تكريم الأب الروحي للمطبخ الفرنسي

آلان دوكاس يحتفل بالذكرى الـ25 لافتتاح مطعمه في موناكو بحضور 240 طاهيا من 27 دولة

يعتبر الطاهي المخضرم آلان دوكاس من أهم الطهاة الفرنسيين في العالم
TT

قال رينيه ريدزيبي، إنه كان يدير الأزمة الاقتصادية ببراعة. وتحدث من مطعمه الصغير في كوبنهاغن ضاحكا وهو يقول إنه يتلقى 100 ألف طلب حجز شهريا. بالطبع، كان هذا نجاحا؛ يدير هذا الرجل الشاب المتواضع البالغ من العمر 34 عاما، ذو اللحية الصغيرة، أكثر المطاعم رواجا في العالم وهو مطعم «نوما».

وكان موجودا هنا، لحسن الحظ، جنبا إلى جنب مع نحو 240 طاهيا من 27 دولة، للمساعدة في تكريم آلان دوكاس (56 عاما) الأب الروحي للمطبخ الفرنسي، الذي دعا الزملاء للاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لافتتاح هذا المطعم الـ3 نجوم، لويس الخامس عشر، هنا. يقول ريدزيبي: «نشأت مع آلان دوكاس، وقرأت كتبه وحلمت بالذهاب إلى مطاعمه، وما زلت في مرحلة لا أعتقد فيها في حقيقة الأمر أنني أندرج ضمن الفئة نفسها».

وأضاف: «الأمر المهم هو الاحتفاظ بهذا المستوى العالي على مدار تلك الفترة الطويلة. ما حدث لي يبدو غريبا نوعا ما، لكنه أعطاني الحرية كي أطهي ما أريده».

وقال صديقه ماغنوس نيلسون (29 عاما) الذي افتتح مطعمه «فافيكين» في شمال السويد بعد أربع سنوات بباريس في «لاسترانس»، إنه رأى أن الدعوة الأولى التي تلقاها من دوكاس كانت ضمن رسائل البريد المهملة، ولم يصدقها إلى أن وصلته نسخة مكتوبة من الدعوة. قال: «لقد انتشرت مطاعمه لفترة طويلة، ومن ثم، لا يتحدث الناس عنه بالطريقة نفسها، على الرغم من أنها أصبحت الآن أفضل من أي وقت مضى». وأضاف: «وعندما تنزع كل (البهرجة)، تصبح صفقة عمل. عندما تأخذ من الناس أموالا، فإنهم يتوقعون متعة في المقابل».

كان هناك قدر كبير من «البهرجة» هنا نهاية الأسبوع الماضي، مع قدوم طهاة من الولايات المتحدة والصين واليابان وجميع أنحاء فرنسا، حاملين مجتمعين 300 نجمة ميشلان، لحضور احتفال يضم عشاء فاخرا اشتمل على خضراوات وأسماك وطيور داجنة من المنطقة. وكان هناك كثير مما تطلق عليه المجلة الساخرة البريطانية «برايفت آي» اسم «الفنانين المصطنعين» وكانت هناك تعليقات مديح عن نجم من هؤلاء العاملين في المجال نفسه، من بينهم منافسون مثل الطاهي المخضرم جويل روبوشون.

وقال غاي سافوي، أحد أمهر الطهاة في فرنسا، الذين جاء كثير منهم إلى هنا للإشادة وإظهار التقدير، إن «دوكاس يثبت لنا الليلة أنه رائد الطهي الفرنسي في العالم». فقط دوكاس هو من بإمكانه أن يجمع هذا العدد الهائل من الطهاة المتميزين تحت سقف واحد، على حد قوله. يقول سافوي: «موهبته التنظيمية استثنائية أيضا. إنني أرفع له القبعة!». كان الطعام المقدم في حفل عشاء لأكثر من 400 شخص. وضعت شرائح من الخضراوات الطازجة التي تتخذ شكل أوراق، وضع 15 نوعا منها، من بينها الشمار والباذنجان والخرشوف الشوكي في كأس من الكريستال كي يتم غمسها في معكرونة الزيتون. وقدم روبيان صغير أحمر من سان ريمو مع فواكه البحر والجيلاتين والكافيار الصيني الممتاز. بعدها، يقدم مع قطع الخرشوف الصغيرة والكمأة البيضاء، ثم يقدم السمك المحلي، سمك البوري الأحمر وسمك العقرب وجون دوري وسمك الأبراميس والحبار، في مرق السمك الخفيف.

ثم يقدم نوع من المعجنات الصغيرة محشو بطيور التدرج وشمندر، مع صوص الحريف والفواكه وسلطة الكمأة. بعدها، تقدم حلوى التفاح المطبوخ والسفرجل البري، مع آيس كريم تم إعداده من حليب من الأبقار المحلية وذرة ملح. كما تقدم شوكولاته وغريبة بالبندق.

أصيب دوكاس بقسط من مشاعر الغضب من الاحتفاء الصاخب الأخير بالطهاة الإسبان والاسكندنافيين، مستشعرا بأن هذا ينتقص من قدر الإبداع المتأصل في تقليد المطبخ الفرنسي. لكنه دعا بعضا من أفضل الطهاة في العالم، من ريدزيبي إلى مايكل وايت من «ماريا» وماغي لو كوز من «لو بيرناردين» ودانيال بولود، الذي يقطن بنيويورك الآن، إضافة إلى باتريك أوكونيل، من «إن آت ليتل واشنطن» في فيرجينيا.

كان هناك بعض من أفضل الطهاة من اليابان، بعضهم قد تدرب مع دوكاس، ومن بكين وبريطانيا. وحينها، كان هناك هيمانت أوبيروي، كبير الطهاة في قصر تاج محل في مومباي، والذي شرح كيف تمكن هو وفريقه من إنقاذ حياة مئات العملاء في الليلة التي داهم فيها إرهابيون مقر الفندق في نوفمبر (تشرين الثاني)، وكيف شاهد بعض موظفيه يفارقون الحياة.

يعتبر دوكاس من المعجبين بالمطابخ الأخرى. يمكنه الاستمرار على مدى خمس دقائق في الإشادة بـ«شعرية الصويا» التي تناولها في محطة قطار يابانية، والتي تطهى على موقد غاز. ويضيف: «والنتيجة قوام ممتاز وملمس رائع وكثافة رائعة ومذاق شهي ودرجة حرارة ملائمة تماما جوهر الصويا!».

لديه شيء ليقوله عن درجة الحرارة: الخاصة بالطعام والمكسرات الموجودة في المطعم. يتحدث عن ضرورة أن يكون الطهي البارع غير مكلف، متحدثا بحماسة في مقابلة أجريت معه عن «مزيج مثالي من الكرات والخل وزيت الزيتون» وكتف حمل، «أفضل جزء». ولكنه يرى أيضا أن «الامتزاج ارتباك» وأن التقاليد الفرنسية والتدريب الفرنسي ما زالا يشكلان أساس المطبخ الراقي بمختلف أنحاء العالم.

عمل توم كيتشن، من «كيتشن» في أدنبرة، لمدة عامين مع دوكاسي، مثلما فعلت كلير سميث، التي عملت لمدة أربع سنوات هنا وتعتبر الآن أكبر الطهاة بمطعم «غوردن رامزي» ذي الثلاث نجوم في لندن. يتحدث كيتشن بحماس عن فرنسا بوصفها «بيت الأطعمة والمطبخ الراقي».

وفي عام 1987، أوكلت لدوكاس، الذي تعافى مؤخرا من تأثير حادث طائرة أقعده لمدة عام على الأقل، مهمة إنشاء مطعم يحمل 3 نجوم ميشلان هنا، في فندق «أوتيل دو باري». كان عمره 30 عاما. تطلب الأمر منه 33 شهرا، وكان هذا هو أول مطعم 3 نجوم داخل فندق.

وقال إنه بعد مرور 25 عاما، أصبح هذا هو عصر النضج، على المدى الطويل والقصير. وأكد قائلا: «ولكن هذا ليس موضعا للتوقف، أو الراحة. الآن، من المهم التقدم». يتمثل موضوعه الحالي في الحداثة: «دهون أقل وملح أقل وسكر أقل ومزيد من المنتجات المحلية والموسمية وقليل من اللحم والمزيد من الأسماك. ينبغي أن نأكل بشكل أكثر استمرارية وعدالة».

بالطبع، وسط كل هذا الحديث، كان هناك الطعام، الذي كانا بمثابة علامة على السخاء مع مجتمع الطهاة والضيوف، الذين كان من بينهم الأمير ألبرت وزوجته الأميرة شارلين، والأميرة كارولين. عرض سوق البحر المتوسط مجموعة فاتنة من الأسماك والخضراوات والخبز والجبن، مع قيام بعض الطهاة بإعداد أطباق ابتكروها للمناسبة باستخدام مكونات محلية (وأيضا، حسبما يجب القول، كثير من الكمأة). على سبيل المثال، أخذ دونغ جينزيانغ من مطعم «دادونغ» في بكين حملا محليا وقام بنقعه في السمسم وبهارات مطبخ سيتشوان.

يتمثل أحد شعارات دوكاس في «بسيط، صحي، وجيد». لم يكن برنامج نهاية الأسبوع الذي أعده لزملائه بسيطا بدرجة كبيرة وربما لم يكن صحيا، لكنه كان جيدا جدا على نحو استثنائي.

* خدمة «نيويورك تايمز»