ارتفاع نسب التضخم يتسبب في إحداث القلاقل في الشرق الأوسط

من زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية إلى القيود النقدية على العملات

ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية ابرز مشاكل التضخم
TT

حتى وإن كان يثري البعض فإن الازدهار في اسعار النفط أخيرا يساعد على التحفيز على ارتفاع استثنائي في كلفة الأغذية والسلع الأساسية التي تضغط على الطبقة الوسطى في هذه المنطقة وتؤدي الى الاضرابات والمظاهرات وأعمال الشغب أحيانا من المغرب حتى الخليج.

وفي الأردن أرغمت كلفة الحفاظ على إعانات الوقود، وسط تصاعد الأسعار، الحكومة على إلغاء كل الاعانات تقريبا في الشهر الحالي ما رفع اسعار بعض الوقود بنسبة 76 في المائة. ونتيجة لذلك تضاعف سعر سلع اساسية مثل البيض والبطاطا والخيار.

وفي المملكة العربية السعودية، حيث كان التضخم صفرا من الناحية الفعلية لفترة عقد من الزمن، وصل أخيرا الى مستوى رسمي تبلغ نسبته 6.5 في المائة.

وللتضخم أسباب كثيرة تمتد من زيادة الطلب العالمي على السلع الى القيود النقدية على العملات بالمقارنة مع الدولار الأميركي الضعيف. ولكن أحد الأسباب يتمثل في الارتفاع الكبير في سعر النفط نفسه، الذي زاد أربعة أمثال منذ عام 2002. وهذا يساعد على دفع كثير من الناس العاديين الى الفقر على الرغم من أنه يحفز على صعود جديد في النمو الاقتصادي في منطقة الخليج. وقال عبد الرحمن عبد الرحيم، الذي يعمل في محل للملابس بسوق تجاري بعمان، وكان يحلم ذات يوم بإرسال اطفاله الى مدرسة خاصة «يتعين علينا في الوقت الحالي ان نختار: إما أن نأكل أو نتدفأ. لا يمكننا فعل الاثنين. لم نعد من المنتسبين الى الطبقة الوسطى. نحن في مستوى الفقر». وحاولت بعض الحكومات التخفيف من تأثير الأسعار المرتفعة بزيادة الأجور او اعانات الأغذية. فقد رفع الأردن، على سبيل المثال، أجور العاملين في القطاع العام ممن يحصلون على اقل من 300 دينار (423 دولارا) شهريا بخمسين دينارا. أما من يحصلون على ما يزيد على 300 دينار فقد كانت الزيادة 45 دينارا. ولكن ذلك يعوض فقط جزءا من زيادة الأسعار ولم يحصل معظم من يعملون في القطاع الخاص على مثل هذا الدعم. ويقول بعض المحللين ان حقيقة تزامن التضخم مع الثروة النفطية الجديدة غذت قضايا الفساد والجور الاقتصادي.

وقال محمد المصري، مدير استطلاعات الرأي العام في مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة الأردن، إن «حوالي ثلثي الأردنيين يعتقدون، في الوقت الحالي، ان هناك فسادا واسع الانتشار في القطاعين العام والخاص. والطبقة الوسطى أقل قدرة على الحصول على ما اعتادت عليه وأكثر تشككا بالأوضاع». وفي عدد من الأماكن أدت زيادة الأسعار الى العنف. ففي اليمن تضاعفت أسعار الخبز والأغذية الأخرى خلال الأشهر الأربعة الماضية ما أدى الى سلسلة من المظاهرات وأعمال الشغب قتل فيها ما لا يقل عن 12 شخصا. وفي المغرب سجن 34 شخصا يوم الأربعاء الماضي بسبب مشاركتهم في أعمال شغب مرتبطة بأسعار الأغذية. ويعتبر التضخم أيضا عاملا في بعض الصدامات التي جرت أخيرا والتي ينظر اليها باعتبارها سياسية أو طائفية. فقد بدأت مجابهة بين أفراد من الجيش اللبناني وجماعة من المحتجين الشيعة أودت بحياة سبعة أشخاص بمظاهرات ضد قطع الطاقة الكهربائية وارتفاع اسعار الخبز. وفي البحرين والامارات العربية المتحدة يرتفع التضخم بصورة كبيرة، وقام العاملون الأجانب، الذين يشكلون الغالبية الساحقة في قوة العمل، بإضراب في الأشهر الأخيرة بسبب انخفاض القوة الشرائية للأموال التي يرسلونها الى بلدانهم. وقد أدى الاعتماد الواسع للشرق الأوسط على صادرات الأغذية الى جعله عرضة بشكل خاص الى الارتفاع العالمي في أسعار السلع خلال العام الماضي، وفقا لما قاله جورج عبد، الرئيس السابق للهيئة النقدية الفلسطينية ومدير معهد التمويل الدولي، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له.

وقال سامر طويل، الوزير السابق للاقتصاد الوطني في الأردن: «للكثير من المنتجات الأولية نحن لا نمتلك اسعارا وفق السوق الحرة، نحن عندنا أسعار الاحتكار. فالزيت والاسمنت والرز واللحم والسكر مستوردة كلها بشكل خاص من قبل مستورد واحد لكل مادة. والفساد شيء حينما يكون متعلقا بفتح طريق لكنه حينما يؤثر على قوتي فإنه شيء مختلف».

وفي بلدان الخليج المنتجة للنفط تستطيع الحكومات أن تخفف من آثار التضخم من خلال الإنفاق بشكل أكبر. فالإمارات العربية المتحدة زادت من رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 70 في المائة هذا الشهر؛ وعمان رفعت الرواتب بنسبة 43 في المائة. والسعودية رفعت من الرواتب وزادت من نسبة الإعانات المقدمة لبعض المواد الغذائية. أما البحرين فوضعت 100 مليون دولار لتوزيعها هذه السنة على الأفراد الأكثر تضررا بسبب ارتفاع الأسعار. لكن كل هذه الحكومات تتسبب في زيادة التضخم من خلال زيادة إنفاقها، حسبما يقول بعض الاقتصاديين. أما الدول التي تمتلك نفطا أقل من أن تبيعه فلا تمتلك نفس الخيارات.

ففي سوريا حيث يتلاشى إنتاج النفط ارتفعت الأسعار بشكل عال، وعلى الرغم من ان الحكومة بدأت بتحويل اقتصادها ذي التوجه الاشتراكي إلى اقتصاد اكثر ليبرالية فإنها ظلت تؤجل الخطط لإنهاء الإعانات المقدمة على بعض السلع كي تبقي الأسعار أقل مما هي عليه للمواطنين خوفا من وقوع ردود فعل محلية. مع ذلك فإن التضخم خلال الأشهر الأخيرة ألحق أذى كبيرا على الجميع باستثناء الأغنياء.

فموظف مثل ذو الفقار حماد، الذي يعمل في مكتب العقود التابع لشركة النفط الحكومية، يحصل على 15 ألف ليرة شهريا، أي ما يعادل 293 دولارا، وهذا أكثر بضعفين من المعدل العام للأجور على المستوى الوطني. وكان راتبه في السابق أكثر من كاف وحتى فترة قصيرة كان يبعث بنصف راتبه الشهري إلى والديه.

لكن مع ارتفاع الاسعار تغير كل شيء، حسبما قال، فهو الآن أخذ وظيفة أخرى يدرس العربية في عطل نهاية الأسبوع لمساعدة زوجته وطفله. وهو غير قادر على شراء سيارة ويضطر إلى أخذ الحافلات العامة إلى خارج دمشق للعمل. قال حماد: «علي أن أعيش من يوم إلى آخر. أنا لا استطيع تغطية كل شيء نحتاجه، فإذا مرض طفلي سأنفق الكثير مما أمتلك على الأدوية».

في الوقت نفسه نمت طبقة جديدة في سوريا من أصحاب المشاريع وأغلبهم تجمعهم علاقة ما بالحكومة، حيث تمكنوا من بناء قصور مبهرجة ومطاعم ومقاه فاخرة في العاصمة السورية. وهذا ما ساعد على تعميق القناعة بسيادة الفساد وغياب العدالة حسبما قال بعض المحللين. ونشرت صحيفة «الثورة» الرسمية الأربعاء الماضي استطلاعا وجدت فيه أن من مجموع 452 شخصا سوريا هناك 450 منهم يرون أن مؤسسات الدولة غارقة في الفساد.

وقال مروان القبلان، استاذ العلوم السياسية في جامعة دمشق، إن «الكثير من الناس مقتنعون بأن أغلب سياسات الحكومة الاقتصادية هي من أجل خدمة مصالح الطبقة الارستقراطية الجديدة بينما تهمل مصالح الفقراء والطبقة الوسطى».

*خدمة «نيويورك تايمز»