«تقنيات خفية» في معرض الأثاث الدولي في كولون

مناضد إلكترونية وكراسي موسيقية.. وإقبال على جناح «عالم الأحلام»

غرفة الجلوس تحولت الى عالم خيالي («الشرق الأوسط»)
TT

من يزور معرض الأثاث الدولي IMM (14ـ21 يناير) في كولون هذه الأيام سيعتقد إن هذه المنضدة ستتحول فجأة إلى عفريت، أو أن هذه الكنبة ستقفز عليه كالحصان، أو ربما ستنمسخ هذه اللوحة تلفزيونا، تماما كما يحدث مع «أليس في بلاد العجائب». فمعرض الأثاث الدولي 2008 ساحر بتقنياته وألوانه وأفكاره كسحر بلاد العجائب التي تصور الكاتب لويس كارول أن أليس ستحلم بها. ويوفر المعرض في جناح «عالم الأحلام»، المخصص لعرض أثاث المستقبل، كل مقومات بيت العجائب الذي سيسكنه البشر خلال أقل من 20 سنة.

ورغم أن المعرض يفتح أبوابه لأصحاب الاختصاص والصحافيين فقط في الأيام الأربعة الأولى، إلا أن المشرفين على المعرض يتوقعون زيارة 100 ألف إنسان خلال يومي السبت والأحد المخصصين للزوار والفضوليين. وتشارك في المعرض هذا العام أكثر من 1300 شركة من 98 دولة وتم تخصيص هولندا فيه بموقع الشريك الأول حيث خصص جناحا كاملا للعارضين من الأراضي المنخفضة.

ويمكن القول بثقة إن النزعة الأساسية في عالم الأثاث 2008 تتركز في الدخول القوي للتقنيات الإلكترونية إلى المطابخ وغرف النوم وصالات الطعام وغرف المعيشة. إلا أن هذه التقنيات اندمجت في قطع الأثاث وتحولت إلى «تقنية خفية» تشي بعالم الغد القريب. فجهاز الموسيقي الصغيرMP3 اندمج في الكراسي والمناضد والأسرة وغادر المكاتب وغرف المعيشة إلى الأبد. التلفزيون المفلطح أصبح جزءا من باب الثلاجة أو لوحة خفية على الجدار أو تحول إلى مرآة في دولاب الملابس. قطع الأثاث المختلفة مضيئة، وتعوض عن الثريات الأنوار الأخرى، لأنها مصنوعة من نسيج حديث يسرب الضوء إلى الخارج ويمنع تسرب الماء. وقدمت شركة «سكلويب» النمساوية مثالا حيا عن غرف المعيشة التي تحولت إلى عالم خيالي من الأبيض والألوان المتغيرة وقطع الأثاث «الذكية». والغرفة التي عرضتها الشركة في الجناح الخامس من المعرض عبارة عن حلم باللون الأبيض، حيث ثبت أن اللون الأبيض هو لون معرض 2008. التلفزيون هنا مخفي داخل كومودي عريض وشاشته عبارة عن مرآة تعكس ألوان المحيط. كرسي مشاهدة التلفزيون عبارة عن كرسي مصنوع من الألياف الزجاجية والجلد الطبيعي، يدور على نفسه، ينقلب، ويمكن مده ليصبح سريرا أو مضجعا. والمهم هو أن الشركة دمجت فيه جهاز MP3 لتوفر أقصى راحة بال ممكنة للمستعمل، كما تم تزويده بجهاز للاهتزاز يهتز بموجات غير محسوسة تقريبا ويوفر تمريخا مريعا للعضلات والأعصاب. والكرسي المتعدد الوظائف، يتحرك على عجلات، ومزود بمكبرات صوت صغيرة تتصل لاسلكيا بجهاز الستيريو المخفي داخل رفوف الكتب. اللوحة «الحرباء» على الجدار مرسومة على نسيج صنع من جزيئات نانوية (النانو عبارة عن جزء من مليار جزء من المتر) تغير لونها حسب ألوان المحيط، كما أن هناك مكبر صوت آخر مخفي داخلها ويرتبط أيضا بجهاز الستيريو. وتم تصنيع السجاد من مادة نانوية أخرى لا تتسخ ولا يتغير لونها بتأثير الضوء. وهكذا تسللت التقنية النانوية من عالم الطب إلى عالم الأثاث لتعكس النزعة الثانية من نزعات المعرض. فتم عرض مرتبات صنعت من مادة نانوية لا تمرر الماء (الأطفال) ولا تسمح بنمو البكتيريا والفطريات والجراثيم الأخرى. ومن الرياضة، تسربت طرق صناعة الحشيش الصناعي، الذي أقر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم استخدامه في الملاعب، إلى حدائق البيوت وإلى صناعة السجاد والمواد. وعرضت شركة «سوفالاند» إطاراتها الخشبية، التي توضع تحت مرتبات الأسرة، من مادة نانوية جديدة متينة وخفيفة وزودتها بأربعة محركات صغيرة غير مرئية. ويمكن التحكم بالمحركات بلمسة زر بهدف تعديل وضع الإطار أثناء الأكل أو الاضطجاع أو النوم أو مشاهدة التلفزيون (السعر 2400 يورو).

وشهد معرض 2008 اندماج المطبخ بغرفة الطعام وغرفة الاستقبال. فدخل التلفزيون إلى المطبخ وأصبح جزءا من أجهزة المطبخ، ودخل الكومبيوتر إلى الثلاجة ليخبر عن النواقص في محتوياتها، ودخلت الكراسي المريحة إلى أركان المطبخ. ومطبخ اليوم مطبخ بلا قبضات، ويمكن فتح أبوابه وأدراجه بلمسة بسيطة. تخلت الدواليب الأرضية والمعلقة عن مقاساتها السابقة وتحولت إلى دواليب عريض وواطئة تشبه أثاث غرف الطعام. هناك مقعد مخفي تحت الطباخ ليعين المتعبين في الطبخ في حالة الجلوس، مصادر الكهرباء مخفية بأناقة داخل أجساد الدواليب، والأنوار مخفية في الجدران.

إلى جانب التقنيات الجديدة تطور أيضا جناح الأثاث البيئي واحتل القاعة الرابعة بأكملها. وشهد الجناح هذا العام تحول صناعة الأثاث من خشب الزان والجوز والبلوط والساج إلى خشب الفواكه مثل خشب التوت والتين والتفاح الهندي. ودخل الكتان والقنب بقوة إلى جانب القطن والحرير الطبيعي في صناعة أغطية قطع الأثاث. والجديد في عموم المعرض هو ظهور مادة جديدة في صناعة الأثاث وهي مزيج من الخشب الطبيعي والألياف الزجاجية وتذكر بمتانة ومرونة رياضة القفز بالعصا القفز (الزانة).

وطغى اللون الأبيض على الأنسجة وقطع الأثاث رغم حساسية الأبيض للزمن والحرارة والضوء. وتعتمد صناعة الأثاث عنا على ألوان جديدة مقاومة للحرارة والرطوبة ولا تتأثر بالضوء. وكان الأزرق البراق والوردي الفاتحة مهيمنان على أثاث غرف المعيشة والمنام على التوالي، في حين شهدت المطابخ عودة إلى تدرجات البني.

وذكرت اورسولا غايسمان، من لجنة المعرض، إن الناس ما عادوا يريدون كنبة أو سرير مخصص لوظيفة واحدة، إذ لا بد أن تكون قطعة الأثاث متحركة تتحول إلى شيء آخر، وتخفي في جوفها أسرارا أخرى. ولهذا فقد تحولت الكنبة إلى كرسي وإلى سرير، وتحول الكرسي إلى كنبة وترامبولين. وعرضت شركة «ليولوكس» الألمانية كنبة دائرية على عجلات تتحول إلى مقعد بفضل «تكية» تنطوي داخل تركيب الكنبة، ويمكن للأطفال اللعب عليها كما يقفزون على النطاطة «الترامبولين». ولمحبي القيلولة خلال العمل قدمت عدة شركات كنبات للاستراحة لفترة قصيرة، بينها كنبة «ناب شيل Nap Shell» التي تشبه البيضة بشكلها. وبيضة القيلولة عدا عن تصميها الفضائي، مزودة بمحرك لتدليك العضلات، بجهاز يبث الموسيقى الهادئة ومصدر شمسي صناعي لمن يرغب بتحميص لون بشرته (السعر 7500 يورو).

وهناك كنبة ـ منضدة يضطجع عليها الإنسان للكتابة على الكومبيوتر بدلا من الجلوس عليها، ويمكن تحويلها بعد العمل إلى سرير مصنوع بأكمله من مواد مضيئة تستخدم تقنيةLCD لتوفير النوم الهادئ والأجواء الشاعرية لمن يرغب. كما عمدت شركات السجاد إلى إنتاج سجاد مضيء للقاعات المظلمة مثل السينمات وقاعات المحاضرات، مصنوع من مواد صناعية تحاكي زهرة اللوتس ولا تنتشر عليها السوائل المنسكبة ولا تثبت عليها الأوساخ، سجاد داخله قنوات لتمرير الأسلاك الكهربائية التي قد تسيء إلى أناقة الغرف، وسجاد يضمن عدم انتقال فطريات القدم من خلاله.

ودخلت ميكروسوفت عالم الأثاث بقوة في معرض 2008 من خلال عرضها لمنضدتها الإلكترونية «ميركوسوفت سرفيس تيبل». وتم عرض المنضدة من قبل عدة شركات أميركية وألمانية في المعرض، وهي عبارة عن منضدة مدمجة بشاشة رقمية تشبه مناضد الإنارة التي يستخدمها المصورون. إلا أن شاشة ميكروسوفت المنضدية عبارة عن شاشة تتفاعل باللمس ويستطيع المرء التحكم بها كما يريد، وليست مصدرا ضوئيا فقط. واستعرضت مديرة التسويق في فرع الشركة الألمانية كيفية استخدام المنضدة في أرشفة الصور الفوتوغرافية والتلاعب بألوانها وإضاءتها.

وتقول مصادر الشركة إن المنضدة ـ الشاشة صالحة لمختلف الاستعمالات، فهي تعمل كفيديو لعرض الأفلام والمعطيات ويمكن تزويدها ببرنامج معين لكل حالة. وهذا يعني أن من الممكن استخدامها في المطاعم لعرض مختلف أنواع الأطعمة والمشروبات وأسعارها، كما انه من المكن استخدامها كطاولة «روليت افتراضية» في الكازينوهات.

وبالنظر لتقدم عمر الأوروبيين وتحول مجتمعاتهم بالتدريج إلى مجتمعات مسنين، فقد كانت مخاطبة «ذوق المسنين» نزعة أخرى ظاهرة في المعرض. فالأسرة منخفضة، والكراسي مائلة للاتكاء، ومصنوعة من مواد لا تتعب الظهر وتقاوم نمو الجراثيم تحتها. وهناك تراجع عن الألوان الكلاسيكية في غرف المسنين، وهي البني والبلوط والأسود، إلى الألوان الزاهية والأبيض. وهناك ارتفاع بسيط في أسعار أثاث المسنين بحكم الحالة الجيدة التي يتمتع بها مسنو ألمانيا، الذين يفضلون استخدام التقنية وقطع الأثاث المتعددة الوظائف كي يتحرروا من مساعدة الآخرين.

وهذا ليس كل شيء، لأن معظم الشركات عرضت المناضد التي تختفي الكومبيوترات داخلها، أو أنها تنفتح إلى جزءين وتظهر الشاشة داخلها. وهناك الطاولات التي يمكن تصغيرها وتكبيرها، حسب عدد الضيوف، بلمسة زر، الأزهار الصناعية المزودة بصمامات ثنائية وتنير الغرف والحدائق بدل المصابيح، الثلاجات التي تخبر عن نقص الحليب أو البيض وورق الجدران الذي يمتص ذرات السخام من الجو الملوث.

وما زال الألمان أبطال العالم في السياحة وشراء الأثاث وتصديره. وذكرت إحصائية لدريسدن بانك أن الألمان خصصوا 63.5 مليار يورو للسياحة عام 2007، ومبلغ 370 مليارا لشراء الأثاث سنويا. ويمر قطاع صناعة الأثاث الألماني بمرحلة ازدهار بعد أن زادت صادراته إلى الخارج بنسبة 16 في المائة.