.. هكذا حدثت الأزمة الاقتصادية الأميركية

أمثلة على ما يمكن أن يحدث عندما يتصادم سوق عقارات ناشط مع قروض رخيصة

غلندا اورتيز امام منزلها الذي حصلت عليه بقرض عقاري «واشنطن بوست»
TT

عندما تستعيد غلندا اورتيز احداث الماضي يمكنها ان ترى انها فعلت كل ما هو خطأ عندما اشترت منزلها في عام 2005. ففي الواقع، لكي نفهم ازمة المساكن في الولايات المتحدة، علينا الاستماع الى احداث رواية عائلة اورتيز.

فقد شاهدت منزلا واحدا فقط ودفعت فيها مبلغا كبيرا 430 الف دولار لمنزل متهالك من طابق واحد في الكسندريا، ثلاثة مرات ثمنه في السنة السابقة، و5 آلاف دولار اكثر من السعر المطلوب، طبقا لسجلات المكتب العقاري.

وقد وافقت على قرض بسعر فائدة مرتفع سيكلفها ثلاثة الاف دولار شهريا، اكثر من 70 في المائة من مبلغ 4200 دولار دخلها الصافي هي وزوجها شهريا.

وقد وقعت على اوراق بالانجليزية التي لا تفهمها. وقال احدهم انها متزوجة من رجل لم تعرفه.

ووضعت مستقبلها المالي في يد امرأة تكاد تعرفها، تبيع مستحضرات التجميل والمجوهرات من منزل لآخر. ولم تسع للحصول على نصيحة من احد. وحصل طلب القرض على موافقة الشركة التي ترتب القروض وقبلتها الشركة التي تقدم القرض، وهما من الشركات المتخصصة في التعامل مع العملاء الذين ليسوا في وضع مالي مثالي.

وفي اغسطس 2005 اصبحت غلندا اورتيز، وهي طاهية في بست ويسترن التي تعيش في شقة مزدحمة في مقاطعة ارلنغتون، صاحبة منزل. وبحلول شهر مارس الماضي، استردت الشركة المقرضة منزلها. وافلست كل من شركة ترتيب القروض العقارية. واتجهت اورتيز للمحكمة.

وقالت بالاسبانية «كان خطأ. مائة في المائة. كانت لدي تلك الرغبة القوية لامتلاك منزل. ولم افكر في أي شيء اخر.

وغلندا وزوجها، وهو يعمل في مجال تركيب اجهزة التكييف، هما امثلة على ما يمكن ان يحدث عندما يتصادم سوق عقارات ناشط مع قروض رخيصة، وتسهيلات في مستويات الاقراض وقليل من الاشراف. لا يوجد احد معفي من اللوم في تلك الازمة.

ويلوم اريك غيتريز مدير الاسكان لمؤسسة التنمية الاقتصادية للاتينيين في واشنطن الحكومة للسماح بمثل هذا العدد من القروض بلا ضمان، التي لا تتطلب اثبات الدخل. واوضح «يمكنك القول: انني اشتغل في تنظيف المنازل في عطلة نهاية الاسبوع ثم تدعي ان دخلك الف دولار في الاسبوع».

وبعد ذلك يكون وكلاء شركة السمسرة العقارية قد حصلوا على عمولتهم، وانتهى سماسرة القروض العقارية من اعداد تكلفتهم، وتم بيع القرض الى وول ستريت. ولم يهتم احد بالنتائج مادام سوق العقارات مزدهرا.

وطبقا لمركز الاقراض المسؤول، فإن 40 في المائة من القروض الى اللاتينيين هي بلا ضمانات، ويتوقع المركز ان واحد من خمسة من هذه القروض المقدمة في عامي 2005 و 2006 لن يمكن سدادها.

وتجدر الاشارة الى ان غلندا اورتيز وهي في الاربعين من عمرها، تعاني منذ تسع سنوات، منذ اليوم الذي هربت فيه من الاعصار ميتش في هوندراس ووصلت للولايات المتحدة للعثور على «قطعة ارضها الخاصة». وحلمت ان امتلاك منزل سيجمع اسرتها المتفرقة. وحلمت بقدرتها على احضار ابنتها التي تركتها وهي طفله. وقالت «اعرفها فقط من الصور. اريد مستقبلا جيدا لأسرتي، لأطفالي».

وقالت غلندا، التي لا تتحدث الانجليزية بطلاقة، انها لا تعرف الكثير عن النظام المصرفي الاميركي. ولذا عندما زارتها ماريا اسبرانز سالغادو وهي بائعة متجولة لمستحضرات التجميل، في منزلها وقالت لها ان بامكانها مساعدتها في شراء منزل، صدقتها.

وكانت سالغادو تحمل بطاقة عليها شعار شركة عقارية ووظيفتها «مساعدة مبيعات» لسمسار عقاري اسمه خورجي اغيلار. وتبين انه ليس مرخص له بالعمل في هذا المجال. وقال اغيلار ان سالغادو «كانت جيدة جدا في مجال ترويج البيع». وانه كان يدفع لها 500 دولار عن كل شخص تقدمه له بالرغم من حظر اللوائح والقوانين تقديم عمولات للاشخاص غير المرخص لهم. الا ان سالغادو قالت انه كان يقدم لها هدايا.

وعندما قالت غلندا اورتيز ان وضعها المالي هي وزوجها ليس جيدا وان مدخراتهما لا تزيد على عدة آلاف، قالت ان ساغادو، التي تعرفت عليها قبل اقل من عام، تعهدت بمساعدتها.

وقالت انها اعدت خطة مع ساغادو. وهي شراء منزل مشترك، مستخدمين وضع سالغادو المالي الجيد. وستدفع سالغادو نصف مقدم الثمن البالغ 11 الف دولار. وتم الكشف عن تلك المعلومات في اوراق القضية التي رفعتها اورتيز.

وخلال عام عندما زادت قيمة المنزل، كما تصوروا، ستحصل اوتيز على قرض. وقالت انها خططت للحصول على قرض قيمته 70 الف دولار، ستدفع نصفها لسالغادو لنصيبها في مقدم الثمن وللسماح لها باستخدام اسمها. ومقابل ذلك ستزيل سالغادو اسمها من عقد البيت، وستملك اورتيز المنزل، طبقا لأوراق القضية.

ولكن في يوم توقيع العقد في اغسطس عام 2005، وصل شقيق سالغادو سول سالغادو هرنانديز لتوقيع الاوراق. وقالت انها فوجئت ولكنها تصورت ان سالغادو تعرف ما تفعله. وقالت انها لم تفهم مضمون الوثائق التي وقعتها، ولا حتى الوثيقة التي اشارت الى انها متزوجة من هرنانديز. وقالت ماريا سالغادو انها وافقت على اقراض اورتيز المقدم واستخدام اسم شقيقها لشراء المنزل لأن اورتيز كانت افضل صديقاتها».

وقد عرضت واشنطن بوست العقد على جو ديسالفو وهو سمسار قروض عقارية في مؤسسة كونتيننتال مورغيدج آند انفستمنت. في ارلينغتون ووجدها مليئة بالرسوم الوهمية. وتبين ان رسوم الشراء بلغت 10 آلاف دولار.

واخيرا تحقق حلمها في امتلاك منزل واصبحت سعيدة لدرجة انها شجعت ابنة شقيقها كارلا اورتيز وهي منظفة منازل على الاتصال بسالغادو. وتمكنت كارلا في سبتمبر 2006 من شراء منزل بنصف مليون دولار في سبرنيغفيلد ودفعت 10 الاف دولار اكثر من السعر المطلوب. ولان وضعها المالي غير جيد استخدمت اسم صديق وتقريرها المالي للحصول على قرض اسكاني.

جاءت نهاية حلم غلندا اورتيز سريعا. ففي فبراير 2007 لم تتمكن هي وزوجها من دفع الاقساط ولا الفواتير لشركة الكهرباء ولا ضريبة العقارات.

وفشل مشروع اعادة التمويل الذي اتفقت فيه مع سالغادو. ولم يرتفع ثمن المنزل كما هو متوقع. ولم يساعدها المصرف في خطة دفع القرض. وبالرغم من ان اسمها كان في عقد الشراء لم تكن مسجلة كصاحبة القرض. وقالت ان المسؤولين في المصرف ابلغوها انه ليس لديهم السلطة للتفاوض معها وعندما اتصلت بهرنانديس للمساعدة قالت انه ابلغها بترك المنزل.

ومع اقتراب استرداد المنزل بعث محامي هرنانديز برسالة يهددها بإجراءات قانونية اذا لم تقدم المنزل هدية لموكله. واتصلت اورتيز بالمحامي هورد وودسون. وفي شهر اكتوبر حثها على توقيع اتفاقية لتقديم المنزل هدية الى هرنانديز. وبالرغم من رفضها ورفعها قضية، امرها القاضي بتقديم المنزل هدية الى هرنانديز. وقد باع هرنانديز المنزل في شهر ديسمبر الماضي بـ 380 الف دولار. وعادت غلندا اورتيز للحياة في شقة. وقالت انها تشعر باليأس لضياع منزلها لدرجة انها توقفت عن العمل لمدة سنة. ولم تعد تحلم بامتلاك منزل في اميركا.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»