الموسيقى والفنون وسائل علاج جديدة في الولايات المتحدة

لتخفيف التوتر والقلق والآلام.. ولتعزيز النظام المناعي لدى المرضى

طفل مصاب بالسرطان يقوم برسم لوحة فنية داخل مستشفى اميركي (واشنطن بوست)
TT

مع ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية بدأت تظهر في الأفق وسائل علاج جديدة، تستكمل الطب المتقدم باللمسات الفنية.

ويعتمد المنطلق على التصور الذي يمزج الموسيقى والفنون المرئية والكتابة والاداء مع رعاية كلينيكية يمكنها زيادة الشعور بالراحة بل وحتى تحسين الوضع الصحي، وهو تصور بدأ الباحثون في مجال الرعاية الصحية يعترفون بالحاجة الى تجربته بدراسات ذات أدلة.

إن الاعتقاد المتزايد بالقيمة العلاجية للفنون كان مجال الدورة الدراسية التي عقدت في متحف نيويورك للفنون الحديثة بعنوان «قيمة وأهمية الفنون في الرعاية الصحية». وكان المشاركون من اطباء ومديري مستشفيات وفنانين متحمسين كما لو انهم يروجون لعقار معجزة، فدمج الفنون في الرعاية الصحية لا يزال امرا غامضا، كما اوضح ليونارد شالين جراح المناظير في سان فرانسيسكو «لأنها تعمل».

وتجدر الاشارة الى ان جمعية الفنون في الرعاية الصحية، التي رعت الندوة بالاشتراك مع متحف الفن الحديث والمركز الطبي في جامعة فاندربيلت، شهدت زيادة في العضوية. فمع نهاية عام 2006، قدرت الجمعية ان اكثر من 2500 مستشفى في الولايات المتحدة شاركت في الاستطلاع تقدم برامج فنية، كما اوضحت انيتا بوليس المديرة التنفيذية للجمعية.

وتنظم كارول هرون برنامجا عن الفنون في الطب في مركز امراض سرطان الاطفال في هيوستون يشمل استخدام الفنون المرئية ومشاركة الموسيقيين والراقصين والمحاكاة والكتاب ومشغلي الدمى.

وأوضحت بالقول «نخطئ تجاه الاطفال اذا ما تصورنا ان كل ما يجب علينا القيام به هو علاجهم من المرض. نحتاج علاج الطفل بطريقة متكاملة».

وفي المركز الطبي بجامعة نيويورك اصبح استخدام الفنون لتخفيض التوتر أولوية، طبقا لمريان هاردارت، مديرة العلاج باستخدام الفنون الابداعية.

وتلاحظ هاردارت أنه ليست كل المؤسسات العلاجية راغبة في استخدام منطلقات من هذا النوع. وأوضحت «في المجال الطبي الموجه نحو التدخل الجسدي والكيميائي، نعتبر عاملا مساعدا وليس مندمجا» ويرجع هذا جزئيا لأن الابحاث التي تؤيد تلك البرامج محدودة. فبعض الفوائد الموثقة ـ اعتمادا على تقييمات قصيرة الاجل لعدد محدود من المرضى ـ تشمل دعم نوعية الحياة وزيادة تعاون المرضى مع الاجراءات والوسائل العلاجية المؤلمة ومساعدة العاملين على فهم وجهة نظر المرضى. كما ان الادلة المبدئية تشير الى انخفاض الاحساس بالتعب والإحباط والقلق والالم والتوتر، التي من الممكن ان تعزز النظام المناعي لدى المرضى. تتذكر تريسي كاونسيل، التي توصلت الى برنامج للعلاج بالفن أطلق عليه «تريسي كيدز» في مركز لعلاج السرطان تابع لجامعة جورجتاون، برنامج لطفل مريض بسرطان الغدد الليمفاوية عمره 11 سنة كان معزولا لفترة شهور بعد عملية مؤلمة لزراعة نخاع العظام. عندما عاد الطفل في وقت لاحق لمراجعة الطبيب كان قد نحت هيكلا لتابوت حجري من الطين داخله أشبه بالمومياء. من المحتمل ان يساعد العمل الفني الطاقم الطبي على ملاحظة وإدراك المخاوف التي لا يستطيع المرضى التعبير عنها شفاهة في بعض الأحيان. ويتحدث ماثيو غيرسون، نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة مكافحة السرطان، حول مريض عمره 12 عاما ينتظر عملية زراعة نخاع العظام قائلا ان هذا الصبي كشف عن خوف داخله من إزالة عظامه، إلا ان المعالج الفني صحح له خطأ اعتقاده. تقول آليس لاندري، التي تعمل في مجال العلاج بالفن، وسط مرضى تعرضوا لاصابات في الدماغ او العمود الفقري، ان مشاريع مثل مشروع الفنية الخشبية او المجوهرات تساعد المرضى في إعادة بناء حياتهم. ويقول الصبي فابين نويدي ـ قاسمي، 15 سنة، الذي أظهر التشخيص اصابته بنوع من سرطان الغدد الليمفاوية عندما كان في الحادية عشرة من عمره، انه رسم لوحة لنفسه وقد صدمته شاحنة ثم ينهض ليصدمه قطار ثم ينهض لتصدمه طائرة. ويقول إن التعبير عن مثل هذه المشاعر يساعد على تخفيف الشعور بالضغط النفسي. وفضلا عن توفير النشاط الذي يشعر المرء بالارتياح يمكن للفنون أن تعزز البيئة المادية للمستشفى. وينفق مستشفى بريغام آند وومانز في بوسطن أكثر من مليون دولار لترتيب ممر يستخدمه مرضاها عندما يذهبون الى معهد دانا فارمر لعلاج السرطان.

وقالت استرليتا كارش، التي أنشأت المشروع، ان الممر كان مليئا بالأشخاص الكئيبين، مطأطأي الرؤوس ممن تثقل الهموم كواهلهم». وبعد نصب جدارية فيها 149 طيرا تحمل أغصانا، أعيدت تسمية الرواق ليصبح «جسر الأمل». وقالت كارش انه «ما من أحد يمر فيه ورأسه مطأطأ».

وقال غاري غوتليب، أخصائي الأمراض النفسية ورئيس مستشفى بريغام، «ما من شك في ان هناك وجوها عديدة للرعاية والشفاء، وتعتبر البيئة المادية من الأمور الحاسمة. وقد تجلت حقيقة أن تفاؤل الناس ونظرتهم العقلية ومزاجهم تؤثر في نتيجة علاج الامراض المزمنة وعدد من حالات السرطان».

ويقوم بعض المدرسين بتعليم طلاب الطب ليس فقط فن الطب وانما أيضا الفنون الأوسع: الرسم وتاريخ الفن والشعر. وأخذت اديث لانغنر، مديرة معهد الفنون في المشروع الطبي في المركز الطبي بجامعة كولومبيان، طلاب المرحلة الثانية الى متحف الفن الحديث ومتحف المتروبوليتان للفنون حيث شحذت قدراتهم على الملاحظة. وهي تقول ان النظر الى الصور واللوحات يدرب الطلاب على معرفة وجوه المرضى. غير أن المعارضة موجودة. فالكثير يرتابون من أن الدراسات الانسانية ذات صلة بالتعليم الطبي، وعندما توضع ضمن المنهج الدراسي فانها غالبا ما تتعرض الى التهميش. وقال ويليام آيفي، الرئيس السابق لمؤسسة المنح القومية للفنون، الذي يرى ان حقل الفن والرعاية الطبية غني بالقصص وفقير بالأدلة، انه «اذا ما اثبتت القصص والحدس عند التدقيق العلمي بأنها صحيحة يمكننا عندئذ، حيث تتوفر الأدلة، المضي في اتجاه الاستفادة من ذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»