«فوالا» في جدة.. تجربة فرنسية للمهووسين بالشوكولاته

تجربة مغموسة في النهر البني

من تصاميم الشوكولاته المميزة في «فوالا»
TT

أيقظ حواسك! لأنه أصبح بإمكانك الوصول للذة لا متناهية، لذة تبدأ من مدرسة الشوكولاته الملحقة بـ«فوالا»، المطعم الواقع على ضفة شارع التحلية الشهير بمدينة جدة؛ كونها الوحيدة من نوعها في السعودية؛ والتي يرسم عالمها أليكس؛ بريشة فنان مغموسة في نهر الشوكولاته، لتكّون مزيجا من الترفيه والتعليم، لطلاب المدرسة التي تم تجهيزها بكل ما يلزم، من أدوات وطاولات للعمل عليها، و«كل ما يسترعي انتباه الأطفال»، كما أوضح الشيف أليكس.

دون أن يغفل أهمية توفير الأمان، من خلال إرشادات منسقة بطريقة مصورة وجذابة، تجعل الأطفال أكثر ارتياحا وتقبلا لها، بالإضافة لتقديم أفلام تحكي عن صناعة الشوكولاته. الفصل الذي يستوعب 14 تلميذا، يقوم على تعليم الأطفال عمل نماذج مجسمة، تتباين سهولتها أو صعوبتها، بحسب أعمار الطلاب، والتي غالبا ما تبدأ من الرسم على نماذج جاهزة من الوجوه والدببة، ومن ثم تعليمهم كيفية صنعها.

مجسمات الشوكولاته المعروضة، في مدخل «فوالا»، كفيلة بأن تجعلك تؤمن أن الكلمة العليا للفن حاضرة بقوة، وهو ما يبدو واضحا في مجسم الصقر، المصنوع من 18 كيلوغرام من الشوكولاته الخام، استغرق العمل ما بين 2 - 3 ساعات من وقت أليكس؛ وعلى الرغم من كون المحافظة على المجسمات، تتطلب بقاءها في درجات حرارة معينة؛ لا يساعد عليها المناخ العام في السعودية، إلا أن الطلب عليها، بأحجام أصغر كنوع من الهدايا، مثل أوسكار الشوكولاته، بالإضافة إلى أشكال مختلفة قابلة لأن تكون جزءا من ديكور المنازل.

وعلى الرغم من تميز المدرسة في هذا المجال؛ منذ ثلاث سنوات كونهم الوحيدين في السعودية؛ فإن الأمر لا يخلو من تحديات، ليس أولها افتتاح وتجهيز هذا النوع من المدارس، ناهيك عن «التحدي الأكبر المتمثل في العناية بالأطفال، وتعليمهم قوانين المدرسة، وكيفية الالتزام بها داخل الفصل قبل البدء، بمساعدة الشيف فابيان الذي يتحمل الجزء الأصعب من المهمة»، كما أوضح أليكس.

تغيير المزاج الذي يعرف عشّاق الشوكولاته، أنه سحر حبات الكوكو، يُعدّه القائمون على فوالا أمرا استثنائيا لديهم؛ كونه يتقاطع مع متعة وإثارة؛ هو العنوان الرئيسي الذي اختارته ميار لتقديمه، لأصدقائها في عيد ميلادها العاشر، من خلال برنامج يقع ضمن برامج أخرى. يعكف على تقديمها طاقم المدرسة، ليتيح أكثر من خيار يتناسب مع الفئات العمرية المختلفة.

عيد ميلاد ميار الذي لفته أجواء من الضحك، بدأتها مداعبات مهرج الحفل للمدعوات، قبل أن تبلغ الإثارة ذروتها مع وقع نغمات موسيقية، حوّلت الخطوات الصغيرة المتعثرة إلى خطوات راقصة؛ لنحو ساعة من الوقت، تخللها عزف الصغيرات، على الغيتار بمتابعة من أليكس وفابيان، ليبدأ بعدها انتظامهم داخل الفصل ؛ للعمل على تصميم وتنفيذ أشكال سهلة، ومختلفة من الشوكولاته، تتناسب مع عمر زهور الحفل.

فابيان الذي لا يملّ من نسج قصص غرام مع الشوكولاته، عبر جداريات المطعم الذي يلفه عالم من الشوكولاته. فلا يكاد يبدأ بجدارية «ما لا تعرفه عن الشوكولاته»؛ التي تحمل في جمل تعريفية بسيطة تاريخ حبات الكوكو، تستقبلك بعد ارتقائك درجات سلم، يأخذك إلى المطعم؛، بدءا من استخدام قبائل المايا للشوكولاته في احتفالاتها، ناهيك عن كونها علاجا، وتصنيفها من قبل الفرنسيين كدواء خطير، فنحو عام 1700 لم يكن يُسمح باستخدامها.

ولم يقف أمر حبات الكوكو عند هذا الحد، بل جاء «احتكارها من قبل الدولة الفرنسية في القرن الثامن عشر، أمرا حمل الفرنسيين فيما بعد على تصنيعها، من خلال افتتاح أول محل لبيعها في بريطانيا، فيما بدأت المحاولات الأولى لتحسين مذاق الشوكولاته؛ التي أصبحت هاجسا وشغفا عند الأوروبيين، ولم يكن يقدم مشروب الشوكولاته إلا للنخبة فقط». وما إن تنتهي من قراءة تاريخ الشوكولاته؛ حتى تغوص داخل بحرها من أذنيك حتى أخمص قدميك،عبر الديكور الأنيق للمطعم بلمسة فرنسية واضحة، الذي يغطيه لون حبات الكوكو، ابتداء من اللون الترابي لحجر الحائط، بتداخلات درجات البني. فيما تغطي مقاعد من الجلد بلون الشوكولاته، الأرضية ذات اللون البيج، لتعكس إضاءة الشموع المحمولة على ألواح من الحديد الأسود، المعلقة في الأسقف الجبسية البيضاء، والموزعة بدقة لتوفر استقلالية لكل طاولة؛ في حين تلعب الإضاءة الجانبية، دورها في توفير الخصوصية لرواد المكان.

الحوائط التي حملت تابلوهات من الخشب، بالأبيض والأسود لحبات الشوكولاته، منحت المكان بعدا كلاسيكيا، فيما جاءت الفازات التايلاندية؛ على الأرفف في منتصف الصالة لتضفي على المكان، كما وصفها أكرم نعمان مدير المطعم «نحاول أن نربط المكان بالثقافة الشعبية». وفي الوقت الذي لا يكتفي فيه المطعم بتقديم طعام تتباين قائمته؛ بين النكهة الفرنسية والإيطالية، يأتي حرص الشيف فابيان على تغيير تلك القائمة كل أربعة أو ستة أشهر، لتتناسب مع ذائقة رواده المختلفة.

«الذوق العام الذي يلعب دورا كبيرا في تغيير قائمة الطعام»، كما أوضح نعمان يأتي بناء على مقترحات الزبائن؛ وهو ما حمل فابيان على تقديم الهمبرغر بالطريقة الفرنسية؛ إلا أنه لم يلغِ القائمة الفرنسية والتي يعكف كثير من زوار المطعم، على طلبها خصوصا في فترة الإفطار، على أنغام أغنيات فرنسية. القائمة التي بالعادة تكون واحدة في معظم المطاعم، يبدو أنها تنقسم لقائمتين في «فوالا»، واحدة لفترة الصباح وما قبل الظهيرة. تشمل الإفطار الفرنسي؛ إلى جانب ثلاثة خيارات تتباين، بين قائمة الكابتشينو، والشوكولاته الساخنة، لتتوج الجميع قائمة إفطار «فوالا» المميزة، والتي يتضمن قهوة من اختيارك، بجانب قطعة من الكرواسون وأربع قطع من الساندويتشات الصغيرة، وقطعة من رول الشوكولاته، بالإضافة إلى طبق الفراولة. كل ذلك يأتيك فيما تأخذك الحيرة باختيار طبق خفيف من أطباق «فوالا»، من ساندويتشات السلمون المدخن والتونة، العلامة المميزة للمطعم ضمن قائمة ما قبل الظهيرة؛ بالإضافة لأنواع الساندويتشات المتعارف عليها.

علامات «فوالا» المميزة لا تقف عند حد، بل تجاوزتها لتأخذنا نحو المخبز الفرنسي، الذي يعد الأكثر شهرة، وهو ما يجعل «فوالا» الأكثر تميزا عندما يتعلق الأمر بـ«الخبز الفرنسي هو أساس الطعم الفرنسي»، كما وصفه نعمان، لذلك اعتمد القائمون على المطعم تقديم الأطعمة بمكونات فرنسية؛ والمحافظة على مذاق عالي الجودة، بنكهة فرنسية خالصة. وهو الأمر الذي يحيلك بشكل عفوي، نحو الحلويات كعلامة أخرى فارقة لـ«فوالا»، فأنت موجود هنا.

لتجدد مذاقك من خلال مجموعة الباستا، المقدمة بنكهات تحتار بينها، فعشّاق القهوة على موعد مع نكهة القهوة المميزة؛ في حين لن تتوانى لحظة عن تذوق نكهات، النعناع والبندق والزنجبيل الحار؛ بالإضافة لنكهات بأزهار اللافندر والزهر والشاي الأخضر، فيما يشكل طعم الفستق الأخضر وحبات الهيل، ناهيك عن مذاقات الفاكهة عبر طعم حبات العنب والفراولة، والموز والتمر والليمون حضورا طاغيا؛ وقبل أن ننسى! هناك توصية تحملك على تحسس مذاق ذوبان زبدة الكراميل المالحة.