مطابخ العائلات تتفوق على الطهاة المحترفين

دليلك إلى بعض من أفضل مطاعم روما وفلورنسا

TT

حولت الأزمة الاقتصادية الحالية في أوروبا مزاج الكثير من الإيطاليين من المرح والبهجة إلى التذمر والتشاؤم، لكن حين يصل الأمر إلى المأكل والمشرب يختلف الموضوع لأن الإيطاليين يأخذون الطعام والوصفات والمطاعم على محمل الجد مثلما يعتبرون كرة القدم على رأس الأولويات الحياتية.

تنتشر آلاف المطاعم عبر أقاليم البلد وبعضها يفشل فيغلق بينما يتقدم طهاة جدد إلى «المعركة الطعامية» ويفتتحون مطاعم جديدة تجرب حظها في جلب الزبائن والشهرة، والنتيجة بقاء قلة من المطاعم التقليدية الناجحة التي تحافظ على مستواها العالي والمدمنين عليها من المخلصين ذوي العناد والوفاء.

السياحة في إيطاليا مصدر رئيسي للدخل، لأن 53 في المائة من التراث الثقافي والحضاري في العالم موجود في هذا البلد الجميل من شماله إلى جنوبه، وفي الوسط تعتبر فلورنسا (أو: فيرينزه بالإيطالية) والعاصمة روما محط الأنظار وقبلة السياح والزوار.

الوجبات المعروفة في روما تتراوح بين معجنات السباغيتي والمعكرونة والبوغاتيني على طريقة اماتريشانا القروية (وهي ضيعة قريبة من روما) باللحم والطماطم والبصل والثوم والفلفل الأحمر الحار وجبن الغنم المملح وكذلك الخرشوف ولحم العجل والغنم المشوي وحلوى تيراميسو، بينما يمتاز مطبخ مقاطعة توسكانا وعاصمتها فلورنسا بالاعتماد على تحضير الخبز في الدار أو المطعم ومذاق المكونات في تلك المقاطعة يفتح الشهية لغناه وقوة الطعم لدرجة أن الخبز التقليدي يصنع بلا ملح، لكن طعمه لذيذ، وهناك 28 نوعا من الخبز من تلك المقاطعة فقط وأشهرها سكاتشياتا. اللحوم والحمام البري بشكل عام وخصوصا المقددة من اختصاص فلورنسا وريفها وهضابها المشهورة بزراعة العنب، أما أنواع الجبن من حليب البقر أو الغنم فهي من أجود أنواع الإنتاج الإيطالي، وبخاصة الـ«كاشيوتا»، وتشتهر توسكانا بإنتاج أفضل أنواع زيت الزيتون والفاصوليا البيضاء والملفوف الأسود والتين والكستناء والكمأة.

* ساعة استنشاق الهواء في فلورنسا

* تجد في فلورنسا الكثير من المطاعم التي يظن أصحابها أن السائح زائر غشيم يهتم بالآثار والمتاحف ولا يهمه بطنه، والبعض يعتقد أن الاسم الظريف للمطعم كاف لجلب الزبون دون العناء والاهتمام بنوعية الأكل، وتتراوح الأسماء في فلورنسا بين: «13 أحدبا» و«مطعم المذنبين» (مرتكبي الخطيئة) وفي روما: «القطة الأكولة» و«مكتب النكهة اللذيذة».

لكن إذا رغبت في عكس ذلك فعليك بمطعم جديد ممتاز يسمى «أورا داريا» في وسط فلورنسا والمنطقة السياحية قرب متحف أوفيزي والجسر القديم (سوق الصاغة). يشير اسم المطعم إلى «ساعة استنشاق الهواء للسجناء» وهو اسم غريب مبتكر ويقصد منه ساعة الراحة وتناول الوجبة الشهية. يتميز المطعم بلائحة طعام مبتدعة وضعها الشيف الشاب ماركو ستابيله صاحب الخبرة الكبيرة في كثير من المطاعم في مقاطعة توسكانا، التي مكنته أيضا من العمل كمستشار طعامي في ميامي بالولايات المتحدة.

الأطباق المستحدثة شهية ورقيقة الحاشية كما يقولون والخدمة من الدرجة الأولى وكذلك الأسعار أما الديكور فهو من النوع الحديث الأنيق ويتسع لمطبخ مفتوح حيث تشاهد الطهاة الشباب يحضرون الوجبات أمامك. المعجنات المحلية من الإقليم محدثة وخصوصا بابارديله المعروفة في فلورنسا ومعها صلصة بولونيا بيضاء مع قليل من الطماطم على عكس الطريقة الكلاسيكية، لكن المهم نوعية اللحم الممتازة وأغلب الوصفات مهروسة وخفيفة من البزاليا إلى الخضراوات الأخرى لأن الطاهي يضيف إليها قليلا من الحليب بدلا من الكريمة أو القشدة الثقيلة. تتكون أفضل وجبة من مجموعة الأطباق المختصة بالمطعم يمكن تذوقها بكميات صغيرة بما في ذلك الحلوى. «أورا داريا» مطعم راق لمن يحب الابتكار الحديث يرتاده الذواقة ومحبو الطعام الجيد.

* «زيب»

* أما إذا أردت الأكل البيتي فعليك بهذا المطعم الصغير في حي سان نيكولو القريب من الجسر القديم (بونته فيكيو بالإيطالية) الذي يسمى «زيب» (اختصارا لـ«الحساء واللحم المسلوق» بالإيطالية) تديره جوزيفينا نافاري وابنها ألبرتو، وكان المطعم سابقا دكانا لبيع المواد الغذائية والأجبان، ثم تحول قبل بضع سنوات إلى مطعم يجلس الزبائن فيه حول مائدة كبيرة بشكل حدوة حصان مستقيمة، وتحضر الوالدة الأطباق التقليدية في فلورنسا رغم أنها في الأصل بنت ريف روما ويشاركها ابنها أحيانا في طهي بعض الأطباق الجديدة. صحون المعجنات هائلة واللحم المسلوق الطري لا مثيل له مع الصلصات المبتكرة. طريقة جوزيفينا في الطهي تعتمد على الصبر والنار الهادئة فهي تطبخ اللحم البقري مع الكمأة البرية والكثير من البصل لمدة 4 ساعات. والحلويات جميعها مصنوعة في البيت والأجبان واردة من المزارع القريبة حتى يحس الوافد إلى المطعم وكأنه مدعو شخصيا لبيت عائلة نافاري كصديق حميم. والأسعار معتدلة، بل جيدة، إذا اعتبرنا نوعية المكونات، والأهم من ذلك لطف جوزيفينا وألبرتو وخدمتهما الممتازة بكل المعايير.

سألت الجالس بقربي، وهو سائح أميركي شاب، كيف اكتشف هذا المطعم الجوهرة فقال: «انظر إلى موقع (تريب أدفايزر) (مستشار السفر) على الكومبيوتر، وستجد أن (زيب) هو أحد أفضل 10 مطاعم في فلورنسا حسب تصويت كل من زاره».

* مزيج من الماضي والحاضر

* حين تصل إلى العاصمة الإيطالية، روما، وتحب الابتعاد عن جوها الحار بالانطلاق إلى الضواحي في الهضاب القريبة حيث البحيرات الصغيرة البركانية وحيث ينشد بابا الفاتيكان الهدوء والنسيم العليل في الصيف فالاكتشاف الموفق تجده في مطعم عريق مدهش يطل على بحيرة بديعة في كاستيل غوندولفو واسمه «مطعم باغا نيللي القديم» منذ أن أسسه جيوفاني باغانيللي عام 1882 وأصبح «عرينا» للعائلة منذ نحو قرن وربع.

يدير المطعم ويطهو فيه الحفيد أوريليو مارياني وزوجته الأسترالية جين التي تركت التمثيل في المسرح وفضلت شرفة المطعم الساحرة على مسرحيات شكسبير، أما المسؤول الرئيسي في قاعة المطعم فهو ابنهما المثقف المرهف غابرييل مارياني الذي زار لبنان مؤخرا واستمتع بالوجبات اللبنانية آملا أن يستوحي منها إبداعا جديدا. الكل يعتمد على وصفات الجد الريفية القديمة وتعديلاتها المبتكرة الحديثة حين يضيفون الكمأة المبشورة إلى معجنات السباغيتي مع الأصداف البحرية أو لفائف سمك أبو سيف مع الجبن والصنوبر وإكليل الجبل. لائحة الطعام تنقسم إلى قسمين: سمك البحر ولحم الجبل ومن الصعب الاختيار بينهما لأن أغلب الأطباق لذيذ ومغر ومن إنتاج بيتي. لن يندم الزائر لهذا الصرح الطعامي على أخذ القطار من وسط روما لمدة 3 أرباع الساعة للوصول إلى قرية كاستيل غوندولفو والاستمتاع بتجربة غذائية فريدة. شهرة المطعم وجمال موقعه وصلا إلى هوليوود فزاره في السنوات الأخيرة كبار نجوم السينما الأميركية مثل روبرت دي نيرو ونيكولاس كيدج وكاثرين زيتا جونز ودانييل دي لويس.

* «سفارة كابري»

* إذا لم يسمح لك الوقت بالسفر إلى مدينة نابولي الجنوبية وساحلها الجميل المذهل وجزيرة كابري الباهرة فبإمكانك تناول أطعمة الجنوب في مطعم تقليدي زاه، زينت جدرانه برسوم لأشجار الليمون والبرتقال في وسط روما قرب القصر العدلي وحصن سانت آنجلو التاريخي واسمه «سفارة كابري» كممثل عن المطبخ الخاص بالجزيرة تملكه وتديره وتطبخ فيه أيضا عائلة واحدة تدعى تارانتينو منذ 4 أجيال، وهو فرع عن المطعم الأصلي في جزيرة كابري، فالإشراف العام لماريو وزوجته ليليانا والخدمة الراقية لابنته كلاوديا والطهي الممتاز لابنه الشاب إدواردو.

ستجد هنا محاسن المطبخ الإيطالي من مقاطعة كامبانيا التي تسمى «السعيدة» لخصوبة أرضها وامتلاء بحرها بالسمك والأصداف وتتميز بإنتاج أفضل أنواع الطماطم وجبن الموزاريلا الأبيض والحلويات دون أن ننسى اختراع البيتزا الشهيرة.

يعرف مطعم سفارة كابري بالأطباق البحرية مثل المعجنات كالسباغيتي بثمار البحر أي الأصداف المتنوعة والقريدس (الجمبري أو الربيان) وسمك الحبار (كالامار) المحشو بالسلق والمطهو على نار متوسطة في فرن الحطب وسمك اللقز المشوي وبالطبع كل أصناف البيتزا المخبوزة في فرن الحطب حسب طريقة الجد الأكبر للعائلة، أما الحلويات المتنوعة فألذها طعما كعكة الشوكولاته التقليدية من «كابري» والمخلوطة باللوز المكسر مع قليل من البوظة (الآيس كريم أو الجيلاتي). الخدمة فائقة العناية لأنك تحس وكأنك في دارك والاهتمام بك ودود وطبيعي والابتسامة غير متكلفة والإجابة لطلبك بالإنجليزية أو الإيطالية حسب ما ترغب.