طعام القدماء في أطباق مكسيكية .. بتصرف

رحلة البحث عن مطبخ المايا الحقيقي

TT

سافرت إلى شبه جزيرة يوكاتان أكثر من مرة بحثا عن مطبخ المايا «الحقيقي» لأصناف حضارة، لذا قدت السيارة إلى الوسط وأعلى وأسفل السواحل مرتين، لكن ليس من السهل اكتشاف الطعام الذي يعد قلب يوكاتان. إن ما يحصل عليه الزائر لشبه الجزيرة من طعام هو أصناف مثل «كوتشينيتابيبل» وهو عبارة عن لحم متبل بالفلفل الأحمر ويطهى في حفرة داخل الأرض. ولا يكفي هذا لدفعك إلى هناك وتناول الطعام. مع ذلك حالفني الحظ هذه المرة، فقد اتصلت بصديق، ووجدت نفسي قريبا من قرية خوسيه ماريا موريلوس، التي سميت باسم رجل دين مسيحي وثوري عاش في بداية القرن التاسع عشر وسميت الكثير من القرى في مختلف أنحاء البلد باسمه، وانتقلت منها إلى قرية بيتو إلى أن وصلت أخيرا إلى مدينة تشيكيندزونوت الصغيرة يسكن بها نحو ألفي شخص وتقع في قلب شبه الجزيرة وعلى بعد ساعة بالسيارة من مدينة فالادوليد، التي يسكن بها نحو 50 ألف نسمة. ومع أن الجانب الأكبر من الثقافة ذو طابع عصري، حيث تم توصيل المدينة الصغيرة بطريق منذ 20 عاما، وهناك مرافق عصرية مثل الكهرباء والتلفزيون وعلب «الهوت دوغ»، ويمكن النظر إلى كل شخص في هذه المدينة الصغيرة باعتباره ينتمي إلى حضارة المايا ولا يتحدث الإسبانية إلا القليل من السكان. إنها منعزلة إلى حد يجعل الزراعة والطعام بها يتسمان بالطابع الكولومبي. إنها ليست مدينة كانكون، فهي تقليدية إلى حد كبير. وهناك عدة أسباب معقدة لهذا الوضع، لكن من أهمها هو حب الناس لذلك. ويستطيع أي شخص هنا من التوجه إلى مدينة فالادوليد أو مدريد أو كانكون، التي تبعد كل منها ساعتين من هنا. يفعل البعض ذلك، بينما لا يفعل أكثر الناس ذلك. ويواصل أكثر الذين يمكثون في المدينة الزراعة بغرض الاكتفاء الذاتي كما كان يفعل القدماء منذ آلاف السنوات. ويدرك الزائر المقبل من الولايات المتحدة شكل الحياة على بعد خمسين ميلا من هنا، لكن من الصعب تخيل ذلك حتى ولو رأيته بأم عينيك.

كانت زيارتي الثانية لمدينة تشيكيندزونوت في يوم مشرق من أيام شهر مارس (آذار) وكان برفقتي كيسمان، أستاذة التنمية المستدامة في جامعة «مايان إنتركالتشرال» في خوسيه ماريا موريلوس، وطالبها السابق لويس فرناندو تشان بوتش. وترجم لويس من لغة المايا إلى الإسبانية بينما كانت سوزان تتولى أمر الترجمة من الإسبانية إلى الإنجليزية.

لقد قضينا بعض الوقت مع آيسيدرو هويل تشان، ومثل الكثير من الرجال الطاعنين بالسن، حيث يبلغ من العمر 66 عاما، يدعى «تيو» أي العم. وتمتد مزارع تيو على مساحة 6 هكتارات (نحو 15 فدانا) وتبعد نحو ميلين عن المدينة. ومنذ أن كان في الثانية عشرة من العمر، يقود الحصان إلى المزرعة ويتجول وسط الغابات المحيطة بها، ويهاجم الأعشاب الضارة بسكين كبير. وكان لديه أيضا حديقة خلف المنزل يتقاسمها مع زوجته، حيث كبر أبناؤه، وهناك أيضا فدانان على مقربة من الحديقة يصنع فيها الفحم ويربي فيها نحل ويرعى أشجار الفواكه. ويقول إنه في شبابه كان يصنع جدران حجرية والحجر الجيري اللازم لإنتاج عجينة «الماسا» التي تشتهر بها حضارة المايا من الذرة المجففة. المحاصيل الثلاثة التي يطلق عليها الشقيقات الثلاث هنا كما هو الحال في الكثير من المجتمعات الأميركية البدائية، هي الذرة والفول والقرع وعادة ما يضاف إلى ذلك الصيد والجمع والبستنة. ولا يزال الجزء الأكبر من الأرض مشاعا ومنقسما إلى مزارع مساحتها عدة فدادين في الغابات مثل مزارع تيو؛ ومحميات طبيعية وهي عبارة عن غابات مخصصة للصيد والجمع. وإذا تجولت في أي منطقة ريفية بوسط يوكاتان سترى دراجات أو خيولا على جانب الطريق بجوار غابات تبدو عصية على الاختراق. ويوجد في هذه الغابات مزارعون يرعون مزروعاتهم. وربما ترى أيضا مثلي سيدة معها ديك رومي.

لم يعد الناس هنا يعيشون على الذرة والفول والقرع والجمع والصيد، لكن هناك أنشطة مشابهة كما رأيت خلال طهيي مع فابيولا كان تشان وزوجها، روزيندو كوهو بوت في مطعمهم «لا روزيتا». إنه يعمل في المزرعة منذ صغره، وتضطلع هي برعاية حديقة المنزل والقيام بالأعمال المنزلية والحياكة والطهي. لقد افتتحا المطعم منذ سبعة أعوام، لم يكن لديهم في ذلك الوقت سوى كوخ صغير، لكنهم قاما بادخار الأموال وتمكنا في النهاية من بناء غرفة طعام وغرفة معيشة من قوالب إسمنتية. إنه ليس أنيقا، لكنه يجذب انتباه أهل القرى وسائقي الدراجات، والسائحين. إنه أفضل مطعم في القرية وربما في شبه الجزيرة. لقد شاهدتهم وهم يطهون «الماسا» وساعدتهم قليلا. لقد جمعنا أوراق الموز من أرضين قريبتين وأوراق التشايا وعشب الـ«يربا سانتا» من أجل عمل فطيرة الـ«تامال» وتتبيل بذور اليقطين الفابيولا المحمصة وطحنها. وصنعت فابيولا وسيدة أخرى فطيرة الـ«تامال» والـ«تورتيلا». لقد كانت تحمص الطماطم، التي تعد المحصول الرابع هذه الأيام، من أجل عمل الصلصة. وكانت كذلك تستخدم الطماطم في عمل صوص من الدهن والثوم وفلفل الهابانيرو، وهو مزيج سيلاقي حتما رواجا في نابولي. لقد أرتني كيفية عمل فطيرة البيض البسيطة التي لا تقاوم والتي يطلقون عليها اسم «هوفس إن تورتا». وبناء على طلبي صنعنا «بولكانس» التي تعني «رأس الثعبان» لأنها أسهل طريقة، بعد التورتيلا، للاستمتاع بالشعور البريطاني للماسا. منذ ذلك الحين صنعت الـ«بولكانس» بضع مرات في منزلي، وهو صنف ينصح بعمله، وإن كان متعلق بالهرطقة، خاصة مع صلصلة «سيلكي باكا» المكونة من الطماطم وبذور القرع.

ويأتي أكثر هذا الطعام من مزرعتهم، التي لا يزال يعمل فيها روزيندو، مع شخص آخر، ومن الحديقة، التي تزرع بها الطماطم وتعيش بها الدجاج.

باستثناء الدهن والبيض، نستطيع القول إن هذه الوجبة تقدم منذ 500 عام وبالطريقة نفسها تقريبا. إن مذاقها يحمل عبق الماضي على عكس الأصناف التي تقدمها المطاعم في المدن الكبرى.

* خدمة «نيويورك تايمز»