بريطانيا.. وأطباق العيد

تاريخها يعود إلى القرن السابع عشر

TT

هناك وجبة تقليدية يتناولها البريطانيون في عطلة نهاية العام تتكون من البطاطس المشوية والديك الرومي والخضراوات المسلوقة، يليها الكثير من أصناف الحلويات والكعك. وهذا التقليد يعود في جذوره إلى أول وثيقة تاريخية مكتوبة بها وجبات معدة لاحتفالات نهاية العام يرجع تاريخها إلى عام 1660.

في ذلك العصر لم يكن البريطانيون من الطبقة الأرستقراطية يتناولون الديك الرومي وإنما لحوم الأبقار والغنم والخنازير. وكانت الطريق المتبعة لطهي هذه اللحوم هي تعليقها على سيخ دوار فوق نار مشتعلة سواء في الهواء الطلق أو داخل المطابخ الملحقة بالقصور الأميرية.

ويقول خبير تاريخ المطبخ البريطاني إيفان داي إن هناك الكثير من الاهتمام من الكثيرين لمعرفة المزيد عن تاريخ المطبخ البريطاني وكيف تطورت الوجبات العصرية، بما في ذلك وجبة الاحتفالات بنهاية العام. وهو يقوم بتدريس الكثير من الدورات للمهتمين بهذا المجال ويقدم المشورة للمتاحف وأرشيف التاريخ البريطاني.

وهو أيضا يمتلك مطبخا تاريخيا بكامل أدواته يمكن به طبخ الوجبات البريطانية التاريخية كما كان يتناولها أجداد الجيل الحالي. وهو يؤكد أن الأمر كان بمثابة المفاجأة بالنسبة إليه، حيث اكتشف أن أكل الأجداد كان أفضل بكثير من الوجبات التي يتناولها البريطانيون الآن.

وفي الماضي كان البريطانيون يحتفلون بنهاية العام بتناول «خروف العيد»، ولكن الأمر لم يقتصر على الخروف وحده، بل شمل كل أنواع الطيور أيضا. ورغم أن طبخ وتجهيز الديك الرومي ليس عادة حديثة، بل تعود جذورها إلى القرن السادس عشر، فإن وجبة نهاية العام لم تقتصر حينذاك على الديك الرومي وحده. وساهم في انتشار وليمة الديك الرومي انتشار مزارعه الحديثة التي جعلته الوجبة الرئيسية في احتفالات نهاية العام.

والغريب أن البريطانيين كانوا يتناولون أيضا صغار طيور البجع التي كانت تفقس في شهر يونيو (حزيران) وتكون في أفضل عمر للذبح في نهاية العام. وفي يوم الاحتفالات بعيد الميلاد ونهاية العام تتكون الوجبة الآن في أقصى حد من ثلاثة أطباق تعتمد على عدد قليل من المحتويات. في الماضي كان الأمر مختلفا، حيث كانت الوجبة تتكون من طبقين كل منهما مكون من أكثر من 20 صنفا.

ويقول ايفان داي إن وجبات اليوم يحكمها الاقتصاد وليس الطعم، فمن الصعب مثلا إيجاد مشاريع لمزارع الإوز، ولكن من السهل تربية الديك الرومي لأنه يعتبر بمثابة مصنع لحوم في سهولة العناية به وسرعة نموه.

وما بدأ في المطبخ التاريخي كعملية يدوية من الطراز الأول لشيّ اللحوم فوق النيران المفتوحة تحول مع مرور الوقت إلى تقنيات مميكنة بفضل ابتكار إيطالي للتحكم في إدارة اللحوم على النار عن بعد عبر سلسلة من التروس والسلاسل. وكان شيّ اللحوم من سمات المطبخ الأرستقراطي، حيث كان الفقراء معدمين إلى درجة عدم القدرة على شراء الفحم اللازم للشواء. وكانت عمليات الشواء تتم في القصور على 4 أو 5 مواقع مختلفة لتقديم الكثير من أصناف اللحوم إلى الضيوف.

وبينما كانت اللحوم تطهى على النار في عملية تستغرق ساعة ونصف الساعة على الأقل، كانت الخضراوات والتوابل تطهى في أوانٍ مختلفة خلال الفترة نفسها بحيث يكون الطعام جاهزا في الوقت نفسه.

وفي العصر الفيكتوري بدأ التوجه نحو استخدام اللحوم الباردة في أطباق جانبية، كما بدأ أيضا طبخ اللحوم داخل طبقات من العجين لإنتاج ما كان يسمى كعكة العيد المحشوة باللحم. كما بدأت أيضا عملية حفظ اللحوم أحيانا بتغليفها بالزبد حتى موعد استهلاكها يوم العيد.

وظهر في العصر الفيكتوري أيضا بعض الوصفات التي من الصعب تنفيذها اليوم مثل تلك التي ابتكرها الطباخ فرانكتيلي في عام 1846 لطهي كعكة مكونة من عدة طبقات من اللحوم تشمل الديك الرومي والكمأة وطائر النذرج (فيسانت) ولحوم بقرية تعد على زمن يومين وتطهى خلال ست ساعات. وإذا تم إعداد الوجبة نفسها اليوم فإن تكاليفها سوف تزيد على 300 جنيه إسترليني.

وكانت كعكات اللحوم تصنع داخل قوالب خاصة عليها نقوش خارجية تمثل أوراق شجر أو طيورا. وهي قوالب مصنوعة من النحاس بطبقة داخلية من القصدير ويتم طهي الكعك فيها بطلاء من الزبد ثم العجين ثم اللحوم وتغطيتها بطبقة من العجين وإدخالها إلى الفرن.

من المعالم المغمورة لعادات الأكل في الماضي الاهتمام الكبير بأدوات المائدة التي كانت تصنع أحيانا من الفضة بمقابض منقوشة من الخشب أو العاج عليها رسومات دقيقة لطيور أو زهور. من هذه الأدوات ما كان يخصص للأطفال. وهي تبدو أفضل شكلا وتصميما من أدوات المائدة الحديثة على رغم أن تاريخ الأدوات القديمة يعود إلى القرون الوسطى.

من الأفكار الخاطئة الأخرى من تاريخ الاحتفالات في الغرب أن الفقراء كانوا محرومين من الطعام الجيد، حيث تثبت الوثائق أن معظم وصفات الطعام ابتكرها الفقراء وليس الأثرياء، كما أن العاملين في مطابخ الأثرياء كانوا جميعا من الفقراء فلم يكن هناك طباخون من الطبقة الثرية.

وفي الماضي كانت صناعة الحلوى تقتصر على النساء، وكان المجتمع يعتبرها من النشاطات النسائية مثل غزل الصوف. وبينما كان الرجال يقومون بشيّ اللحوم وإعدادها كانت النساء يتفنّنّ في صناع أصناف الحلوى.

وفي الماضي لم تكن هناك وجبات سريعة، فكل وصفات الطعام كانت تستغرق ساعات طويلة في إعدادها، بداية من طحن التوابل إلى سلخ اللحوم. ولم يستخدم القدماء الأفران التي تطهي الطعام حاليا على حساب تجفيفه بينما في الماضي كان الطهي على النار يحتفظ للطعام بمذاقه وليونته.

أيضا كانت النساء يستخدمن ماء الورد والزهور في صناعة الحلوى بحيث يبدو طعمها مزدهرا مثل طعم الملبن التركي في الوقت الحاضر.

وتثبت الوثائق أن معظم مظاهر الاحتفالات الحديثة بما فيها شجرة عيد الميلاد تعود فقط إلى العصر الفيكتوري، حيث ظهرت الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت مع شجرة عيد ميلاد للمرة الأولى في الصحافة البريطانية في عام 1848. وبالتدريج انتشرت هذه العادة إلى المنازل البريطانية رغم أنها لا تنتمي إلى أية جذور تاريخية أو دينية. وبالمثل ترجع عادة تبادل بطاقات التهنئة في نهاية كل عام إلى العصر الفيكتوري نفسه الذي كان الناس خلاله يصممون بطاقات الأعياد بأنفسهم.

أما عادة تبادل الهدايا فقد بدأت في نهاية كل عام وتحولت تدريجيا إلى أعياد الميلاد. وتبدو احتفالات نهاية العام وسيلة لإدخال السرور إلى كل الطبقات الكادحة والثرية على السواء خلال أشهر الشتاء الباردة والقاتمة في شمال أوروبا.