«الميل فوي» .. ألف ورقة من السكر

عندما تأتي أطباق الحلوى تنتهي الحمية

TT

غالبا ما تثير فينا الحلويات إحساسا مزدوجا من المشاعر؛ فهي من ناحية تعتبر قمة الإبداع الهندسي والجمالي ومتعة حقيقية للنظر، خصوصا إن كان الذي صنعها على قدر كبير من المهنية والذوق والرهافة.. ومن ناحية ثانية، لا يمكن الإسراف في تناولها لأنها، في عالم اليوم، تعتبر جالبا، بفضل سكرها ونشوياتها، للسمنة وبعض الأمراض. وفي هذا الجانب، يمكنني تذكر أحد الكتاب اللبنانيين وهو عماد الحر الذي كان يفضل الأكل على نصائح الأطباء، وقد رحل عن هذا العالم، لكن دون أن يترك شيئا من المأكولات التي كان يشتهيها إلا وأكله.

لا يمكن لأحد مقاومة الحلويات، حتى لو كان الدافع الريجيم؛ فحتى من يرهقون أنفسهم بالريجيم ويقضون جل أوقاتهم في ملاحقة الوصفات المثلى لتطبيقها على أنفسهم، لا بد أنهم يقفون أمام واجهات محال الباتيسري ليشبعوا أنظارهم من الأصناف الكثيرة التي لا حصر لها.

في فرنسا، الأمر قد يكون مختلفا قليلا؛ فالشعب هنا لا يكترث كثيرا للريجيم، والمطبخ الفرنسي كثير الدهون، مضافا إلى ذلك بالطبع، حب الفرنسيين للخبز الذي يصنعونه بألف نوع وهو معروف عالميا. لكن علاقتهم بالحلويات، تعتبر علاقة مميزة. ومن ضمن مئات الأصناف منها، المعروف وغير المعروف، ثمة أصناف دخلت إلى تاريخ الثقافة الفرنسية، فهي ليست فقط مجرد حلوى، بل تاريخ من الحلوى.

الـ«ميل فوي» Mille Feuilles، واحد من الأصناف الأكثر شعبية في فرنسا، لا لأنها لذيذة، فهي تجمع بين الكريم والعجين والسكر وبعض الكراميل؛ بل لأنها تعد من أقدم أنواع الحلويات التي لا تزال على قمة الشعبية والاستهلاك والحضور.

قام فرنسوا بيار دو لا فارين في عام 1651 بتحضير «ميل فوي»، لكن الطاهي الفرنسي في ذلك الحين، لم يقم بتطوير اختراعه الذي كان يقتصر على ثلاث طبقات من العجينة الرقيقة يتوسطها طبقتان من الكريم.. إلى حين جاء الطاهي الفرنسي الشهير ماري أنطوان كاريم، الذي كان يعمل طاهيا في قصر شارل موريس دو تييرون بيريجو وهو سياسي ورجل دولة فرنسي ينتمي لواحدة من العائلات النبيلة في أوروبا في ذلك الوقت.

ماري أنطوان الذي كان يعمل في القصر طاهيا، قام بأخذ وصفة دو لا فارين وطورها بإضافة السكر المذوب وتزيينه بالكراميل المذوب أيضا أو كما كان يحصل في مرات كثيرة، كان يضيف المربّات الطازجة على السكر المذوب ليعطي الكريم والسكر نكهات مختلفة ومطيبات عديدة.

منذ ذلك الوقت، أي منذ نهاية القرن الثامن عشر، أخذت الـ«ميل فوي» شكلها النهائي الذي لا تزال تحافظ عليه لغاية الآن، لكنها مع انتشارها في بلدان عديدة، أخذت أسماء أخرى، فهي في البلدان الناطقة بالإنجليزية ودول الشمال الأوروبي تسمى «نابوليتين» نسبة إلى نابليون وكذلك إلى نابولي التي أيضا منذ بداية القرن التاسع عشر أخذت هذه الوصفة حتى أصبحت وصفة تقليدية فيها.

هذه الوصفة التي يمكن أن تكون موجودة في كل المخابز في فرنسا وكذلك كل الباتيسري، سلكت دروبا وبلدانا ربما لكي تصل إلى حيث هي اليوم. وفي حين كانت في القرون الغابرة حكرا على النبلاء وكبار القوم، فإنها اليوم أحد أكثر الأنواع شعبية في فرنسا، فهي تحتوي على قيمة غذائية كاملة. أما الرحلة التي قطعتها أوراقها أو طبقات العجين المقرمش الخاص بها، فهي واحدة من أمتع رحلات التاريخ، حيث لم تخرج مرة من المطبخ إلا لتعود إليه.

ليست الطريقة التي تصنع بها الـ«ميل فوي» صعبة لكنها مع ذلك معقدة وتحتاج إلى وقت كبير، لذلك، يمكن الرجوع إلى المراجع في طريقة الصناعة أو لأخذ الوصفة، فهي تحتاج أولا إلى العجين ثم إلى الكريم ثم إلى السكر المذوب الذي يحافظ على لون ثلجي ناصع ثم إلى التقنية ثم إلى الكراميل. وهي في كل مراحلها يمكن أن تمنح من يحب تحضير الحلويات أو يبرع فيها متعة قل نظيرها في حلويات مماثلة.

أحد أهم المراجع الفرنسية في صناعة الـ«ميل فوي» «http://chefsimon.com/millefeuille.html»