة لن يزيد من سمنتهم بالتأكيد - يضحك أبو الخير - وهذا النوع من البن المنحف حسب ادعاءات منتجيه يضاف للقهوة المطحونة أنواع من الأعشاب التي يعرفها العطارون ومتخصصو النباتات الطبية بأن لها مفعول منحف وخافض للوزن حيث تضاف للبن بشكل لا يؤثر على مذاق القهوة ومن بعض نماذج هذه القهوة الخاصة بطرق تحضيرها لدى شركات الطب البديل كما أطلقوا على ورشهم وعرضوها في الأسواق السورية ذات مزايا خاصة مثل باور قهوة للطاقة وستيمولانت قهوة مقوية وستايل لايت قهوة وهي منحفة وكافي لايت قهوة الأعشاب الطبيعية المنحفة وريلاكس قهوة مهدئة للأعصاب.

ولكن مع كل هذا الزخم في تقديم القهوة بمختلف أنواعها ومذاقاتها للسوريين فإن القهوة المحضرة بالطريقة التركية ما زالت هي المفضلة لديهم إن كان في المقاهي الشعبية أو في المنازل وصارت رفيقتهم صباحا ومساء كل يوم وقد رافقتها مع الزمن عادات وتقاليد اندثرت قبل عشرات السنين مع تطورات الحياة المعاصرة، ومن هذه العادات الشهيرة كما يرويها لـ«الشرق الأوسط» الباحث التراثي عدنان صالحاني تلك التي عرفتها مجتمعات بعض المدن السورية في القرن الماضي والتي تتعلق بعادة الخطوبة فقد درج تقديم كأس ماء مع فنجان القهوة وهو تقليد ما زال قائما ويشعر الضيف بعدم الراحة وبأنه غير مرغوب فيه إذا لم يقدم له مضيفه الماء مع القهوة ولكن في هذه المدن وظّف كأس الماء لصالح مناسبة الخطوبة وهو عرف درجت عليه الكثير من الأسر إذ عندما يأتي الشاب مع أهله لرؤية فتاة مؤهلة للخطوبة وكانت قد زكتها الخطّابة أو صديقة لأم الشاب ففي منزل الفتاة ينتظر الشاب مجيء الفتاة مع القهوة للضيافة ففي حال أعجبته الفتاة فإنه يقوم بشرب كأس الماء قبل البدء باحتساء القهوة وإذا لم تعجبه فإنه يبدأ باحتساء القهوة مباشرة، وبالتالي يذهب مع أهله لينتهي موضوع التقدم للخطوبة هنا أما إذا أعجبته الفتاة وشرب الماء قبل القهوة فيبدأ بعد ذلك الحديث عن الأمور الأخرى التي تخص الشاب والفتاة ومع تقديم الفاكهة الموسمية والحلويات. كذلك - يضيف الباحث صالحاني - هناك أمثال شعبية سوريا تتناقلها الألسن تتعلق بالقهوة ومنها من باب الطرافة مثل المثل الشعبي الذي يقول: «الضيف المنظوم بيشرب القهوة وبيقوم» و«الضيف الأكابر بيشرب القهوة وبيغادر».

ومع انتشار تقديم القهوة المحضرة بالطريقة التركية في المنازل والمقاهي والمطاعم السورية ما زال للقهوة العربية المحضرة بالطريقة التراثية المعروفة مع الهيل مكانتها البارزة خاصة في مناطق البادية والعديد من مناطق الريف السوري كما يلاحظ الزائر لأسواق دمشق انتشار ظاهرة تقديم هذا النوع من القهوة من خلال باعة جوالين خاصة في سوقي الحمرا والصالحية الشهيرين وفي العديد من مطاعم المدن السورية عند مغادرة الزبائن المطعم أو الفندق مقابل مبلغ مالي بسيط يدفعه الزبون للبائع المتجول مع دلته الكبيرة وفناجينه الزجاجية الخاصة بالقهوة العربية المرّة، ويبدو أن عدوى تقديم القهوة المرة العربية وصلت مؤخرا للمؤسسات الحكومية السورية في دمشق والمدن الأخرى حيث بات العديد من مسؤولي هذه المؤسسات يقدمون لضيوفهم فنجان القهوة العربية بدلا من فنجان القهوة التركية أو كأس الشاي، ويقوم بتحضيرها عادة مستخدمون لديهم خبرة وتفنن في هذا المجال حيث إن لتحضير هذا النوع من القهوة مستلزمات لا بد منها وتزداد أعدادها وخاصة تلك المتعلقة بتقديمها في الجلسات البدوية والريفية حيث يتباهى أصحاب هذه المضافات بجودة صناعة هذه المستلزمات والتي تكون عادة من النحاس كالدلال والمنقل وغيرها وهي ذات تسميات عربية فصيحة كما يعددها المتخصصون بتحضير القهوة العربية وهي: الظبية وتكون عبارة عن كيس مصنوع من جلد الغزال تحفظ فيها حبات القهوة النيئة والمحماسة عبارة عن صحن سميك من الحديد له ساعد طويل ومعه يد على شكل ملعقة تقلب بها حبات القهوة عند التحميس وهناك المبردة وعاء من الخشب تصب به القهوة لتبريدها والجرن عبارة عن كتلة مجوفة من خشب السنديان أو البلوط وله يد من الخشب يدق به بها البن، وهناك الدلة وهي وعاء لحفظ الخمير إلى اليوم الثاني ثم غلي هذا الخمير وهناك أبريق طبخ القهوة النحاسي وإبريق التصفية والمصب والفناجين الزجاجية المزخرفة.

وللقهوة العربية المرّة تقاليد وآداب درج عليها منذ مئات السنين سكان البادية السورية وغابت إلى حد كبير في الوقت الحالي ولعل أبرزها - كما يعددها الباحث الدكتور إبراهيم فاضل - أن يشرب صاحب القهوة الفنجان الأول وأن تدار القهوة باتجاه يمين الساقي ولا يجوز غسل الفنجان بعد شرب الضيف مباشرة كما لا يجوز من الضيف إبداء الرأي في القهوة سلبا أو إيجابا ذما أو مدحا وغيرها من التقاليد والآداب والعادات.

ولكون القهوة العربية ترمز لعادات الضيافة والكرم العربي فقد حرص العديد من مسؤولي البلديات السورية على تزيين بعض ساحات مدنهم بمجسمات لأباريق ودلال القهوة العربية وفناجينها المميزة كما هو الحال في بعض مدن ريف دمشق ومدينة دير الزور أقصى شرق سوريا وفي تدمر عاصمة البادية السورية.