أسعار تنافسية بين شركات بيولوجية لتقديم خريطة الجينات البشرية للأثرياء

دان ستويسيسكو أول مليونير يشتري التسلسل الكامل لـ«الجينوم» الخاص به

سباق محموم بين الشركات البيولوجية لتقديم خرائط جينية للأثرياء
TT

في يوم بارد من ايام شهر يناير (كانون الثاني) الماضي اصبح دان ستويسيسكو، وهو مليونير يعيش في سويسرا، الشخص الأول في العالم الذي يشتري التسلسل الكامل لخارطته الجينية. كما انه من ضمن مجموعة محدودة نسبيا من الاشخاص الذين يمكنهم دفع مبلغ 350 الف دولار ثمنا للخارطة.

وستويسيسكو هو اول زبون لـ «KNOME» وهي شركة مقرها كامبريدج تعهدت بتحليل كامل لجينته بحلول الربيع. وقد وقع مدير تنفيذي صيني عقدا لنفس الخدمة مع الشركة الشريكة لنومي وهو «بكين جنوميكس انستيتيوت».

وكان العلماء قد كشفوا حتى الان عن عدد محدود من الخارطة الجينية (الجينوم)، كلها بتمويل من الحكومات والمؤسسات والشركات باسم البحث العلمي. ولكن مع انخفاض تكلفة التسلسل الجيني، فإنه اصبح يثير اهتمام مجموعة جديدة من الزبائن.

وقال ستويسيسكو، البالغ من العمر 56 سنة وهو رجل اعمال في مجال البيوتكنولوجي «افضل انفاق اموالي على الجينوم الخاص بي اكثر من انفاقه على طائرة او سيارة بنتلي». واضاف انه سيتابع الاكتشافات في مجال الامراض الجينية ضد تسلسله الجيني يوميا. «مثل متابعة حافظتك من الاسهم».

ولكن بالرغم من ان المال يمكنه شراء النص الكامل لـ 6 مليارات وحدة كيماوية في جنوم فردي، فإن علماء البيولوجي يقولون ان على الاثرياء الانتظار مثل أي شخص آخر لمعرفة كيف تؤثر التنوعات الصغيرة في التسلسل الجيني على المظهر والسلوك والقدرة والامراض وغيرها من الاشياء.

وقال الدكتور جيمس واتسون المكتشف المشارك لبنية الحمض النووي «لقد كنت جالسا في سيارة بنتلي تخص احد الاشخاص ـ سيارة لطيفة. هل افضل تحديد الخارطة الجنية الخاصة بي او الحصول على سيارة بنتلي؟».

وقال واتسون انه ربما اختار الجينوم، لأنه يمكنه اكتشاف مخاطر المرض الذي نقله الى اطفاله. واوضح ان المطلوب هو «جينوم شفروليه» يمكن للجميع الحصول عليه.

ولدى البيولوجيين مشاعر مختلطة بشأن ظهور الجينوم كشيء من الترف. ويشعر البعض بالقلق من أن ما وصفوه بـ«النخبوية الجينومية» يمكن أن تثير الجمهور حول الأبحاث الجينية التي وعدت بما هو أفضل منذ زمن بعيد وبتوفير الرعاية الصحية لكل فرد. ولكن آخرين ينظرون الى الجينوم كشيء يشبه رحلة الى الفضاء بكلفة 20 مليون دولار، وهي من الطقوس الضرورية للطريق الى التكنولوجيا التي قد تكون قريبا في متناول الآخرين.

وقال ريتشارد غيبس، مدير مركز متابعة الجينوم البشري في كلية بايلور الطبية «نحن لا نريد بالتأكيد عالما حيث هناك الكثير من اللاتوازن في الوصول الى الاختبارات الجينية الشاملة. ولكن الى الحد الذي يمكن رؤية هذا كممارسة غريبة لأفراد فضوليين يمكن أن يوفروا تكاليفها فانها يمكن أن تكون ظاهرة ايجابية».

انه تيار من العروض التي يمكن أن يقدمها افراد اثرياء لدفع تكاليف مختبر هارفارد لمتابعة الجينوم الشخصي الذي ادى بالدكتور جورج تشيرتش الى المشاركة في تأسيس «نومي» العام الماضي. وقال الدكتور تشيرتش «كان ذلك معيقا لمختبر أكاديمي. ولكنه جعلني اشعر بأنه يمكن ان يكون مشروعا».

ويقول علماء انهم بحاجة الى جعل عشرات الآلاف من تسلسل الجينوم متيسرة علنا من أجل البدء للاستفادة من التنوع البشري.

غير ان «نومي» تتوقع ان يؤكد كثير من زبائنها على ابقاء خرائطهم الجينية سرية، ويقدمون نظام خزن للمعطيات غير ممركز لذلك الغرض.

وقال ستويسيسكو انه يشعر بالقلق حول رؤيته كشخص منغمس بقضاياه الذاتية «على الرغم من انه يتبرع بما هو أكثر سنويا للمؤسسات الخيرية» أو أناني «لأسباب واضحة» او أحمق «تكاليف التكنولوجيا تنخفض سريعا كما يعلم بحيث انه كان بوسعه أن يدفع بالتأكيد ما هو اقل بكثير من خلال الانتظار لأشهر قليلة».

ولكنه وافق على تشخيصه للمساعدة في اقناع الآخرين بالمشاركة. وبوجود اربع سلاسل كاملة من الجينوم البشري معلنة من جانب العلماء في مختلف انحاء العالم، سوية مع «مشروع الجينوم البشري» الذي انتهى من تجميع الجينوم المأخوذ من عدد من الأفراد بكلفة حوالي 300 مليون دولار عام 2003، فان كل واحد يضيف شيئا الى المعرفة الجمعية.

وقال «أصور ذلك كنوع من الرعاية. وبطريقة ما يمكنك أيضا أن تكون جزءا من هذه المغامرة، التي أعتقد انها ستغير الكثير من الأمور».

وكان ستويسيسكو، الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الكيمياء الطبية، في رومانيا وعاش في الولايات المتحدة أوائل التسعينات قبل تأسيس سيندان، وهي شركة منتجات لعلم الأورام أدارها لمدة 15 سنة. ويعيش الآن مع زوجته وابنه البالغ 12 عاما في قرية خارج جنيف، ويقول انه يعتقد ان الحياة يمكن أن تمتد عبر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وكذلك التغذية والتكيف لأسلوب الحياة. تسلسل الجينوم الخاص به، كما يقول، ربما يعطيه مؤشرا افضل على ما يجب ان يكون عليه الوضع. دفع ستوسيسكو خريف العام الماضي 1000 دولار لإلقاء نظرة سريعة على كوده الجيني من deCODE Genetics. هذه الخدمة، وخدمة اخرى مماثلة تقدمها 23andMe، تنظر الى قرابة مليون نوكيلوتايد في الجينوم البشري حيث يختلف الـ«دي ان أي» بين الناس. إلا ان ما أثر ستويسيسكو هي فكرة ايجاد صورة كاملة، وقال ان ما تحقق حتى الآن لا يعدو ان يكون جزءا فقط من الحقيقة، وقال ايضا ان معرفة بقية السلسلة يعني اقتراب الشخص من الواقع. وتستخدم في «نومي» تقنية تقرأ الجينوم في أجزاء قصيرة من المحتمل ان يكون تركيبها خادعا. كل الطرق الحالية بها هامش خطأ، كما ان هذا المجال الذي لا يزال في أطواره المبكرة ليس به معايير متفق عليها. و«نومي» ليست الشركة الاولى في مجال الجينوم. إذ تعتزم شركة ايلومينا في سان دييغو بيع سلسلة جينوم للأثرياء، على حد تصريح مديرها التنفيذي جي فلاتلي. اذا أدت المنافسة الى تراجع الاسعار فإن الجينوم الشخصي سيفيد خصوصيته. وتعرض مؤسسة XPrize، 10 ملايين لأول مجموعة لتسلسل 100 جينوم بشري خلال فترة 10 أيام لقاء مبلغ 10000 دولار أو أقل لكل جينوم. وتدعم الحكومة الفيدرالية تطوير التكنولوجيا وتضع نصب أعينها جينوم مقابل 1000 دولار في العقد المقبل. وفيما يتعلق بالزبائن المحتملين، فقد اتصل بشركة نومي مديرو صناديق ومسؤولون تنفيذيون في هوليوود وشخص من الشرق الأوسط على ان يتم الاتصال بهم عبر طرف ثالث. وقال كاتشالوف، 27 سنة، وهو يعمل مديرا ماليا في مانهاتن، انه يشعر بأن الكل سيحاول الاستفادة من هذه الخدمة مؤكدا انه يحرص على أن يكون من اوائل المستفيدين. ويأمل ستويسيسكو في أن ينضم آخرون قريبا. وكان واحد من مسؤولي شركة نومي قد ذهب لمقابلة ستويسيسكو في عيادة خاصة عقب تسديده مبلغا مبدئيا وصل الى 175000 دولار. وقال ستوسيسكو انه سأل نفسه: «ما هذا الذي فعلته؟ كم طفلا جائعا في افريقيا كان سيطعمهم هذا المبلغ؟» لكنه قرر المضي قدما وخضع للخطوات الأولى في العيادة.

*خدمة «نيويورك تايمز»