كلمات «على طرف لساني» تبلغنا طريقة عمل الدماغ

علاقة بين وجه شخص وانكماش منطقة داخل الرأس

النسيان علامة من علامات الشيخوخة الطبيعية («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كانت هناك وسيلة سهلة لحل كل مشاكل النسيان المؤقت، تعرف ما أقصده، مثل ما حدث معي قبل عدة اشهر، عندما تصورت محل الملابس في فيرمونت الذي كنت اشتري منه وصديقي دان جوارب بيضاء بصفة منتظمة. ولكني لم اتذكر اسم المحل، الا بعد عدة اسابيع عندما استعدت الحقيبة البلاستيكي التي تحتوي على آخر زوجين من الجوارب، وفجأة تذكرت اسم المحل: سام.

سؤلان نجما عن تلك الخبرة: ما الذي جعل مثل هذه مهمة التذكر البسيطة هذه صعبة؟ هل هذا دليل سيئ؟

وسنبدأ بالأخبار الاقل تشجيعا.

اولا، دماغي ينكمش. (اذا ما بدأت بالشعور بالعظمة، فلا تستمر. دماغك هو الآخر ينكمش)، ثانيا احساسي الذاتي بأنها ليست بالسهولة التي كانت عليها ليس خدعة، خبرات «على طرف لساني» تزيد مع زيادة العمر، وهو امر صحيح فيما يتعلق بتذكر الاسماء.

والآن بعض الأنباء الجيدة. بينما مشاكل «على طرف اللسان» هي دليل على كبر السن، فإنها ليست دليلا على الخرف.

وتدرس مرديث شافتو، الباحثة المساعدة في جامعة كامبريدج البريطانية، شيخوخة الادراك العادي لمدة خمس سنوات. وتقول ان على «طرف لساني» هي «جزء مما نطلق عليه الشيخوخة العادية أو الصحية.. ومع الشيخوخة الطبيعية تحدث تغييرات ملحوظة ومقلقة، ولكنها ليست حالة مرضية». وما يجعل ظاهرة «على طرف لساني» مثيرة هو انها تبلغنا عن طريقة عمل الدماغ في انتاج الكلمات التي نستخدمها يوميا.

وتشرح ديبورا بروك استاذة علم النفس في كلية بومونا في كليرمونت، التي كتبت العديد من الدراسات عن اللغة والشيخوخة وظاهرة «طرف لساني»، التفكير الحالي: «نحب التفكير في الكلمة بأنها مخزونة في وحدة في دماغنا، وان لدينا مكانة في دماغنا توجد فيها على سبيل المثال، براد بيت، ونعرف ما شكله والافلام التي مثلها واسمه وكل ذلك». وبدلا من تخزين المعلومات بهذه الطريقة، توجد، كما تشرح «شبكة من المعلومات عبر اجزاء مختلفة من الدماغ، ويمكنك ان تفقد جزء منها وليس الآخر. ولذا يمكنك مشاهدة وجه براد بيت، وتقول «نعم هذا هو وجهه»، ولكنك لا تستطيع تذكر اسمه، لأنه ليس مخزونا كوحدة مع وجهه أو غيره من المعلومات الخاصة به».

ومع كبر السن تتدهور العلاقات بين شبكة المعلومات، مما يؤدي الى ما يطلق عليه عجز في الارسال. ويبدو هذا بوضوح عندما لا ننشط علاقة معينة لبعض الوقت. فما كانت طريقا ثنائيا بين وجه براد بيت واسمه اصبح الآن، ممرا للدراجات به العديد من الحشائش. الرابطة لا تزال هناك، ولكنها ضعيفة وتحتاج الى انتبه.

وكشفت دراسة ظهرت مؤخرا في جورنال العلوم العصبية الادراكية، بوجود علاقة بين صعوبة تسمية وجه شخص وانكماش منطقة من الدماغ. واظهرت شافتو وبعض الزملاء سلسلة من الوجوه المعروفة لبالغين تتراوح اعمارهم بين 19 والـ88.

وباستخدام تصوير الدماغ، وجدوا ان زيادة ظاهرة «طرف لساني» مرتبطة بقوة بضمور الغلاف الخارجي ليسار الدماغ.

وهذا الاكتشاف يساعد على تفسير اسباب وجود مزيد من ظاهرة «على طرف لساني» مع ازدياد العمر، ولكنها لا تفسر اسباب عدم نسيان الاسماء، وهي المشكلة الاكثر انتشار. وفهم ذلك، علينا اللجوء الى نظرية نقص البث، التي تقدم وجهة نظر منطقية مباشرة.

فعلى العكس من معظم الكلمات الاخرى الاسماء محددة ولا تبلغنا معلومات عن الشخص. فاسم لاري كينغ لا يبلغنا شيئا عن لاري كينغ الوجه أو لاري كينغ الرجل. اذا ما فقدت العلاقة بين الوجه والاسم، فلا يوجد بديل للوصول الى هناك.

ربما نتذكر ان اسمه يبدأ بحرف لام او انه مكون من ثلاثة مقاطع، ولكن لا يمكننا الوصول الى ممر الدراجات المزدحم بالحشائش لاستعادة الكلمة بأكملها، وهو ما يجعل ظاهرة على «طرف لساني» محبطة. وتقدم واحدة من البدائل المعلوماتية للاسم الصحيح دعما اضافيا لنظرية نقص البث. فبعض الشخصيات الكارتونية تحمل اسماء ذات معنى بينما البعض الآخر ذات اسماء غير مرتبطة بمعنى.

وفي مقالة ظهرت مؤخرا بعنوان «تشارلي براون في مواجهة سنو وايت» في جريدة علوم الشيخوخة اجرى الباحثون في جامعة كولورادو، اختبارات على شباب وشيوخ عما في امكانهم تسمية نوعية الاسمين. وقد تفوق الشباب على الكبار في اختبارات الاسماء، كما هو الامر في معظم الدراسات حول الشيخوخة، بينما تفوق الكبار في اختبارات الكلمات. المشكلة هو صعوبة تسمية الوجوه.

والاكثر من ذلك يختلف الشباب بعض الشيء في قدرتهم على تسمية نوعية الشخصيتين. فالأكبر سنا، بالمقارنة، لديهم صعوبة في تسمية شخصيات مثل تشارلي براون وغاترفيلد اكثر من تسمية «سنو وايت». وعندما سألت ديبورا بروك، عما الذي يمكننا القيام به، لمواجهة ظاهرة «على طرف لساني»، تحمست لفكرة استخدام المواهب اللغوية بقدر الإمكان في الأحاديث. وفيما بعد ذلك، قالت، يوجد تدريبات لدعم قدرتنا على استعادة الاسماء من الماضي. وهناك العديد من الوسائل الحقيقية التي تمت تجربتها، في وقت ومكان محدد. علينا تطبيق هذه التكنيكات في كل مرة نريد معرفة اسماء جديدة. ولكني لم استطع مقاومة سؤال بروك عما اذا كانت تعتقد ان حل الكلمات المتقاطعة، ربما يحد من ظاهرة على طرف لساني. وسكتت للحظة معتقدة انني افكر في الكلمات المتقاطعة المعقدة التي تحتوي على ألغاز. ولكني كنت افكر في الكلمات المتقاطعة العادية التي تحلها حماتي. التي كانت تجلس لفترات طويلة تحل الكلمات المتقاطعة. كانت زوجتي تقول انها تفعل ذلك للراحة لا اعرف السبب. ولكن ما اعرفه انني لم التق في حياتي بأي شخص ذكرته بهذه القوة.

* طبيب نفسي ممارس في ولاية ماساشوستس الاميركية

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)