المرجان يحفظ تاريخ الأعاصير كما تحفظ الشرائح الإلكترونية المعلومات

مستعمرات المرجان في قيعان البحار («الشرق الأوسط»)
TT

يعرف العلماء أن التحولات المناخية الناجمة عن تلوث البيئة تلعب دورا مهما في زيادة ظاهرة الأعاصير المدمرة التي تضرب مختلف بقاع العالم، إلا أنهم عجزوا حتى الآن عن إقامة الدليل العلمي على ذلك. وترى مجموعة مشتركة من العلماء الألمان والهولنديين إمكانية دراسة الأعاصير السابقة التي ضربت البحر الكاريبي من خلال دراسة التأثيرات التي تتركها على مستعمرات المرجان في قيعان البحار.

ويمكن لنتائج الدراسة أن توفر الأسس الكافية لإقامة الدليل القاطع على علاقة التحولات المناخية بالأعاصير.

وكان علماء البيئة وجهوا أصبع الاتهام إلى التحولات المناخية، المرتبطة بظاهرة الاحتباس الحراري والتلوث، في تفسيرهم لأسباب زيادة ظاهرة الأعاصير المدمرة. وارتفعت نبرة هذه التهم عالية بعد إعصار «كاترينا» الذي ضرب نيو أورليانز في الولايات المتحدة في أغسطس (آب) 2005 وتسبب بقتل نحو 1800 شخص وتشريد الآلاف. وتركزت النقاشات حول ارتفاع درجات حرارة المياه السطحية في البحار وتغذيتها للزوابع الصغيرة بالطاقة الكافية لتدويرها في زوابع هائلة تطيح البيئة والبشر.

ويعتقد المعارضون أن الظاهرة لا يمكن أن تعزى فقط إلى الضرر الذي يلحقه البشر بالبيئة، ويعزون ظاهرة الزوابع إلى التقلبات الطبيعية التي تحدث على الأرض خلال عقود أو قرون من الزمان. وهي تقلبات لم تسنح الفرصة للعلماء لدراستها وقياسها إلا بدخول الإنسان مرحلة الطيران الحديث، أي قبل نحو 40 سنة. كما لا تتوفر إحصائيات تفصيلة عن تواريخ وقوة هذه الزوابع وكيفية نشوئها في القرون السابقة لأنها لا تترك أثرا غير الدمار الذي تخلفه. وعثر العلماء الألمان والهولنديون على طريقة لدراسة تواريخ الزوابع وقوتها وأسبابها من خلال الآثار التي تتركها على الشعب المرجانية التي تنمو تحت سطح البحر في المناطق المبتلية بالزوابع. وكتب العلماء في مجلة «جيولوجي» المعروفة أن الشعب المرجانية سجلت تفاصيل الزوابع أولا بأول خلال القرن الماضي ووفرت «أرشيفا» حيا للعلماء في دراستهم للظاهرة.

ويستخدم الباحث شتيفان هيرتزنغر وزملاؤه، من معهد لايبنتز لأبحاث البحار في مدينة كيل الألمانية (شمال)، المرجان منذ سنوات لدراسة تأثيرات التقلبات المناخية على الأحياء البحرية. وتوصل هيرتزنغر وزملاؤه من جامعة امستردام الهولندية إلى أن الشعب المرجانية من نوع «دبلوريا ستريغوسا» تحتفظ بتاريخ الزوابع في منطقة البحر الكاريبي منذ أكثر من 100 سنة. واتضح من خلال الفحوصات التي أجريت على المرجان، أن هذه الشعب ليست حساسة للتحولات الطفيفة على درجة حرارة مياه البحار فحسب، وإنما حساسة أيضا لكمية الأمطار التي تسقط في المنطقة أيضا. وتسجل الشعب المرجانية كل هذه الحقائق في بنيتها بشكل تغيرات يمكن حسابها بالسنين.

وكتب العلماء في مجلة «جيولوجي» أن نظائر الأوكسجين (ايزوتوب) في مياه البحر على علاقة مباشرة بكميات المياه التي تهطل في المنطقة. وتحتوي مادة «الأراغونيت» في هيكل المرجان من نوع «دبلوريا ستريغوسا» على مزيج مشابه لهذه النظائر الأوكسجينية. وتتولى هذه النظائر كتابة تاريخ التحولات في درجات الحرارة والأمطار بسبب حساسيتها العالية لهذه التحولات. ويمكن للعلماء، من خلال تحليل هذه التغيرات ورسمها، كتابة تاريخ الأعاصير والنشاطات الحرارية والمطرية المسببة لها في منطقة الكاريبي خلال قرن كامل. وذكر مجيب لطيف، أحد العلماء المشاركين في البحث، أن المعطيات المسجل على هياكل المرجان تكشف عدد وقوة الأعاصير التي أصابت المنطقة. وأكد لطيف أن العلاقة التي يكشفها المرجان بين التقلبات الحرارية وكميات الأمطار التي هطلت لا تدع مجالا للشك بدور البشر في زيادة ظاهرة الزوابع الكبيرة. وسجل المرجان حدوث الزوابع خلال قرن من الزمان بالترافق مع التحولات التاريخية البارزة المتعلقة بالتطور الصناعي. ويعرف فريق العلماء بأن المرجان يكشف تواريخ الأعاصير وقوتها وعلاقتها بالتحولات المناخية، إلا أنه لا يؤشر على حجم دور البشر في العملية. وأكد لطيف التغيرات الطبيعية تأتي في المرتبة الأولى يليها الضرر الذي يلحقه البشر بالبيئة. وربما تكشف الأبحاث الأخرى، على أنواع المرجان التي تعيش لأكثر من 100 عام، عن دور التحولات المناخية في القرون السابقة أيضا.

وأضاف لطيف أن فريق العلماء الألماني الهولندي كشف عن دور المرجان في حفظ تواريخ وقوة الزوابع التي ضربت الكاريبي في السابق. ويقع على الباحثين أن يجروا فحوصاتهم على أنواع المرجان الأخرى بغية التوصل إلى حل لغز الأعاصير بشكل كامل.