الإنجليزية حلم الجميع في الهند

5 % فقط من سكانها يتحدثون بها بطلاقة

فصل لتعليم اللغة الانجليزية في إحدى الاكاديميات الخاصة في بهوبال بالهند («واشنطن بوست»)
TT

لم تكن حياة بانكاج سريفاستافا، مدير التأمين في إحدى الشركات، أفضل في يوم من الأيام، فقد تخطى مستهدفات عمله وتمت ترقيته مرتين في شركته، وكان يبعث للمشاركة في مؤتمرات في كافة أرجاء الهند. وستكافئه الشركة بإجازة ثلاثة أيام في دبي. ومع كل هذا، كلما وصل بانكاج لمستوى أعلى زاد قلقه. «أنا في قمة مجالي. مع أن كل شخص في هذا المستوى يتحدث الإنجليزية وأنا لا أتحدثها»، هكذا قال بانكاج باللغة الهندية ممزوجة بالإنجليزية الركيكة. «أقيم في فنادق يتحدث الجميع، حتى النادل، باللغة الإنجليزية. في المؤتمرات أنعزل خشية أن يضحك المشاركون على طريقتي في التحدث بالإنجليزية». ودفع هذا بانكاج لحضور دورة للتحدث بالإنجليزية في إحدى المؤسسات تسمى «أكاديمية أوما للغة الإنجليزية» خلال الأسبوع الماضي. وتشتهر الهند بأنها بلد متحدثي اللغة الإنجليزية بطلاقة، ولكن وفق كثير من التقييمات فإن 5 في المائة فقط من سكان الهند يستحقون هذا الوصف. والآن تسبب النشاط الاقتصادي على مدى خمس سنوات في رغبة لجعل هذا الوصف حقيقيا، وبعد أن كانت الإنجليزية حكرا على النخبة في المدن الكبيرة يتحدث بها في العديد من المناطق البعيدة. مدينة بهوبال التي يقطنها أكثر من 1.5 مليون نسمة توجد فيها الكثير من المدارس التي تعلم اللغة الإنجليزية. يجلس بانكاج في الأكاديمية يتعلم بجوار طلاب يسعون للحصول على ماجستير إدارة الأعمال وآخرين بكلية الهندسة وبائعي أجهزة الكومبيوتر، البعض منهم من السكان المحليين والبعض الآخر من الأرياف. يتعلمون في هذه الدروس حروف الجر وتكوين الجمل وبعض القواعد النحوية. يقول بانكاج: «في هذه الحصص، لا يضحك أحد على طريقتي في التحدث باللغة الإنجليزية. لا أخشى أن أخطئ، فجميع الحضور ضعاف في الإنجليزية». ومما ساعد على هذا الاتجاه لتعلم الإنجليزية هو الإحساس بأن النجاح في المجال التجاري لم يعد كافيا، فثمة اعتقاد سائد بأن التمكن من الإنجليزية هو السبيل لنيل مكانة اجتماعية.

تقول أوما شانكر، القائمة على إدارة شؤون الأكاديمية: «في الهند ينظر إليك بصورة مختلفة إذا كنت لا تتحدث الإنجليزية. ضعف بعض طلابي في الإنجليزية يجعلهم يشعرون بضعف في الثقة بالنفس. كل هندي لديه حلم يسعى نحوه، والإنجليزية هي جوهر هذا الحلم». نشرت مجلة «آوت لوك» الإخبارية الهندية ذات الشعبية مقالا الشهر الماضي تنتقد فيه ما أسمته «لعنة التحدث بالإنجليزية». قال: «يزداد انتشار اللغة الإنجليزية باضطراد حتى أصبح مصدرا للقلق، وربما اليأس، بسبب التفرقة بين من يتحدثون الإنجليزية ومن لا يتحدثونها». استشهد المقال بأربع حالات انتحار قام بها طلاب عجزوا عن التفوق في نظام جامعي لأن كل الكتب الدراسية باللغة الإنجليزية. وفي بعض الأحيان يكون الأمر أكثر خطورة. ففي إعلان تلفزيوني حديث لمركز «فيتا»، وهو مركز لتعليم اللغة الإنجليزية في مدينة تشناي، يظهر ولد في سن المراهقة من الطبقة المتوسطة نائم على كتابه بينما تقوم خادمة بتنظيف الأرضية وهي تدندن بأغنية باللغة الإنجليزية. يستيقظ الصبي وهو يشعر بصدمة فهو لا يصدق أن شخصا أقل منه في الطبقة الاجتماعية يتحدث اللغة الإنجليزية. وخلال الشهر الماضي عرضت قناة تلفزيونية مشهدا يبدأ في فصل دراسي لتعليم للغة الإنجليزية. يقول النائب رئيس القناة التنفيذي: «أصبحت الإنجليزية شيئا مهما في الوقت الذي تتقدم فيه الهند. نستهدف كل البلد. في عروضنا تقع الشخصيات في نفس الأخطاء الشائعة في الهند». ومن الطلاب الذين يدرسون في «أكاديمية أوما» الطالب أبهيشخ جوبتا الذي أتي من إحدى المدن الريفية ليدرس الهندسة في بهوبال. يقول هذا الطالب، 21 عاما، إنه طالب فوق المتوسط، يقضي كثيرا من الوقت في المقاهي وعلى موقع الشبكة الاجتماعية Orkut ، ولكنه يشعر بالتوتر عندما يتوجب عليه التحدث بالإنجليزية. والآن في الفصل الدراسي النهائي، اجتاز أبهيشخ بصعوبة العديد من التقييمات لشركات تقنية هندية كان عليه فيها المشاركة مع طلاب آخرين في مناقشات جماعية واجتياز بعض المقابلات الشخصية. يقول الطالب: «تكون المناقشات الجماعية باللغة الإنجليزية. وقبل أن ألملم أفكاري لأكون جملة تكون فرصتي قد ضاعت لصالح شخص آخر. من سوء حظي أنني كان لدي العديد من الفرص في شركات كبرى ولكني لم يتم قبولي».

توبخ شانكر الطالب أبهيشخ وطلابا آخرين خلال الحصة بسبب ما تطلق عليه «التفكير باللغة الهندية وتكوين جمل مشابهة بالإنجليزية» وبسبب استخدام الأدوات وحروف الجر على نحو خاطئ. هناك مدرسة أخرى في المدينة تتماشى مع مستوى الطلاب، فهي تطلب منه مناقشة بعض الموضوعات باللغة الإنجليزية ولكنها لا تصحح أخطاءهم في القواعد النحوية حتى لا تخيفهم. يقول أستاذ مهارات الاتصال في معهد ركدف للعلوم والتكنولوجيا في بهوبال: «مشكلة التحدث باللغة الإنجليزية هي مشكلة ثقة بالنفس وليست مشكلة قواعد نحوية».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»