الطعام الإسكندنافي قبل أن يصبح رائجا

مطبخ لا تحتاج مائدته للزينة

TT

ليس هذا نوعا من التفاخر بالطبع، لكن عودة الاهتمام بالطعام الإسكندنافي هو أمر أتوقعه منذ زمن طويل. في طليعة المطبخ الإسكندنافي حاليا يقف الطاهي الشهير من كوبنهاغن رينيه ريدزيبي الذي سيناقش طريقة طهيه المبتكرة في «يونيون سكوير غرين ماركت» يوم السبت. ويقسم وتلاميذه بالمكونات المحلية والموسمية والبرية. ويتسم الطعام الإسكندنافي بحلقة لطيفة فريدة تستدعي صورة لسكان غرينلاند ولابلاند وهم يصطادون خلال الجليد ويقلبون الطعام المغموس والقطع المعالجة بالملح.

بعد أن هبط علي وحي طهي الطعام لأول مرة في الدنمارك منذ 58 عاما، فهمت سر الإعجاب بالتحضيرات الموسمية البسيطة والنكهات الواضحة الخفيفة والمثالية للطعام الإسكندنافي.

يقدم المطبخ الإسكندنافي تضادا مضللا للتتبيل الأكثر تعقيدا في مطبخ دول البحر المتوسط والمطبخ الآسيوي من خلال الشبت ذي الرائحة النفاذة والخيار والحبوب المقرمشة وخبز الغاودار الداكن الرطب بنكهة الملت. في ذلك الزمن كان الطعام بالنسبة إلي هو شغف هواة، وكان عملي هو الكتابة عن أثاث المنازل والتصميم الداخلي. كان الجزء الأكبر من العمل يتمحور حول قطع الأثاث المبتكرة غير التقليدية والمصنوعة بمثالية والأقمشة والإكسسوارات ومفارش المناضد وأواني المطبخ في إسكندنافيا.

وقد زرت الدنمارك في أول رحلة لي إلى أوروبا عام 1953. لقد كان الأمر إلى حد ما اختيارا غير عادي بعد 8 سنوات من الحرب العالمية الثانية حين كان أكثر الأميركيين يتجهون إلى إنجلترا وفرنسا وسويسرا. مع ذلك كانت إسكندنافيا هي أنسب مكان لي ولم يكن من قبيل المصادفة أن يكون محل أفضل طعام.

لم يكن المطبخ الإسكندنافي غريبا عني تماما، حيث كان يقدم في عدة مطاعم في منهاتن مثل كاسلهولم في بارك فيندوم في شارع ويست 57 وكذلك في غريبسهولم حيث يقيم شاو حاليا وفي أستوكهولم في منطقة المسارح وفي «فنلند هاوس» في العقار الذي أصبح الآن ملكا لـ«مالوني أند بورشيلي» و«لا غرناويل» في كوبنهاغن. وقد التزمت بتناول الطعام الراقي البارد والساخن مثلي مثل أكثر غير الإسكندنافيين ولم أطلب يوما قائمة طعام لاختيار صنف آخر يمكنني تناوله.

لحسن حظي تم توجيه دعوة لي على العشاء في كوبنهاغن في منزل بييت هيين، وهو رجل مثقف توفي عام 1996 ولا يزال يلقى احتراما كعالم ومصمم ورسام كاريكاتير وشاعر يتمتع بحس دعابة مخفي وناشط سياسي. لقد عرفته كمبتكر لتصميمات رائعة غريبة للسيراميك.

كان المنزل الذي عاش فيه مع زوجته ترين مكانا جميلا في ضاحية هيليراب حيث الحدائق الغناء. بدت الأزهار ذات الألوان الزاهية متألقة بلونها الفسفوري في الضوء الأزرق البارد لليلة في صيف الشمال. كان نبات الأضاليا أكثر الأمور إثارة لدهشتي، فقد كان ضخما في حجم رأسي وذا أوراق مخملية ذات لون أحمر نبيذي وعنابي.

غرفة المعيشة الضخمة التي وضعت فيها الطاولة تتلألأ تحت ضوء السماء البلوري. الشموع على الطاولة وفي الكوات المحيطة بالغرفة، حيث كان مصدر الإضاءة الوحيد الذي يضفي جوا من الرومانسية والهدوء في المنازل الإسكندنافية.

لم يكن يغطي المنضدة العسلية مفرش أو القطع التي توضع تحت الأطباق، ولم يكن عليها سوى قطعة قماش طويلة في المنتصف مطرزة باللون الأحمر الزاهي والأرغواني وموضوع عليها باقة من الزهر. وكانت هناك مناديل بيضاء منشاة للمائدة، مطوية على شكل ورود وملتفة حول الأواني الفضية والصيني والأكواب التي تعد نموذجا لأرقى التصميمات الدنماركية الحديثة. لم يكن من المستغرب إذن أن تكون الوجبة لي. كان الطبق الأول من الجمبري الوردي الناعم الصغير الدنماركي الذي أخبرني بييت بأنه كان في موسمه، والجمبري كان مقدما على خبز فرنسي أبيض مقرمش مدهون بالزبد. ويتم وضعه على طبق بجانب الخبز وخطوط الشبت.

وتم صب المشروب الكحولي الإسكندنافي البارد في كؤوس طويلة على شكل حرف «V».

وقدم صاحب الدعوة الطبق الرئيسي في إناءين كبيرين، أحدهما أبيض والآخر من الفخار الوردي الفاتح. كان الأول يحتوي على فطر الشانترل في لون الخوخ وفطر البورشيني في صوص كريمي ناعم وخفيف. وأعلن بييت بفخر أنهم بحثوا عن هذه الأنواع من المشروم ذلك الصباح. وكان الإناء الثاني يحتوي على بطاطس صغيرة حمراء طازجة مقطوفة من مزرعة قريبة. وكانت كل ثمرة تحتوي على جزء أبيض في المنتصف وقد أزيلت القشرة قبل سلقها. وكانت البطاطس المغموسة في الزبد الذائب وعليها رشة من الشبت المبشور هي الطبق الوحيد المقدم مع المشروم. بعد ذلك تم تقديم أطباق من الجبن الدنماركي مع جبن الركفور وقطع من جبن الملك كريستيان التاسع المطعمة بالكراويا وقطعة من جبن الإيسروم الحريفة. وكان بجانب ذلك عصي فضية اللون من الكرفس والخيار وجذور الفجل الحمراء المقطعة على شكل زهرة تيوليب وبعض عناقيد العنب.

وكان هناك الخبز المقرمش، واتضح لي ليلتها وأنا أتناول الطعام في منازل إسكندنافية أخرى أنه هو الفارق الجمالي بين ذلك الطعام والطعام الأميركي والأوروبي الذي خبرته. أولا لم يتطلب العشاء مع الضيوف مفارش أو أبسطة ليكون أنيقا ولم يكن من الضروري أن يتضمن الطبق الرئيسي لحما أو سمكا. ثانيا، كان كل طبق يحتفي بصنف معين يستحق كل منه تقديرا خاصا وهو مفهوم لم يكن وقت انتشاره قد حان بعد. عندما أقرأ عن الطريقة الإسكندنافية في البحث عن الطعام كما يقدمها طهاة من أمثال ماغنوس نيلسون وماثياس دالغرين وريدزيبي. أذكر أنه في عام 1953 كان هذا هو الاتجاه غير الملحوظ.

وجاء ختام العشاء اللطيف متمثلا في طبق فضي يحتوي على أكاليل الكعك، وقد تم إطلاق هذا الاسم عليها لأنها تخبز في دوائر وتزين بأعلام ولعب بحسب المناسبة. وهناك أخرى على شكل أصابع طويلة عليها خربشات من السكر.

وتم تقديم القهوة بعد ذلك، رغم أنني لم أكن بحاجة إلى المزيد من التوهج الداخلي وحثني مع الضيوف الآخرين على شكر أصحاب الدعوة لما قدموه لنا من طعام.

* خدمة «نيويورك تايمز»