علماء ألمان يصورون في المختبر كارثة سقوط مذنب هائل على الأرض

TT

صنع العلماء الألمان من برلين «مدفع نيازك» هائل يطلق المذنبات بأحجام مختلفة على كوكب الأرض بهدف تصوير ما يحدث لو أن أحد هذه المذنبات اصطدم بالأرض. وتمت التجربة المرعبة في مختبرات جامعة فرايبورغ المعروفة بتجهيزاتها التجريبية الكبيرة. يبلغ طول «مدفع المذنبات» أكثر من 40 مترا ويتكون من اسطوانة معدنية متينة تذكر المدافع العملاقة التي بناها الدكتاتور العراقي صدام حسين في حرب تحرير الكويت. ويستطيع المدفع، الذي تم نصبه في مختبرات معهد ايرنست-فاخ في فرايبورغ (جنوب)، أن يطلق القذائف المذنبة على نموذج مصغر للكرة الأرضية، بسرعة وطاقة تعادل الدمار الذي أحدثه مذنب هائل ضرب جزية يوكوتان قبل 65 مليون سنة حسب تقدير العلماء.

وذكر الباحث توماس كينكمان، من جامعة هومبولدت البرلينية، إن تعرض الأرض لمذنب مشابه لمذنب يوكوتان مستبعد لكنه محتمل. والمهم في التجربة هو «ميكانيزم» ما يحدث بعد ارتطام المذنب بالأرض، حجم الدمار المحتمل، وفرصة البشرية بالنجاة من الكارثة.

وتثبت النتائج الأولية للتجربة أن سقوط مذنب أو نيزك قادم من الفضاء الخارجي بسرعة 20000 كم/ ساعة سيترك على الأرض فوهة بركان تعادل حجمه الأصلي 20 ـ 30 مرة. فارتطام مذنب من قطر 100 متر في الأرض سيحفر فوهة بقطر كيلومترين الى 3 كيلومترات على سطح الأرض. وتتولد من الطاقة الحركية والحرارية خلال أجزاء من الثانية «موجات صادمة»، كما تنشأ موجات الضغط الناجمة عن كسر حاجز الصوت. وتكفي هذه الطاقة، حسب الموقع الذي سيسقط عليه المذنب، لتحويل الحجر إلى كتل لاهبة ربما تتبخر.

وقدر العلماء بهذه الطريقة قطر النيزك الذي سقط على غابة تانغوساكا السيبيرية عام 1908 أن قطر النيزك لم يكن 50 مترا حسب الدراسات التقليدية، وإنما فقط 30 مترا. ومعروف أن النيزك المذكور أحرق غابة تبلغ مساحتها 2000 كم مربع وحطم وأحرق 60 مليون شجرة. ويقدر الباحثون القوة الانفجارية لنيزك تانغوسكا تعادل القوة التفجيرية لـ 10ـ 20 مليون طن من مادة «تي إن تي».

ويطلق المدفع النيزكي العملاق، تحت ضغط هائل، غازي الهيدروجين والهيليوم بتعجيل يرتفع إلى 20000 كم/ ساعة. وتطلق ذرات الغازين المعجلة الموجات الصادمة عند ارتطامها بالرمل أو الصخور، وهذه حال تختلف عن قذف حجر باليد على الرمل، فالحالة الأخيرة لا تترك فوهة بركانية ولا تطلق الموجات الصادمة. وجرب العلماء إطلاق مذنب من قطر سنتمتر واحد بواسطة المدفع، بسرعة 20 ألف كم/ ساعة على كرة شبيهة بالأرض وتوصلوا إلى انه قد ترك فوهة بقطر 20- 30 سم كل مرة. ونتجت عن الارتطام موجات صادمة «طبيعية» كما لو أن مذنبا صدم الأرض فعلا.

وفي خطوة ثانية، سيجهز العلماء كاميرات فيديو دقيقة وسريعة لتصوير النتائج عن قرب وحسابها. ويمكن لهذه الكاميرات أن تلتقط 16 صورة خلال واحد من ألف جزء من الثانية. أما الهدف النهائي فهو إنتاج «سوفت وير» يؤهلهم من تصوير النتائج بشكل تفصيلي، ومن ثم حسب نتائج الارتطام وتصويرها كما لو أن مذنبا هائلا ارتطم بالأرض. ويأمل العلماء على أساس هذا السوفت وير، تصوير وحساب النتائج الكارثية على الأرض جراء سقوط المذنبات من أحجام مختلفة على كوكب الأرض.

وسيؤهل «السوفت وير» الشركات الصناعية لمعرفة محتويات الفوهة البركانية التي سيتركها المذنب الصغير عند ارتطامه بالأرض. ويمكن التكهن بمحتويات الفوهة البركانية المأمولة من خلال تحليل مكونات المذنب في الفضاء قبل ارتطامه بالأرض. وسبق للعلماء أن حددوا وجود كميات تجارية من البلاتين والنيكل في فوهة تركها مذنب في كندا، والرصاص والزنك في فوهات أخرى في أفريقيا. وهي معادن يحملها المذنب معه وتتبلور من خلال «البوتقة» الحرارية التي يحدثها عند ارتطامه بالأرض.

وكان العلماء الأميركيون، في آخر دراسة من نوعها نشرت في مجلة «علوم»، قدروا ارتطام مذنبين كبيرين في مجموعتنا الشمسية وتحولها إلى مذنبات كبيرة وأخرى أصغر تركت فوهات بركانية على مختلف كوكب مجموعتنا الشمسية. وخلف الارتطام نيازك كبيرة لا يقل قطرها عن 10 كم، ضرب أحدها الأرض، إضافة إلى نحو 140 ألف «شظية» نيزكية قطر الواحدة منها نحو كم واحد توزعت على الأرض وبقية الكواكب. وهي الكارثة التي أدت إلى انقراض الديناصورات قبل نحو 60 مليون سنة على كوكبنا.