الفقر يذكي تجارة الأطفال في اليمن

تديرها عصابات تقوم بتجنيد الفتية مباشرة من خلال أسرهم أو من الشوارع

التسول والبيع عند اشارات المرور أحد أشكال استغلال الأطفال في اليمن (رويترز)
TT

علي عبده فتى نحيل عمره 14 عاما يريد فقط العودة الى الوطن لعائلته في جبال اليمن. كان حلمه هو جمع نقود في السعودية، لكن هذا الحلم تبدد على سرير في مستشفى. قال «في البداية عملت راعيا للماعز، ثم في غسيل السيارات لمدة ثلاثة اشهر، ثم صدمتني سيارة وأمضيت 29 يوما في المستشفى». واضاف «وبعد ذلك سلمت نفسي حتى أتمكن من العودة» بحسب رويترز.

وعبده واحد من آلاف الاطفال معظمهم من الفتية، الذين يقول مسؤولو الامم المتحدة انه تم الاتجار بهم من قرى فقيرة باليمن الى دول خليجية للعمل بطريقة غير مشروعة، شحاذين أو استخدامهم في امتطاء الابل في سباقات الهجن والعمل في الخدمة بالمنازل او عمال.

وهذا النشاط المظلم الذي يتم عبر الحدود تديره عصابات تقوم بتجنيد الفتية مباشرة من خلال أسرهم أو من شوارع المدن اليمنية. وقال عبده الجبادي ممثل اليمن لدى صندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة «انه نشاط سري». واضاف «من الصعب السيطرة عليه، لان هناك تعقيدات كثيرة سواء على مستوى المجتمع أو مستوى السلطات».

وبسبب الفقر والجشع فإن هذه التجارة تعرض الأطفال لمخاطر العنف والانتهاكات الجنسية والاستغلال. ويقول صندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة انه في انحاء العالم يوجد نحو 1.2 مليون طفل يتم الاتجار بهم سنويا.

وقال عبده وهو من المحويت، وهي منطقة وعرة شمال غرب العاصمة اليمنية، وتبعد نحو 100 كيلومتر من الحدود «ذهبت الى السعودية مع صديق. وقطعنا كل الطريق سيرا على الاقدام».

وروى قصته المثيرة للحيرة في فناء مركز حماية وإعادة تأهيل الاطفال في صنعاء. واستقبلت المؤسسة التي تديرها الحكومة أول مجموعة من 12 فتى قبل بضعة ايام فقط. وجميعهم يبدو الذهول على وجوههم. ويقول العاملون بالمركز ان بعض الاطفال تعرضوا للاذى. كان الجو السائد محرجا ورسميا ولم تكن هناك علامات تذكر على وجود نشاط له هدف للاطفال الذين تم نقلهم من مركز استقبال أكبر في حرض قرب الحدود السعودية.

وقال عبد الله ثابت مدير المركز «سنتولى رعايتهم، ونحن نحاول البحث عن عائلاتهم». ويقول صندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة الذي يدعم مراكز صنعاء وحرض، ان التجار ينقلون عدة الاف من الاطفال سنويا وربما أكثر من ذلك من اليمن. ويزمع الصندوق اجراء مسح لمعرفة الاعداد الدقيقة.

وقال الجبادي «انها ظاهرة خطيرة في المحافظات المحرومة النائية، حيث لا توجد فرص تذكر للعمل، وحتى الزراعة تتدهور بسبب نقص المياه». وقال ان العائلات التي يصيبها اليأس، والتي تتألف من عدد كبير يتعين اطعامه ربما تقدم ابنا الى التجار مع وعد بالحصول على ايراد في المستقبل. وفي المجتمع اليمني على أي حال يتوقع من الفتية ان يتحملوا المسؤولية في سن مبكرة.

وقال الجبادي «العواقب الوخيمة على الاطفال هي عندما يواجهون شكلا مروعا من الاستغلال». واضاف «انهم يعملون كشحاذين أو في المزارع في أحوال مؤلمة».

واهتز صوت عبده وهو يتذكر الايام المتعبة وهو يغسل السيارات مع بعض الشبان الاكبر سنا. وقال انه كان ينام بمفرده في غرفة قريبة ويحصل على 500 ريال (133 دولارا) شهريا.

وعندما سئل ان كان شعر بالوحدة رد الفتى بقوله «انني لا اعرف. اعتدت ان انتهي من عملي وان انام ثم اذهب للعمل مرة اخرى». وتمكن عبده من توفير 1500 ريال ليجلبها الى اسرته قبل ان يدهسه سائق دفع تكاليف اقامته في المستشفى الى ان تشفى ساقه. وقال «انني اتمنى ان اعود للمدرسة وان اتعلم شيئا. واتمنى ان يكون لدي متجر بالقرب من منزلي. سوف أعمل أي شيء واقوم بأي عمل بشرط ان يكون حلالا».

وعندما حاول صندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة تنبيه حكومات اليمن والسعودية ودول اخرى الى مشكلة الاتجار في الاطفال منذ عشر سنوات قال الجبادي ان الرد المشترك هو النفي لاسباب منها ان هذه الممارسات تتعارض مع تعاليم الاسلام لحماية الاطفال.

وقال «الحقيقة مختلفة تماما». واضاف «استغرق الأمر بعض الوقت في اليمن وفي المنطقة للاعتراف بهذه الحقيقة».

وتقول المنظمة الدولية للهجرة التي دربت العاملين اليمنيين في مركزي الاطفال الذين تم الاتجار بهم، ان مواقف الحكومة تتغير ببطء. وقال ستيفانو تاماجنيني ممثل المنظمة الدولية للهجرة «منذ عامين لم يكن بإمكاننا مجرد الحديث بشأن هذه المشكلة رسميا». واضاف «والان بدأوا يتقبلون كلمة الاتجار». وسواء أقروا بذلك أم لا فان تدفق الصغار على السعودية مستمر، ويزيد خلال شهر رمضان واثناء موسم الحج، عندما يتوقع الشحاذون الحصول على تبرعات سخية عن المعتاد.

وتقوم السلطات السعودية بإعادة الاطفال عبر الحدود عندما يتم ضبطهم وان كان صندوق رعاية الطفولة يروج لحوار يمني سعودي يهدف الى انتهاج رد منسق. وقام بعض الفتية في المركز في صنعاء بعدة رحلات الى المملكة.

بينما تم اعتراض اخرين عند الحدود. وقال خالد علي البالغ من العمر 18 عاما «ذهبت الى جدة ثلاث مرات مع ابن عمي ومجموعته».

وقال «اعتدت على رعي الماعز في الصباح وحتى الحادية عشرة، ثم العمل في المزرعة حتى المساء. لم يكن الامر سهلا.. انني لا اريد ان اعود الى هناك مرة اخرى».

وقال المتحدث باسم صندوق رعاية الطفولة نسيم الرحمن، ان هؤلاء الاطفال ضحايا الفقر الذي يقوض نسيج المجتمع اليمني، حيث يفوق النمو السكاني الموارد. والآباء لا يدركون في الغالب ما الذي ينتظر أطفالهم في السعودية أو في شوارع المدينة. وقال «هؤلاء الاطفال لديهم إمكانات مذهلة وقدرة على البقاء رغم الروايات المروعة». واضاف «اننا نعمل مع الأسر لاقناعهم بعدم دفع اطفالهم نحو الظلام».