الأطباق الشامية تدخل كتب الأمثال والأهازيج

دخلت المأثور الشعبي للمطبخ الحلبي والدمشقي

الزيتون الأسود العيطون دخل المأثور الشعبي الحلبي
TT

لأن مدينة حلب، شمال سوريا، تعتبر أم المطبخ السوري، وقدمت لفنون الطبخ عشرات المأكولات الشهية اللذيذة، فأطلق عليها «حلب أم المحاشي والكبب»، ولأن دمشق التي لا يقل مطبخها أهمية عن المطبخ الحلبي في فنون المأكولات، خاصة أن غوطتها الشهيرة تقدم كل فصل من فصول السنة ألذ وأطيب أنواع الخضار والفاكهة، فقد برع الحلبيون والشوام في مدح هذه المأكولات التي يحضرونها والخضار والفاكهة التي تنتج في بساتين غوطة دمشق، بأمثال شعبية وأهازيج يرددها باعة الخضار والفاكهة الجوالين والثابتين، حيث دخلت هذه الأمثال والأهازيج التراث الشفوي السوري.

ولأنه موضوع شائق وطريف فقد عمد الكثير من الباحثين الحلبيين والشوام على جمع هذه الأمثال في كتب، وتحدثوا عنها في محاضرات وندوات, ومن هؤلاء الباحثين التراثيين الحلبي (حسان خوجه)، الذي جمع بعض هذه الأمثال التي صارت مأثورات شعبية تعتمد اللهجة الحلبية المعروفة بخصوصية تعبيراتها ومفرداتها ومنها: «افرح ياكرشي جارتنا طابخة محشي».. وهذا المثل - حسب خوجه - يدل على تعلق الحلبيين بأكلة المحاشي وانتشار عادة «السكبة» بين الجيران، وتداول الطعام بين بعضهم بعضا، وهي عادة اجتماعية جميلة انقرضت في السنوات الأخيرة.

ومن الأمثال الحلبية على المأكولات هناك: «إن كان البرغل والزيت في البيت عشت وغنيت»، حيث اعتاد الحلبيون على الإكثار من أكل الطعام الذي يدخل الزيت في طبخه, وقالوا أيضا: «اللي أمو بالبيت خبزتو ملتوتة بزيت»، وهو يدل على أن الأم في البيت خير وبركة وحنان, ومن الأمثال الحلبية أيضا: «كول زيت بتهد الحيط»، ولمحبة الحلبيين للزيتون الأسود «العطون»، على مائدة الفطور والعشاء ولقيمته الغذائية العالية فقد خصّوه بمثل حلبي يقول: «إذا غاب عنّك لحم الضاني عليك بالأسوداني»، كذلك فعلوا مع التوت تلك الثمار الشهية التي يعشقها الحلبيون، فيقولون فيها المثل التالي: «لما بيجي التوت بيقول للخس موت»، ولا ينسون التين ولذة مذاقه وفوائده الكثيرة فيقولون فيه: «في موسم التين اقلب طشت العجين»، وللحلبيين أمثال طريفة أيضا في الطعام، ومنها ما يتعلق بالمناقيش، حيث يقولون: «أحسن ماتاكلي منقوش روحي رقعي جرابك المبخوش»، وفي مثل طريف يدلل على تباين العائلات الحلبية اقتصاديا، وبالتالي إذا كانت العائلة غنية فإنها تحب التنوع في إعداد الأطعمة من المطبخ الحلبي الغني بمفرداته فيقولون عن هذه الأسر وبلهجة حلبية أصيلة: «يامو هدول بيت حزيزات مزيزات بيت رز أصفر وعليه لويزات». فوجود الرز في الطعام دليل على غنى الأسرة، بعكس البرغل، الذي يقولون فيه ذلك المثل الطريف: «العز للرز والبرغل شنق حاله».

من جهتهم، الشوام يتغنون بالمأكولات التي يقدمها المطبخ الشامي التقليدي وبالخضار والفاكهة التي تنتجها غوطتهم فيرى الزائر لأسواق الخضار الشعبية في دمشق تنافسا بين الباعة على ترداد التعبيرات الموسيقية المادحة لهذه الخضراوات، وقد دخلت أيضا المأثور الشعبي الدمشقي وقام الكثير من الباحثين التراثيين بتجميعها، ومن هذه الأمثال والأهازيج: «يخنا واطبخ والجارية بتنفخ والولد عالباب عميقلع الكلاب»، والمثل هنا يدلل على طبخة «اليخنا»، التي تحتاج للحم ومرق وعظم, وهناك أكلة الصفيحة، وهي اللحم بالعجين التي تطهى بالفرن، فيقولون عنها: «تازة وسخنين.. الحم بعجين»! وعن الفول النابت يقولون: «استوى وطلعت إيدو هالنابت ياشباب»، وعن الخبيزة تلك النبات البري الذي يحضر كوجبة على الغداء أو سلطة يقولون: «طرية هالخبيزة.. كول وداوي حالك بالخبيزة»، فيما يقولون عن «الأرضي شوكي» أو «الأنكينار»، كما يطلق عليها في الشام، التي تؤكل مرقة مع اللحم والرز وتعتبر من الوجبات الشهية واللذيذة المذاق ويتم تخزينها في الثلاجات لفصل الشتاء بعد تقطيع قرصها الكبير إلى شرائح دائرية من قبل باعة متخصصين: «أرضي شوكي الأنكينار.. القرص طاحونة ياشوكي»، ويقولون عن الكمأة: «سمرة يا بنت العرب.. هبرة طرية الكماية»! وعن الجزر: «ياحلاوتو دبسو بقلبو.. خيار الشتي ومال القابون ياحلاوتو»، حيث كان الجزر المقبل من بساتين القابون بجوار دمشق هو الأجود والألذ مذاقا وحلاوة, وعن النعنع يقولون: «عازتو عازة بلالبيت يانعنع.. كول أخضر.. ويبس يانعنع»، وعن الفليفلة التي تحضر للتخليل مع الخيار: «هي للكبيس يا فليفلة.. خيار مكبس عبي القطرميز»، أما الخيار فينادونها بالعبارة الشهيرة التي انتشرت حتى في المسلسلات التلفزيونية ومعها الأمثال والأقوال الأخرى «أصابيع الببو الخيار»، وهو دلالة على صغر الخيار حيث يتم تخليله بينما الكبير منه غير مستحب للتخليل، وعن الخيار المقبل من بساتين قرية كفرسوسة جنوب دمشق، التي تحولت حاليا لحي سكني راق يقولون: «من كفرسوسة والعين محروسة ياخيار».

وللبقلة، تلك النبات البري الورقي اللذيذ المذاق في السلطات والفتوش يقولون: «مول ويبس البقلة طراروات يابقلة طراروات»، وعن الخس: «الله الدايم.. يا مال اللوان يا خس العشرة الكبار»، حيث يدللون على جودة الخس المنتج في منطقة اللوان وهي بساتين تربط منطقتي كفرسوسة وداريا جنوب دمشق.

أما الشوندر الذي يسلق ويؤكل ساخنا لذيذ المذاق يقولون فيه معددين فوائده حيث يشبهونه بالعسل: «يا سليقة الشوندر.. بردان.. تعا صوبي.. يابردان دوا للسعلة.. طاب واستوى هاالعسل.. استوت العسلية يابي).