«هوتيل شوكولا».. وأصبح للشوكولاتة عنوان في لندن

دروس من «الحبة إلى القالب»

تحضير الشوكولاته خطوة بخطوة
TT

عندما نأكل الشوكولاته لا نتساءل عادة عن طريقة تحضيرها وسر النكهة الخاصة التي تميز نوعا عن نوع آخر، نعرف أننا نفضل أنواعا معينة ونعرف أن هناك فرقا في الطعم نحكم عليه بتذوقه ولكننا لا نعرف أسرار صنع الشوكولاته ورحلة حبة الكاكاو من داخل الثمرة وحتى تصبح قالبا جذاب الشكل تتخلله خيوط من الشوكولاته البيضاء أو تتخلله حبات البندق واللوز أو الكراميلا السائلة وغيرها من الإضافات.

داخل محل «هوتيل شوكولا» في كوفنت غاردن توجد لافتة تشير إلى «مدرسة الشوكولاته» (سكول أوف تشوكليت)، تجذب انتباه الموجودين في المحل. نعرف أن «المدرسة» التابعة للمحل تقدم دروسا في صنع الشوكولاته وأخرى لفن تذوقها ومنها مخصص للأطفال يعتمد على الترفيه. وإذا كان هناك مدرسة تغري التلاميذ بالالتحاق بها فحري بها أن تكون مدرسة لتلك الحلوى التي تجذب الصغار والكبار.

أختار من تلك الدورات دورة بعنوان «من الحبة إلى القالب» وهي دورة تقدم لنا مسيرة حبة الكاكاو منذ قطفها من الشجرة ومرورها بمراحل مختلفة مثل التحميص والطحن وخلطها مع عناصر مختلفة لتصبح قالب الحلوى الذي نراه في صورته النهائية.

الدورة تقام في الدور الأرضي من المحل الكائن بحي «كوفنت غاردن»، عند دخولنا يلفت النظر آلة ضخمة تخلط الشوكولاته السائلة. نتخذ مقاعدنا، (عدد الحاضرين 5 فقط)، أمام كل شخص 3 أطباق صغيرة تحتوي على عدد من حبات الكاكاو الجافة وطبق آخر به قطعة من زبدة الكاكاو وفي الطبق الثالث حبيبات الكاكاو بعد طحنها. تبدأ خبيرة الشوكولاته تشارلوت بتقديم ثمرة الكاكاو، حبة ضخمة برتقالية اللون، جاءت من المزارع الخاصة للشركة في جزيرة سانت لوتشيا بالكاريبي. وبعدها نقوم بتذوق بذرة الكاكاو، تتكسر بسرعة داخل الفم ولكن طعمها المميز يحتوي على المرارة أيضا. بعد ذلك تقدم لنا عددا من قطع الشوكولاته التي تم صنعها في هذا المحل، لاختبار الطعم ومحاولة اكتشاف العناصر المكونة، تقول: «نبدأ بقطعة تحمل 3 في المائة من الحليب فقط، صفوا لي الطعم الذي تجدونه»، المحاولة تفتح أمامنا بابا جديدا حيث إن المعتاد أن المتذوق للشوكولاته لا يتوقف كثيرا عند التحليل الدقيق لطعمها، المرارة واضحة في تلك القطعة، تشعر بتكوينها المخملي، تقول: «القطعة التالية تحمل كمية أقل من الحليب، ولكن يجب أن تلاحظوا أن طعم الشوكولاته تطور بناء على عناصر أخرى إلى جانب نسبة الحليب، مثلا مصدر حبات الكاكاو، القطعة التي أمامنا تعتمد على نبتة كاكاو زرعت في دولة الترينيداد، وهذا يعني أن الطعم سيختلف عن نبتة زرعت في فنزويلا على سبيل المثال». نعرف أن هناك 3 أنواع لحبات الكاكاو، الأول «فورستيرو» يزرع بكثافة في منطقة الأمازون بجنوب أميركا ويمثل أكثر من 80 في المائة من الإنتاج العالمي، ثم هناك نوع آخر نادر وهو «كريولو» ويزرع في فنزويلا، تقول: «حبات كريولو نادرة جدا وتزرع بشكل محدود جدا، فالشجرة معرضة للأمراض ولكن عندما يكون هناك محصول جيد فالشوكولاته المصنوعة منها مدهشة الطعم بالفعل». النوع الثالث وهو شائع الاستخدام أيضا هو «ترينيتاريو» وهو خليط ما بين النوعين الأولين ويزرع في دولة الترينيداد وهو نفس النوع الذي يوجد في مزارع «هوتيل شوكولا» بجزيرة سانت لوتشيا.

بعد القطعة الأولى تشير علينا بشرب القليل من الماء «لتنظيف الذائقة» كما تقول، وتتوالى بعد ذلك القطع الصغيرة من الشوكولاته، كل منها تحمل عنصرا مختلفا وطعما مغايرا، ما السر في ذلك؟ تقول إن إضافة مكسبات الطعم أو المواد المختلفة التي تكون الطعم النهائي لقطعة الشوكولاته عملية مركبة وتشير إلى نقطة هامة «دع قطعة الشوكولاته تذوب على اللسان ثم حركها ببطء داخل الفم، لتطلق المذاق». المذاق يختلف، منا من يقول إنه يحمل نكهة التوت الأسود وآخر يقول بأنه يتذوق نكهة اللوز. تشير تشارلوت إلى أن الطعم قد يتأثر بالنباتات المجاورة، «في الغابات الاستوائية قد تتجاور أشجار الموز أو نخلات جوز الهند مع نبات الكاكاو ويظهر تأثير ذلك في طعم حبات الكاكاو. قد يكون التخزين أيضا من عوامل تغير الطعم».

بعد تذوق أنواع مختلفة من الشوكولاته الخالية من الإضافات، نعود لمقاعدنا للبدء في تجربة صنع قالب خاص بكل منا. توضع أمام كل فرد هاون ومدقة ونتبع التعليمات كما تقولها لنا تشارلوت، نضع حبات الكاكاو المحمصة في الهاون ونطحنها بطريقة دائرية حتى تصبح لينة كالمعجون، الأمر يستلزم بعض الجهد ولكنه مجزٍ، بعدها نضيف السكر والزبدة ونستمر في الطحن. الهدف هو الوصول إلى مزيج متجانس وناعم، يجب أن نتخلص تماما من الحبيبات الخشنة المتبقية من الحبوب، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة. ونتذكر أن المختصة أطلعتنا على عملية طحن الحبوب المحمصة في ماكينة خاصة تقوم بفرز القشور من الحبوب ولكننا لا نحظى بتلك الماكينة، وعلينا أن نقوم بالخلط باليد فقط. بعد دقائق من الطحن تطلع تشارلوت على النتيجة وتعلن أن الوقت قد حان لصب الخليط في قوالب بلاستيكية، تأخذها منا بعد ذلك لتسخنها ثم تتركها لتبرد. في نهاية الساعات الثلاث، مدة الدرس، نخرج من المحل محملين بعدد من ألواح الشوكولاته الداكنة وكيس خاص غلفت فيه القوالب التي قمنا بتحضيرها وأجد أن طعمها مقبول بل يكاد يكون جيدا جدا لولا وجود بعض الحبيبات الخشنة التي لم أنجح في طحنها تماما.

التجربة في حد ذاتها تجربة مثيرة وممتعة، فإلى جانب تذوق كل أصناف وأنواع الشوكولاته التي صنعت في المحل ذاته، نطلع على طريقة عمل القوالب الشهية والعوامل التي تؤثر على جودتها، والنكهات المختلفة التي يمكن تقديمها وأهمية عدم إضافة سوائل لمعجون الشوكولاته، تشير تشارلوت إلى أن وضع الحليب يجب أن يكون على هيئة بودرة لئلا يفسد شكل وطعم القالب النهائي. المفاجأة الأخرى كانت في تذوق ثمرة الكاكاو نفسها، اللحاء الشفاف المحيط ببذرة الكاكاو، فعلا لذيذ الطعم ويشبه فاكهة «باشون فروت». تبقى حلاوة الدرس على ألسنتنا بعد الخروج من المحل ويعلن البعض عزمه عن العودة لخوض تجربة «تذوق الشوكولاته» الذي يقدمه المحل أيضا.

الدروس معلنة على موقع المحل على الإنترنت مع تعليقات من بعض الذين خاضوا التجربة.

نصيحة سريعة: لا تأكل الشوكولاته بسرعة.. تذوقها ببطء فالنكهة لها طبقات مختلفة تتوالى على اللسان وتجعل من قطعة الشوكولاته حلم ممتع.