جان لوي نوميكوس لـ «الشرق الأوسط»: «الحب» هو المكون الأساسي في أطباقي

مطعم «ليه تابليت» الفرنسي.. اسمه من وحي التكنولوجيا ومذاقه من عشق المتوسط

طبق المعكرونة المحشو بالكمأة السوداء يعتبر الطبق الأشهر في «ليه تابليت»
TT

في حي الدائرة الـ16 في باريس يقع مطعم «ليه تابليت» الفرنسي لصاحبه الشيف جان لوي نوميكوس، وعند زاوية قريبة من محطة الشاعر فيكتور هوغو تجد بابا من البلور، بمجرد عبوره تجد نفسك وكأنك تعبر المتوسط وتدغدغك موجاته وتشم رائحته. المطعم فرنسي بروح متوسطية واضحة جدا من خلال الدفء الذي يساعد على خلقه إبداع مصممة الديكور آن سيسيل كومار التي برعت في ترجمة مرادفات البحر المتوسط في ذلك المطعم متوسط الحجم الذي لعبت فيه حيل الديكور التي تعرف بخدع العينTrompe L’oeil مستخدمة المرايا لجعله يبدو وكأنه أكبر حجما.

الدفء المتوسطي الأهم في «ليه تابليت» هو استقبال الشيف جان لوي نوميكوس زواره شخصيا، فهو موجود بينهم ومعهم يعرفهم ويعرفونه، زبائنه ليسوا من السياح قاطعي الطريق إنما ذواقة من جميع الجنسيات يأتون ليدللوا حواسهم، وخاصة حاسة التذوق، فالمأكولات هي فعلا محط الحديث في المطعم.

عند وصولك إلى المطعم وقبل القيام بطلب ما تريده من لائحة المأكولات تأتيك نادلة وبيدها جهاز «آي باد»، ومن هنا جاءت تسمية المطعم «ليه تابليت»، وتعني اللوائح الإلكترونية بالفرنسية، فتبدأ المغامرة منذ أن تضغط بأصبعك على صورة الطبق الذي تريد تذوقه لترى بعدها فيلما مصورا يظهر طريقة تحضير الطبق والمكونات فيه، الفكرة فريدة من نوعها لأنها تتمتع بعنصر التشويق والتثقيف في آن معا، ففي كل موسم يقوم الشيف نوميكوس بتحميل اللائحة الإلكترونية معلومات عن مكون معين ويقوم بتفسير مزاياه من خلال فيلم مصور صغير.

لم تكن جلسة التثقيف طويلة لأننا كنا متشوقين لرؤية الأطباق حية وليس من خلال الشاشة وبدأت الدردشة مع الشيف جان لوي نوميكوس بشكل بسيط وخال من التعقيد تماما مثلما بدأ مشواره في عالم الطهي والسبب الذي دعاه لترك عمله مع عملاق وعراب المطبخ الفرنسي آلان دوكاس وقراره افتتاح مطعمه الخاص.

وفتح نوميكوس قلبه لـ«الشرق الأوسط» وبدأ يسرد قصة حبه الأكبر في الحياة، وهنا كان يتكلم عن الطهي والأكل بحماس وحب وعيون يشع بريقها كالعاشق الولهان، إنه بالفعل يعشق عمله ويعشق الطعام فلم يخف حماسه عندما قال إن أهم مكون يستعمله في جميع أطباقه هو «الحب» وردد العبارة قائلا: «في باريس يوجد عدد لا يحصى من المطاعم الجيدة ولكني أردت مطعما مطبخه هو القلب ويولد فيه الأكل من رحم الحب». وروى نوميكوس قصته مع الطهي التي لم يعشق مهنة سواها فهو تأثر جدا بنساء عائلته.. والدته وعماته وخالاته وجدته، ويقول بأن لديه جدة إيطالية وجدة ثانية فرنسية، وهذا هو سبب تعلقه وحبه للبحر المتوسط ربما لأنه مرتبط به من ناحية الأم والأب وكلا البلدين يشتهر بالمطبخ السخي والنكهات الفريدة.

في سن الـ18 تتلمذ نوميكوس على يد الطاهي المخضرم آلان دوكاس في مطعمه «جوان ليه بين» وتعلم على يده الكثير، وأهم ما تعلمه هو التركيز والإبداع وواكب دوكاس في أسفاره العديدة إلى آسيا وعمل معه في موناكو لمدة عشر سنوات وعرض عليه بعدها أن يكون الطاهي التنفيذي في مطعم «لا غراند كاسكاد»، وهنا يبتسم نوميكوس ويقول: «في تلك اللحظة شعرت أنني طاه حقيقي»، وبعدها انتقل للعمل في مطعم «لاسير» لدوكاس أيضا وحاز وقتها على نجمتي «ميشلان» للتميز.

ولد نوميكوس في مدينة مارسيي وهذا ما يفسر عشقه للمتوسط الذي نقله إلى مطعمه من خلال الديكور المميز، فتم تغليف الأسقف والجدران بخشب محبوك بطريقة ذكية، ليكون على شكل سلة من القش ويقول نوميكوس بأن الديكور استغرق ساعات عمل طويلة ليلا ونهارا وتم تصنيع الخشب في إيطاليا وكانت العملية صعبة جدا لأنه تم وضع كل قطعة من الخشب على حدة، وتم اختيار اللون الرمادي مع البرتقالي مع طاولات بعيدة عن بعضها البعض لإعطاء أقصى حد من الخصوصية للزبائن، ويشدد هنا نوميكوس على فكرته الأهم والتي يكتبها على موقعه الإلكتروني «المطعم شيك ولكنه ليس رفيعا»، ويعني هنا بأنه لطالما أراد أن يكون هناك مطعم يقدم المأكولات على مستوى مأكولات آلان دوكاس ولكن في أجواء أقل تشنجا، ونجح نوميكوس في فكرته، وبالفعل تشعر في المطعم من خلال نوعية الطعام وطريقة تقديمها بأنك في مطعم رفيع المستوى ولكن في الوقت نفسه تشعر بأنه بعيد كل البعد عن التعقيد والتشنج.

زبائن المطعم هم من جنسيات عديدة ومن الجنس اللطيف والخشن، ويقول نوميكوس بأن الحي السادس عشر في باريس يضم الكثير من الأجانب من بينهم كثر من العرب من جنسيات مختلفة، فهم على رأس قائمة الزبائن الدائمين، وكان من الواضح علاقة نوميكوس بزبائنه فهم يأتون ليروه ويتسامروا معه ومن ثم ليأكلوا ما لذ وطاب، كما أن الأهم هو مرونة الطاهي في أوقات العمل، فعلى سبيل المثال استقبل مجموعة من الزبائن السعوديين الدائمين في ساعة متأخرة من الليل ومن دون حجز مسبق وكانت الابتسامة لا تفارق ثغره، فقال نوميكوس إن الطاهي يجب أن تربطه علاقة وطيدة بزبائنه الدائمين فهم الحكم الأهم في عمله، وروى لنا أن اللبنانيين يطلبون دائما أطباق السلطة ويكون لهم ما يريدونه ولو أن السلطة لا تعرف طريقها إلى لائحة الطعام، ويقول نوميكوس «الزبون يأتي ليدلل نفسه، فمن واجبي وواجب كل العاملين معي إسعاد الزبون لكي يعود مرة أخرى».

وعن المأكولات يقول نوميكوس بأن الموسم هو سيد الموقف، ويقوم بتغيير لائحة الطعام عدة مرات بحسب المكونات المتوفرة في كل موسم، ومن حسن حظنا أننا زرنا المطعم في موسم «الذهب الأسود»، الكمأة السوداء، فبعد أن يقوم أحدهم بإطلاعك على قطع الكمأة في علبة من الخشب والزجاج يأتيك الطبق الأشهر في المطعم والذي ابتكره نوميكوس منذ نعومة أظافره عندما كان يعمل مع آلان دوكاس، وهو طبق المعكرونة المحشو بالكمأة السوداء وكبد الإوز والمغطاة بالصلصة البيضاء والجبن المبشور، والنتيجة مذاق رائع يذوب في الفم، وبعده يأتيك طبق البطاطس المغطاة بقطع من الكمأة السوداء، ومن الأطباق التي يجب أن تتذوقها في «ليه تابليت» سرطان البحر مع كافيار الحامض Lemon Caviar وطبق خرشوف القدس مع البيض المسلوق وجبن البارميزان.

جميع الأطباق في مطعم «ليه تابليت» تحتوي على الخضار حيث يعتبرها نوميكوس مهمة جدا، وخاصة أنه يأتي بها من مزارع فرنسية وفي مواسمها الأصلية، ويقول نوميكوس إنه وعلى عكس ما يظنه البعض يمكن التفنن بالخضار كثيرا ويمكن خلق أطباق عديدة تشبه بتركيبتها الأطباق التي تحتوي على اللحم.

السفر ساعد نوميكوس على فهم الحضارات والثقافات الأخرى وفتح عينيه على أطباق ومطابخ عديدة، فهو يعشق المطبخ الياباني الذي يصفه باللوحة الفنية، كما يحب أيضا المطبخ الإيطالي لكون جدته إيطالية، والمطبخ اللبناني، فهو يعرف المنطقة العربية عن ظهر قلب وسافر إلى عدد كبير من البلدان الخليجية بداعي العمل ويعرف الذوق والمذاق العربي، فهو يستعمل المكونات المحلية ولكنه يجعلها أكثر تميزا عندما يخلطها مع بهارات أجنبية.

عندما يغير لائحة الطعام يقوم بابتكار أطباق جديدة ويشاركه في المهمة الفريق العامل معه، فالكل يعطي رأيه ولكن الحكم هو الزبون فيأخذ نوميكوس دائما برأي الزبائن ولا يجد ضارة في تغيير شيء في الطبق إذا رأى أن التغيير من شأنه إسعاد الزبون. وعن رأيه بالطهاة الذين أصبحوا رجال أعمال يقول نوميكوس إنه لا يرى ضررا في الأمر، بل على العكس فمهنة الطهي هي «بزنس»، والكل يعمل ليعيش، وهناك عدد كبير من الطهاة الذين لمعت أسماؤهم في عالم «بزنس» المطاعم مثل جيمي أوليفر وحتى آلان دوكاس واستطاعوا المحافظة على أسمائهم كطهاة بارعين. فطالما بقي الطاهي يعمل في حدود إطار عمله، أي في المطبخ، فليس من المعيب التحول إلى كتابة ونشر كتب الطهي والظهور على التلفزيون وافتتاح سلسلة مطاعم.

وردا على سؤال «الشرق الأوسط» عن قراره ترك اسم بوزن آلان دوكاس والدخول في دائرة الخطر والتغريد منفردا في مطعم ليس في وسط باريس، قال نوميكوس: «كل طاه يحلم بأن يكتب اسمه في يوم من الأيام على باب مطعمه، وها أنا قد حققت حلمي وأنا أسعد إنسان في الدنيا». وعن علاقته بآلان دوكاس يقول نوميكوس إنها جيدة وعلاقة صداقة متينة، حيث جاءه دوكاس منذ يومين وتذوق أطباق لائحة الطعام الجديدة وكان رد فعله إيجابيا وأحب مبدأ المطعم والجو العام والطعام، وهنا توقف نوميكوس عن الكلام للحظة وتابع بعدها: «هذا أمر أعتز به كثيرا».

Les Tablettes 16Avenue Bugeaud 16TH Arrondissement تليفون:16-16-28-56-01 أقرب محطة قطار: فيكتور هوغو www lestablettesjeanlouisnomicos.com