المطبخ ثقافة أيضا

برامج الطبخ بين جيدة وأخرى تملأ هواء البث التلفزيوني

TT

من ضمن الإساءات الكبيرة التي تتعرض لها المطابخ العربية، على تنوعها، تلك البرامج التلفزيونية، التي دأب بعض الهواة على تقديمها يوميا، على بعض الفضائيات العربية. فقرة المطبخ قديمة على التلفزيون، لكنها أخذت في العقدين الأخيرين، مع الشيف رمزي شويري على شاشة قناة «المستقبل» اللبنانية، شكلا آخر لا تنقصه التقنيات المبهرة في الاستوديو لناحية الإضاءة وطريقة أخذ الكاميرا لعملية التحضير حتى نهاية الطبق. والحق أن ما جاءت به التقنيات، رفع من شأن هذه الفقرة ومن نسبة متابعيها. سواء بين ربات البيوت أو حتى هواة المطبخ الذين كانوا يبحثون عن وصفاتهم في الكتب والمراجع المعروفة.

مع الوقت، تحولت هذه الفقرة، مع كل التقنيات التي تقدمها للمشاهدين، إلى فقرة كلاسيكية متوفرة على كل الفضائيات. غير أن الفقرات التي حظيت بالشهرة أكثر من غيرها ولا تزال تحظى بأكبر نسبة مشاهدين، هي الفقرة التي يقدمها على تلفزيون «المستقبل» الشيف شادي زيتوني، وكذلك الفقرة الخاصة بالمطبخ التي يقدمها الشيف أسامة السيد على قناة «دبي». بين هاتين الفقرتين ثمة برامج طبخ كثيرة وبكل اللهجات المحكية العربية. وإن كانت فقرة الشيف شادي زيتوني تأخذ طابعا مسرحيا وكوميديا يذكر بمسرح الشونسونييه؛ فإن الفقرة التي يقدمها الشيف أسامة السيد على قناة «دبي» تنحو باتجاه الجدية والابتكار وتصيب جمهورا أوسع بكثير عربيا.

من بين الفقرات الأخرى اللافتة والمثيرة للاهتمام تبرز فقرة «عالنار لطيفة» التي تقدمها سيدة مسنة تدعى باللهجة اللبنانية المحلية (تيتا لطيفة). هذه التيتا لا تعمل بنفسها، هي فقط تستضيف نساء ورجالا يعملون على تحضير وصفاتهم في مطبخها التلفزيوني بديكوراته الفقيرة نسبيا. يعمل البرنامج على مثال غربي، فرنسي تحديدا، يصر في كل مطبوعة أو برنامج تلفزيوني مشابه على أن يمجد وصفات الجدات التي تنزع لتصبح سرا عائليا لا يوازيه سر. فالمطبخ، على ما درجت العادة، شأن منزلي صرف، تتناقل أسراره العائلات فيما بينها، ثم تمنحه لمن يستحق. أو للأقربين في الغالب.

غير أن التيتا لطيفة، التي يفترض أنها مرجعية «عائلية» في الطبخ. لا تقدم في برنامجها أي إشارة إلى كونها مرجعية عارفة، بل تكتفي، غالب الوقت، بإنزال المدائح على ضيوفها ووصفاتهم، من نوع التحفيز والتشجيع الذي يأتي من الأكبر سنا، المفترض أن خبرته في الحياة والمطبخ تفوق خبرة من يستضيفهم بعقود.

والحق أن البرامج التلفزيونية الخاصة بالمطبخ، بدأت منذ سنوات، في الغرب، تأخذ طابعا عائليا، على غرار ما تقدمه التيتا لطيفة، لكن بكثير من الحرفية والاختصاص. ولهذا فقد أنشئت قنوات تلفزيونية خاصة بالمطبخ وكل ما يدور في فلكه. يقول الشيف غيتان مورزياك الذي يعمل مستشارا لقناة تلفزيونية محلية، إن فقرة الطبخ لم تعد مجرد فقرة تقدم طرق التحضير في قالب كلاسيكي جامد. الميديا أدخلت إلى هذا العالم مؤثراتها التقنية لناحية الصورة والصوت، وكذلك لناحية قدرة الطاهي الذي يقدم البرنامج على مسرحة عمله، بحيث يبدو كممثل أكثر منه طاهيا. وهذا الجانب يجعل من فقرة المطبخ، اليوم، فقرة درامية خالصة لا فقط فقرة تحضير. لكن، يضيف مورزياك، علينا أن نعرف أن من يمكنه أن يقدم هذه الفقرة التلفزيونية الشعبية جدا يجب أن يتمتع بقدرات معرفية ومهنية في عالم المطبخ.

يقول مورزياك إن الغالبية من الطهاة الذين يعملون في برامج تلفزيونية، على مستوى العالم، لا يتمتعون بمستوى مهني عال إلا فيما ندر. وفي العالم العربي، يضيف، الذي قدمت فيه عدة استشارات لعدد من القنوات الفضائية، تندرج البرامج التي تقدم في خانة المطبخ العائلي، لا المطبخ الذي يمكنه أن يقدم تقنيات مهنية للمشاهدين تزيد من ثقافتهم وتوسع معارفهم ومداركهم، في هذا العالم الواسع الذي يعني ثقافيا كل ما له عادات وتقاليد قديمة وحديثة. أما في فرنسا، حيث يعمل مورزياك فيقول، هنا لدينا عدة أنواع من الطهاة، فيوجد من لديه فعليا قدرات مهنية عالية لكنه لا يعمل بقدر ما يدير برامج مثل الـ«توب شيف»، ومنهم من لديه قدرات كبيرة ويعمل لكنه يبخل على المشاهدين بتقنيات كثيرة لكي يحافظ على مهنة الطاهي المحترف في المطعم. ويؤكد مورزياك أن المشاهدين في حال عرفوا تقنيات أكثر من اللازم سيعزفون عن الذهاب إلى المطاعم، وهذا بحد ذاته خسارة كبيرة لهؤلاء الطهاة الذين تمثل لهم هذه البرامج دعاية مجانية أو شبه مجانية.

بالعودة إلى «لطيفة عالنار»، فإنه بحسب وصف مورزياك لا يمكن أن يكون برنامج مطبخ، فالفكرة جميلة على ما يقول لكنها غير كافية؛ فهي يجب أن تدار من طاه محترف مع مرافقة لسيدة مسنة تعطيه مقارنة بين الأطباق التي يحضرها وكيف كانت تحضر فيما مضى أو حتى كيف تحضرها هي نفسها. أما أن تعتمد على ضيوف من عامة المشاهدين فهذا لا يقدم جديدا للمشاهدين الذين حتما يعرفون هذه الوصفات وطرق تحضيرها، وبالتالي فإن ما يفعله برنامج من هذا النوع هو تعبئة الوقت فقط ببرنامج لا يقدم ولا يؤخر ولا يشكل أي إضافة في هذا العالم.

والحق أن هذا ينسحب على عدد من البرامج سواء في العالم العربي أو في فرنسا؛ فالبرامج التي تقدم المطبخ لم تعد فقرات محترفة بقدر ما هي جزء من الديكور العام لأي قناة تسعى لجذب فئة جديدة من المشاهدين لا أكثر. أما ما يقدم وما هي الوصفات وكيف تحضر وتقدم، فهذا له أصحاب أغلبهم لا يفضل الخروج من المطبخ.