الهند وباكستان: 4 حروب سياسية.. وواحدة على «الكاري»

مسابقة طهي تشعل فتنة «طعامية» بين البلدين

منافسة طهي تكاد تشعل حربا جديدة ما بين الهند وباكستان
TT

الهند وباكستان خصمان خاضا أربع حروب ضد بعضهما، لكنهما الآن تتنافسان في عالم الطهي المبهج على إعداد الكاري الذي يسيل له اللعاب على خلفية من المواويل الصوفية الهادئة، حيث يتبارى 8 طهاة في منافسات فردية وجماعية على مدى 26 حلقة مدة كل منها ساعة وتذاع ثلاث مرات في الأسبوع. وسيتمكن الفائز من تأليف «كتاب طهي» ويحصل على رحلة إلى ثلاث مدن من اختياره على مستوى العالم. ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز الود بين الدولتين حيث يتاح للمشاهدين الاطلاع على لمحة من الثقافة وخبرة الطهي لدى الدولتين، لكن أوضحت بعض الحلقات التي أذيعت أن العمل لم يسر في هذا الاتجاه حتى هذه اللحظة، حيث انسحب الطاهي الباكستاني البارز في البرنامج مبكرا واتهم أعضاء لجنة التحكيم بالتحيز للهند وهدد بإقامة دعوى قضائية. وللبرنامج لجنة موقرة من المحكمين ومنهم الصحافي فير سانغفي وهو ناقد طعام بارز ورحالة ومحب للطعام حاليا، وسونيا جيهان الممثلة ذات اللكنة الفرنسية - الباكستانية وحفيدة المغني الأسطورة نور جيهان الذي ساعد أمها الفرنسية في إنشاء مطعم «كافيه فول» في باكستان، وميرلي باركر الطاهي ومقدم البرامج البريطاني الشهير.

ويتكون فريق الطهي الهندي من مانيش مهروترا من مطعم «إنديان أكسينت» بنيودلهي الذي يشارك ببصمته في مزج المطبخ الهندي بالمطابخ العالمية الأخرى، وميراج الحق الطاهي المنتمي إلى الجيل الثالث من عائلة كوريشي في لاكناو، وكذلك هناك نيميش بهاتيا من فندق «لاليت أشوك» في بانغلور، الذي طبق طريقة التقطيع البارد للكباب والذي أنتج في النهاية «كباب ثاند»، ومادهوميتا موهانتا من «كلاريدجز» بسوراجكوند، وهي المرأة الوحيدة في الفريق الهندي.

على الجانب الباكستاني، يتكون الفريق من طهاة يتمتعون بخبرة كبيرة من العمل في أكبر مطاعم دبي ولندن وهونغ كونغ والولايات المتحدة وباكستان، إضافة إلى محمد إكرام من دامبوخت فندق «بيرل كونتيننتال لاهور»، وهناك أختار رحمن من «ماريوت إسلام آباد» المتخصص في عمل الأطباق الباكستانية التقليدية، ومحمد نعيم، الطاهي التنفيذي في «بارك بلازا» بلاهور، وهو طاه ومدون ورحالة ومحب للسباق ومتخصص في أطباق الموغلاي والمعجنات. من أهم أعضاء الفريق الباكستاني محمود أختار، الذي قضى سنوات عمله الأولى كطاه في العمل لدى قصر محمود سيد صخري في المملكة العربية السعودية قبل أن يعود إلى باكستان للعمل في فندق «أفاري» بلاهور، أما الطاهية السيدة الوحيدة في الفريق فهي خورشيد أمينة أغا، التي تقدم برنامج على التلفزيون الباكستاني باسم «تيست أوف فيوجن» (طعم الأغذية المستخلصة).

في الجولة الأولى حافظ أعضاء لجنة التحكيم على استقرار الأمور. وكان باركر هو الأكثر نشاطا ربما بسبب خبرته كمقدم برامج طهي وكانت جيهان الأكثر دبلوماسية، لكن لم يحصلا على التقدير الكافي. بدا رأي سانغفي هو الأهم على الأقل بالنسبة إلى المتنافسين الهنود. كان من المتوقع أن يظهر الفريقان بملابس زرقاء وخضراء استنادا إلى موضوع السباق، وهو الصراع بين الهند وباكستان.

وأقسم الطهاة على عدم الكشف عن الفائز في نهاية السباق، مع ذلك، بفضل مدونة أحد أعضاء لجنة التحكيم، عرف الجمهور بعض الأحداث الدرامية المتوقعة مثل انسحاب طاه باكستاني قبل نهاية المسابقة لشعوره بعدم فهم أعضاء لجنة التحكيم للنكهات الحقيقية لدولته، وتفوق طاه باكستاني آخر على طاقم العمل بسبب غنائه أغاني الأفلام الهندية وهو يطهي، وانهيار طاه هندي شهير من جراء الضغط وانفجاره «بشكل عفوي» أمام الكاميرا. لم يكن ما حدث على الهواء مباشرة بعد ذلك بالأمر اللائق، فالتحدي الذي كان أمام الفريقين سهل، وهو طهي كاري وكباب وخبز البرياني وطبق حلوى. وبينما كانت السمعة على المحك، كانت السكاكين متحفزة، لكن المفاجأة أن ذلك كان بين أعضاء الفريق الواحد. في الفريق الهندي، الطرق الكلاسيكية التقليدية امتزجت مع القائد مهروترا والمتنافسين الباكستانيين الأربعة الذين كانوا يعملون بمنتهى الحماس. ووصلت الأمور إلى الذروة بين الطاهي محمد نعيم والطاهية خورشيد أمينة، حيث فشلت في أن تحظى باحترام رئيسها الذي أوكل إليها مهمة عمل حلوى «شاهيتوكدا». وزادت ملحوظة نعيم الماكرة بأن التلفزيون ليس مضطرا إلى تقديم الخدمة للعملاء إلى التوترات، لكن كان طبق «شاهيتوكدا» من الأطباق التي أثارت إعجاب أعضاء لجنة التحكيم. في الحلقة الثانية، قال الطاهي الباكستاني نعيم لمقدم البرنامج علي خان إن المأكولات البحرية الإيرانية لا يدخل فيها أسماك مثل السلمون والتونة، بل من أسماك المحيط الهندي. وسخر خان بدهاء مشيرا إلى «بهيتكي»، وهو نوع من الأسماك التي تعيش في المياه العذبة كما يعرف كل محب للطعام الهندي.

وقال ناقد الطعام فير سانغفي، أحد أعضاء لجنة التحكيم في البرنامج: «يتمتع الطهاة من الدولتين بخبرة مميزة». رغم أن الطهاة الباكستانيين بلا جدال أفضل في طهي اللحم، يتميز الهنود بالتنوع. في إشارة إلى أحد التحديات في المسابقة، تذكر سانغفي اضطراب أغلب الطهاة الباكستانيين عندما يطلب منهم إضافة بهار «كوكم» من جنوب الهند عند طهي أطباقهم. وقال: «إنهم لم يسمعوا عن بهار الكوكم، ناهيك أصلا عن إضافته إلى الأطباق». على الجانب الآخر، كان الطهاة الهنود على دراية بالبهارات التي تشتهر بها باكستان وجنوب آسيا، وهو ما أضفى إلى أطباقهم نكهات مميزة خلال المسابقة.

وأوضح كران سوري، أحد المتسابقين الهنود، أن السبب وراء ذلك هو الفرصة التي أتيحت للهنود للاطلاع على مطابخ متنوعة على عكس الباكستانيين. وأشار قائلا: «رغم أن أصناف الطعام الباكستانية ذات نكهة قوية، لا تزال تقليدية وبسيطة. وعدل الطهاة الهنود النكهات بحيث تلائم الأذواق في شتى أنحاء العالم».

اتفق أمير إقبال، أحد المتسابقين الباكستانيين، مع سوري، حيث قال: «إن الهند تتمتع بميزة نسبية نظرا لانفتاح الطهاة بها على الخبرات والتجارب المختلفة». ورغم تأكيد أكثر أصحاب الفنادق وتجار التجزئة الدوليين على اهتمامهم بعمل مشاريع في باكستان، قليل هم من قاموا بذلك حتى هذه اللحظة. نتيجة لذلك، يعد الطهاة الباكستانيون ماهرين على المستوى المحلي، بينما يفتقرون إلى المهارة في إعداد الأطباق العالمية.

ويقول مقدم البرنامج علي خان إن برنامج «فوديستان» (محب الطعام) من البرامج المثيرة لأنه يمثل فرصة تتاح للمرة الأولى لعرض ثراء طعام الدولتين على طبق واحد. يعتقد الكثيرون أن كلتا الدولتين تشترك في العديد من الأصناف، لذا سيفاجأون عندما يعرفون أن ذلك ليس صحيحا. ومن يعرف أكثر من سانغفي لأن زوجته باكستانية، ويقول: «لأطباق اللحم الهندية نكهة حلوة دسمة، بينما لأطباق اللحم الباكستانية نكهة شواء جافة». ويذاع البرنامج على قناة «إن دي تي في لايف ستايل»، وكذلك على «جيو تي في» في باكستان. وقال فير سانغفي، ناقد الطعام: «يدرك الباكستانيون اللحم جيدا وأفضل الأجزاء في الطهي ويميلون إلى استغلال كل أعضاء الحيوان». وأشار إلى تحد سيظهر في الحلقات المقبلة، حيث سيطلب من الفريقين طهي معزة كاملة. وأضاف: «لم يعد الهنود الطعام بهذه الطريقة من قبل، حيث يمنعهم من ذلك الالتزام بالعقيدة الهندوسية».

يبدو المطبخ التقليدي الهندي بالنسبة إلى الباكستانيين محيرا. يقول سانغفي: «لم ير بعض الطهاة الباكستانيين (الدوسا)، وهي فطيرة رقيقة من الأرز المخفوق والعدس الأسود من جنوب الهند ويقدم في نهاية الوجبة، من قبل. وليس لديهم أدنى فكرة عن الكوكم»، وهو لاذع ويستخدم في عمل الكاري في غرب الهند. وأوضح أن الأمر يبدو مثل مسابقة بين المطبخ الإنجليزي والمطبخ الأوروبي.

ويبدو تأثير المطبخ الإيراني والشرق أوسطي واضح على الطهاة الباكستانيين، حيث يستخدمون المشمش المحفوظ والزيتون والسمك. على الجانب الآخر يميل الهنود إلى الغرب، حيث يستخدمون كريمة الترافيل والمشروم في إعداد الدجاج أو شرائح اللحم وكذلك يضعون جرانيتا الفراولة بجانب الـ«فيرني» التقليدي أو بودنغ الأرز. وقال سانغفي إنه حاول تهدئة ميدان اللعب من خلال إعداد أطباق مشتركة بين البلدين. يؤكد سانغفي وجود الكثير من الود بين الطهاة الهنود والباكستانيين، لكن بمجرد تغيير الاتجاه إلى المطبخ، يتخذ الأمر منحى تنافسيا.

زعم قائد الفريق الباكستاني، محمد نعيم، أن أعضاء لجنة التحكيم لا يمتلكون المعرفة الكافية بالطعام الباكستاني وتوصلوا إلى قرار مسبق من البداية باختيار الهند. لقد كان يزدري بشدة عضو لجنة التحكيم البريطاني ميرلي باركر وانسحب من البرنامج. واتهم طاه آخر من الفريق الباكستاني سونيا جيهان بعدم الوطنية.

التوتر جلي في البرنامج حتى هذه اللحظة، حيث ترتفع حدة المشاعر والانفعالات ويتنافس الطهاة بشدة، وكذلك يبكون. ويعود المطبخان الهندي والباكستاني إلى أصول واحدة تمتد بجذورها إلى ما قبل تقسيم الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية عام 1947.

وفوجئت الطاهية أمينة أغا بتنوع الطعام الهندي، خاصة طرق الطهي التي يشتهر بها جنوب الهند، حيث الكثير من الأصناف نباتية وهو غير موجود في المطبخ الباكستاني. وقالت: «لا نعرف كباكستانيين أي شيء عن طعام جنوب الهند». ويقول الطاهي الهندي الشهير مانيش مهروترا: «لقد تعلمنا الكثير في ما يتعلق بإعداد اللحم من الباكستانيين، حيث يطهونه بطريقة رائعة. نحن نعد أطباقا باللحم، لكن بطريقة مختلفة».

تتضمن الأطباق الباكستانية غالبا اللحم البقري الذي لا يأكله الكثير من الهنود لاعتناقهم الديانة الهندوسية. ويتميز المطبخ الهندي بالعديد من الأصناف النباتية وغالبا ما يدخل في إعداد الأطباق مكونات مثل لبن جوز الهند، وهو نادر في باكستان. ولتفادي الجدال الثقافي تم استثناء اللحم البقري ولحم الخنزير من المسابقة.