جرافات الجيش الأميركي تهدد مسقط رأس أبي الأنبياء

تدمير مدينة أور الأثرية في العراق يثير ذهول علماء الآثار

علماء آثار يعملون في منطقة أور (أ.ب)
TT

لم يعد اسم مدينة أور، التي تغطيها رمال الصحراء جنوب العراق، يعني هذه الأيام لوزير السياحة والآثار العراقي محمد عباس العريبي أنها مسقط رأس أبي الأنبياء، إبراهيم عليه السلام، فحسب بل يعني أيضا أنها تتعرض حاليا للتهديد جراء الأنشطة الحالية لقوات الجيش الأميركي.

ونقلت صحيفة «المدى» العراقية عن العريبي قوله هذا الأسبوع، مشيرا للأنشطة الأميركية في المدينة الأثرية «إن إنشاء معسكرات في هذه المواقع يعني إقامة سواتر وحفر خنادق وجرف الأرض وإدخال آليات عسكرية ثقيلة، إضافة إلى وجود غير مشروع لقوات عسكرية في مواقع أثرية، وكل الذي ذكرناه يؤثر بشكل مباشر على تلك المواقع، وقد وجهنا عدة نداءات لإخلائها من القوات العسكرية وعدم الاقتراب منها وملاحظة ذلك عند القيام بالعمليات العسكرية ولدينا تعاون مع أجهزة وزارتي الدفاع والداخلية في هذا المجال في رفع التجاوزات التي قد تحصل هنا وهناك من قبل إحدى القطعات العسكرية». وأشار الوزير العراقي إلى أن هذه النداءات لم تجد آذانا صاغية لدى القوات الأميركية.

كما أصابت الصور المأخوذة بالأقمار الصناعية لمدينة أوروك القريبة من أور عالمة الآثار الألمانية، مارغريته فان اس، بالذهول والتي كانت تجري أبحاثا في منطقة المدينة الأثرية قبيل الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بتكليف من معهد الآثار الألماني.

وتقول عالمة الاثار الالمانية لوكالة الأنباء الألمانية إن «هذه الصور تبين أن الربوة التي شيدت عليها مدينة أور تضررت كثيرا بسبب إنشاء قاعدة «طليل» الجوية الأميركية بالقرب من مدينة الناصرية جنوب العراق. وعبرت الخبيرة الألمانية عن استيائها الشديد بالقول: «لقد أزالت الحفارات حيا بأكمله من الجزء الجنوبي الشرقي للمدينة».

ولم تكن حسرة واستياء خبير الآثار البريطاني جون كورتيس المعني برعاية مجموعة آثار الشرق الأدنى في المتحف البريطاني، أقل من زميلته الألمانية. فعندما سافر كورتيس إلى جنوب العراق قبل نحو عام وجد أن الجيش الأميركي أقام مبنى بكل ملحقاته من أسلاك ومواسير تحت الأرض في قاعدة طليل الجوية التي أصبح الجيش يطلق عليها اسم «معسكر أدير» وذلك في إحدى مناطق مدينة أور التي لم يشملها التنقيب العلمي من قبل خبراء الآثار.

وقال علماء الاثار إن الوضع الحالي في أور، التي عثر فيها من قبل على مقابر قديمة تعود للألفية الثالثة قبل الميلاد وعثر في غرف بعض هذه المقابر على خوذات ذهبية وآلات موسيقية وغيرها من التحف الثمينة التي كانت تدفن مع الموتى، يذكرهم بالموقف في مدينة بابل الأثرية قبل خمسة أعوام عندما ظل علماء الآثار من أنحاء مختلفة من العالم يحتجون على هدم أطلال المدينة من قبل القوات الأميركية والبولندية حتى رضخت هذه القوات ورحلت عن هذه المدينة التي كانت عاصمة الملك نبوخذ نصر، ملك بابل. ولا تقابل القوات الأميركية في العراق بارتياح من قبل علماء الآثار الذين لا يكنون لها الكثير من التقدير. ومع ذلك فإن بعض قادة الجيش الأميركي في العراق بدأوا يدركون أن الآثار البابلية والسومرية والآشورية هناك جزء من تاريخ البشرية وتراثها تجب حمايته حيث وزع بعض الجنرالات الأميركيين العام الماضي أوراق لعب على ظهرها صور لأماكن أثرية مهمة في العراق.

وتحمل إحدى هذه الأوراق (ورقة الكومي) صورة لـ«طاق كسرى» أو إيوان كسرى، الذي يعتبر أكبر قوس أو منحنى في العالم بني بالطوب بدون دعامات أو تسليح. وكتبت على هذه الصورة عبارة: «لقد اجتاز هذا الأثر 17 قرنا من الزمان، فهل سينجو منك أنت أيضا؟». كما ينتاب علماء الآثار قلق بشأن الخطر الذي تتعرض له الآثار الإسلامية القديمة في عاصمة الخلافة العباسية، مدينة سامراء، شمال العراق، والتي ضمتها اليونسكو العام الماضي إلى قائمة التراث الثقافي العالمي المعرض للخطر.

وحذرت اليونسكو من أن السلطات العراقية ليست قادرة على حماية أطلال المدينة الأثرية التي تعود إلى القرن التاسع.

كما انتقد خبراء آخرون من جامعة السوربون بباريس إقامة ثكنة كبيرة لقوات الشرطة بالقرب من مئذنة مسجد «الخليفة المتوكل» ذات السلم الحلزوني والتي يزيد ارتفاعها عن 50 مترا والتي تعد رمزا لمدينة سامراء وعنوانا لها. ويرى هؤلاء أن هذه الثكنة أقيمت إلى جانب أطلال قصر «سور عيسى» مباشرة والذي يعتقد أنه شيد في عام 852.

ولم يكن حديث وزير الآثار العراقي، محمد العريبي، عن القطع الأثرية التي سرقت من المتحف الوطني العراقي، أسعد من حديثه عن آثار المدن العراقية: أور وبابل وسامراء، حيث يقول الوزير إن أربعة آلاف قطعة آثرية فقط هي التي أعيدت للمتحف من إجمالي 15 ألف قطعة تم نهبها إبان الغزو الأميركي للعراق في ربيع عام 2003.

وقالت خبيرة الآثار الألمانية فان اس إن القطع التي أعيدت معظمها من قسم الآثار القديمة بالمتحف والذي كان نهبه من قبل اللصوص سهلا نسبيا مقارنة بالقسم الحديث الذي كان مؤمنا بشكل أفضل والذي يبدو أن عصابة جيدة التنظيم استطاعت سرقة مقتنياته التي مازال معظمها مختفيا حتى الآن.