ملايين الأجسام الطائرة تحيط بالأرض وتعرقل الرحلات الفضائية

المعلومات مستمدة من قمرين صناعيين يدوران حول الكرة الأرضية

عالمان يفحصان خزان وقود كان في الفضاء وسقط قرب مدينة الكاب يوم 4 مايو 2005 (الصورة من وكالة الفضاء الأوروبية)
TT

أصبحت مشكلة النفايات الفضائية، التي تدور بمسارات مختلفة حول الأرض، مشكلة عويصة منذ بداية عصر الفضاء في خمسينات القرن العشرين. ويقدر علماء وكالة الفضاء الأوروبية وجود ملايين القطع الصغيرة التي تدور في الفضاء وقد تتسبب بسقوط قمر صناعي ما أو مقتل رائد فضاء يسبح في الفضاء بمهمة. ويقول العلماء أن السرعة التي يطير بها مسمار صغير في الفضاء تزوده بقوة تفجيرية تعادل عدة قنابل يدوية عند اصطدامه بالأجسام الأخرى.

واستمد العلماء الأوروبيون معلوماتهم حول «الخردة الفضائية» من قمرين صناعيين، هما «اينفيسات» و«أي آر سي ـ 2»، اللذين يدوران حول الأرض في مدار يبعد 780 كم عن الأرض ويتخصصان بمراقبة النفايات الفضائية. وتتفوق محطة الفضاء الأوروبية «أيسكو» في دارمشتادت (جنوب ألمانيا) على نظيرتها الأميركية «ناسا»، في قضايا الرقابة على النفايات الفضائية، لأنها تراقب حركة كافة النفايات التي تتراوح أقطارها بين مليمتر وعدة أمتار، في حين لا تمتلك ناسا سوى تجهيزات كفيلة بمراقبة الأجزاء من قطر 10 سم فما أكثر.

وذكر هاينر كلنكراد، رئيس محطة دارمشتادت، أن النفايات الصغيرة قد تكون خطيرة جدا على مستقبل الإنسان والرحلات الفضائية. ويمكن لجسم أو نفاية طائرة في الفضاء من قطر 1 سم أن «تقتل» قمرا صناعيا كبيرا في حالة الارتطام بينهما. ويمكن لنفاية قطرها 10 سنتمتر أن تحول القمر الصناعي إلى شظايا صغيرة تعمق مشكلة النفايات الفضائية حول الأرض. وتتراكم النفايات الفضائية، وتدور حول الأرض، نتيجة نشاطات الإنسان الفضائية. وهي بقايا أقمار صناعية قديمة، أدوات عمل يتركها رجال الفضاء في الجو، أجزاء ومحركات ومخازن وقود تتركها الصواريخ التي تحمل الأقمار الصناعية ومركبات الفضاء، والعديد من الأشياء الأخرى التي تمتد بين قفازات رجال الفضاء ونفايات المراحيض... إلخ.

وأحصى القمران الصناعيان الأوروبيان، إضافة إلى 12500 نفاية فضائية تؤرشفها وكالة «ناسا»، وجود 600 ألف نفاية أكبر من سنتمتر ونحو 300 مليون نفاية يقل قطرها عن سنتمتر واحد. ويسهر العلماء يوميا لدراسة احتمالات اصطدام أحد القمرين بالنفايات الطائرة أثناء تأديته لمهامه، وعملوا خلال أشهر على تقليص فرصة الاصطدام إلى واحد بالألف. ويمكن لخزان وقود يطير بسرعة كبيرة أن يتسبب بانفجار فضائي كبير عن ارتطامه بأجزاء صغيرة فائقة السرعة. ورصد الأوروبيون تحول القمر الصناعي الصيني «فينغ يون 1 سي» إلى 1600 جزء، وهو قمر خاص بالأرصاد الجوية، عند تحطمه في 11 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وحسب معطيات كلنكراد، فأن الأجزاء الصغيرة التي تسبح في الفضاء تطير بسرعة 70 ألف كيلومتر في الساعة حول الأرض. وعمد علماء الفضاء الأوروبيون إلى أرشفة معظم هذه المواد من ناحية الحجم، السرعة، ارتفاع المدار الذي تسير فيه، بغية مراقبتها وضمان عدم ارتطام الأقمار الصناعية بها. ويعتمد مصير الأجزاء الصغيرة على ارتفاع المسار الذي تطير فيه، فهناك أجزاء صغيرة تشتعل في الفضاء وتنتهي، في حين تبقى أجسام أخرى، وبسبب ارتفاع مساراتها، تحترق مدى الحياة في الجو. ووضع علماء دارمشتادت مسودة خطة عمل لتقليل النفايات الفضائية الخطرة في الفضاء المحيط بالأرض. وبين هذه الإجراءات: ضمان احتراق مخازن وقود الصواريخ تماما قبل التخلص منها في الفضاء، إفراغ البطاريات قبل التخلص منها وحرق غازات الوقود بدلا من إطلاقها. ويقترح العلماء تخصيص مدار معين بمثابة «مقبرة فضائية» للنفايات وتجميع النفايات القديمة فيه أيضا. ويعترف كلنكراد بأن هذه المهمة عويصة وأعقد بكثير من عملية إسقاط القمر الصناعي الأميركي العاطل بالصواريخ يوم 21 فبراير (شباط) 2008.

ويتصور العلماء، وهي أمور تقترب من الخيال العلمي، فإنشاء «بلدية» فضائية لنزح النفايات من الفضاء. كما يقترحون ربط الأقمار الصناعية الجديدة بنظام استشعار يجعله يتحول إلى مدار جديد في حالة اقتراب قمر صناعي قديم منه. ويمكن للعلماء مستقبلا تزويد القمر الصناعي بمحرك صغير يمكن توجيهه من الأرض كي ينطلق ويقود القمر إلى الأرض مجددا في حالة الاستغناء عنه.

ووقعت 67 دولة في العالم على اتفاقية رعتها الأمم المتحدة لحماية الفضاء الخارجي وتحمل اسم اتفاقية «كوبوس». لكن كلنكراد حذر الأمم المتحدة من أن العالم سيشهد مستقبلا الكثير من الانفجارات والاصطدامات بين الأقمار والمركبات الفضائية والنفايات ما لم يتوصل إلى صيغة للتخلص بشكل عملي من النفايات الفضائية.