«خان موريتشا» أقدم وأشهر معالم البلقان.. شاهد على 4 عهود

العثمانيون بنوه والنمساويون أحرقوه واليوغوسلافيون صادروه والبوشناق أحيوه

مدخل موريتشا هان «الشرق الاوسط»
TT

«خان موريتشا» أو «موريتشا هان»، كما يطلق عليه باللغة البوسنية، من أقدم وأشهر المعالم في البلقان، على الاطلاق، فهو شاهد على 4 عهود، هي العهد العثماني 1463 / 1878، والحقبة النمسوهنغارية 1878 / 1919، والحقبة اليوغوسلافية 1919 /1990، ثم العصر الحديث الذي بدأ باستقلال البوسنة سنة 1992، حيث سبقت ذلك فترة انتقالية لم تكن فيها البوسنة جزءا من يوغوسلافيا عمليا، ولا هي دولة مستقلة فعليا حتى تم الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة قبل 15 عاما. في الصيف تمتلأ ساحة موريتشا هان، وكثيرا ما يأتي الزبائن فلا يجدون لهم مكانا، وكثيرا ما يبقى الكثير منهم واقفا في انتظار خلو مقعد أو طاولة ليتمتع بقسط من الوقت في هذا المكان الجميل والرائع بهدوئه ونوعية زبائنه. فهنا لا يخشى أحد خدش شعوره أو حيائه إذا كان في صحبة أهله وأبنائه وبناته أو والديه، بسبب تصرفات طائشة، فالجميع هنا ملتزم بآداب لا يمكن تجاوزها. خاصية أخرى يتمتع بها موريتشا هان، وهي الجو العام، حيث تتمتع جدران المكان بخاصية لا نظير له في البناء الحديث، تجعل من المكان باردا صيفا ودافئا شتاء. وهذه الخاصية جعلت منه أثناء الحرب في البوسنة مكانا استراتيجيا، واتخذته القيادة العسكرية مقرا من مقراتها، وحولت بعض غرفه إلى مبيت للجنود الذين كانوا يتناوبون على حماية المدينة. وقال مدير المطعم نرمين سكوبلياك لـ«الشرق الاوسط »: «المكان مر عليه 500 عام تقريبا وشهد عهودا وحقبا كثيرة، ومر عليه آلاف الناس». وتابع «كون المكان قديما من حيث زمن بنائه لا يعني أن كل ما فيه قديم، صحيح نحن نقدم الاكلات الشعبية التي يحبها الناس من السياح والسكان المحليين، ولكن بأعلى مقاييس الخدمات، ثم ان الستائر والطاولات وكل ما يلزم الديكور تتناسب مع عصرنا ولوازم الضيافة في المطاعم الراقية». وكلام مدير المطعم لم يكن اعتباطا أو جزافا، فهنا لا تسمع صياحا لنادل ولا ترى قطعة من قماش على كتفه لطرد الذباب ومسح الطاولات، فكل شيء نظيف، وإذا استدعى الامر تدخلا ما يتم في هدوء وفي وقته، من دون علامات مسجلة. وقال الشاب علم الدين زوكيتش (سنة رابعة كلية الفلسفة) لـ«الشرق الاوسط»، إنه يأتي باستمرار إلى مجمع موريتشا هان، لأنه يشعر فيه بالراحة والانسجام أكثر من أي مكان آخر «أشعر بالراحة، فهنا ألتقي بأصدقائي لقضاء وقت ممتع في هدوء، بعيدا عن الضوضاء». اما أحمد سكوبلياك، وهو من خريجي كلية الدراسات الاسلامية في سراييفو هذا العام، فقال «هنا التاريخ بمعنى التواصل الذي هو ضد الانقطاع، وليس الجمود كما يفهمه من لا يقدرون التراث، ولا يفهمون الصيرورة التاريخية». أما ياسمين نوركيتش (سنة رابعة علوم سياسية) فقد أشار الى أن «المكان جميل وتراثي بروح عصرية، وهنا يجد المرء ما يريده في ساعة فراغه»، وأشار إلى أن «الأكل هنا حلال، فلا يوجد لحم الخنزير ولا يباع الخمر في هذا المكان، وهذا ما يريده الانسان السوي». ويضيف إدفين، وهو بوشناقي نزح مع عائلته من كوسوفو إلى البوسنة، ثم انتقل لألمانيا لدراسة الطب، «جميع من عرفوا موريتشا هان من المغتربين والسياح وغيرهم، يعودون إليه عندما يأتون للبوسنة، ففيه سر، ربما لعلاقته بالتاريخ الاسلامي في هذه المنطقة، وربما لتقديمه أكلا صحيا، وهو الاكل الحلال، وربما للهدوء وعدم وجود خمر، وربما بسبب كل ذلك جميعا». ومركِّب «موريتشا هان»، كان ولا يزال من الأوقاف الاسلامية التي مثلت على مدى العصور ركنا أساسيا للخدمات الاجتماعية الموازية والمساعدة في نفس الوقت لجهود الدولة على الوفاء بالتزاماتها المحلية والاممية. وهي من مؤسسات المجتمع المدني التي سبقت التعريفات والاشكال التنظيمية المعاصرة لذلك، منذ ما يزيد عن 14 قرنا. فقد كان مجمع موريتشا خان، في العهد العثماني، يضم مطعما خاصا بالفقراء، يتناولون الطعام فيه مجانا على مدار العام، وكانوا من جميع الممل والنحل، من دون تمييز طائفي أو ديني. كما كان إلى جانب ذلك مأوى للمسافرين الذين كان لهم الحق في الأكل والنوم مجانا لمدة 3 أيام، وهي مدة الضيافة الاسلامية في العهود الزاهرة لهذه الحضارة والثقافة الانسانية الفريدة من نوعها في التاريخ. لكن الخان تعرض للحرق من جملة ما قام النمساويون بحرقه أثناء غاراتهم على البوسنة، وقبل معاهدة برلين سنة 1878، التي تم بموجبها تنازل الدولة العثمانية للنمسا وهنغاريا عن البوسنة. وكانت عمليات الحرق متعمدة لطمس أي أثر ايجابي للعثمانيين، يمكن أن يتذكرهم به الناس في البلقان، لاسيما البوسنة. وكانت عملية الحرق قد تمت سنة 1870. وقد تمكن الأهالي من إعادة بناء الخان كما كان، وظل يحمل اسم عائلة مصطفى موريتشا، الذي كان وزيرا ثم قاضيا في سراييفو أثناء العهد العثماني. ومن الأكلات لتي يحبها السياح والمحليون أنواع من الشوربة، وهي بيغوفا وفيشي غرادتسكا تشوربا (باللغة المحلية) وتاليتشا تشوربة، وبورا زا كيماك، وهي تشبه العصيدة بالزبدة، وحاجيسكي وسيتني تشاباب، والأولى أفضلها شخصيا لطعمها اللذيذ وتعني شوربة الحاج، وساغان دولمو، وهي نوع من المعجنات المحلية، وصارما وتشبه بعض الاكلات المشرقية، وهي خليط من الارز واللحم المفروم في ورق العنب أو الملفوف، وبوسانسكي لوناتس، وهي خليط من اللحم و الخضر.