«القات» ما بين العادات والتقاليد المتوارثة وآثاره السلبية في إثيوبيا

«اوداي» للأثرياء والبرجوازيين لجودته.. و«أبو مسمار» و«الناشف» للفقراء لرخصهما

سعر القات في إثيوبيا يعتبر رخيصاً مقارنة بالدول المجاورة («الشرق الاوسط»)
TT

تعاطي ورقة شجرة القات في أرض الحبشة (إثيوبيا) يمثل جزءا كبيرا من العادات والتقاليد المتوارثة في المجتمع الإثيوبي بأكمله وبالأخص بين المسلمين الأكثر نسبة في البلاد في ظل عدم تجريم تعاطيه رغم آثاره السلبية الخطيرة وأضراره البالغة على الصحة العامة وخاصة عند الشباب.

أنواع كثيرة ومختلفة من نبات القات في إثيوبيا تصل إلى أكثر من 10 نوع مختلف في مدى الطعم والتخدير والجودة والسعر.. فمثلاً هناك نوع يسمى «اوداي» الذي يلقب بقات الأثرياء والبرجوازيين وذلك لجودته الفائقة من حيث تخديره وارتفاع سعره، وأنواع أخرى مثل «الجراجي» و«الناشف» و«سبتا» و«أبو مسمار» الذي يعتبر أكثر أنواع القات تخديرا.

وسعر القات في هذا البلد الفقير يعتبر رخيصاً جداً مقارنة بالدول المجاورة مثل اليمن وجيبوتي والصومال، ويمكن للشخص المحدود الدخل شراء القات بسعر لا يتجاوز النصف دولار يومياً.

الشباب هم الأكثر تعاطياً لهذه الشجرة في إثيوبيا في ظل البطالة المتزايدة كل يوم.. وسعر القات أقل بكثير مقارنة بالمشروبات الكحولية التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من حياة الكثيرين في إثيوبيا، من النساء والرجال، بشكل يومي، حيث انه متوفر في كل بقعة من أرض إثيوبيا وبأسعار معقولة خاصة المشروبات المحلية.

سعر القات الذي يعتبر من النوع الفاخر والجودة يمكن الحصول عليه بسعر لا يتجاوز الثمانية دولارات أميركية لمضغها في اليوم الواحد ولمدة لا يقل عن الست أو السبع ساعات.

تأثيرات القات في بعض الأحيان تكون عادة الأرق واللامبالاة وقلة التركيز، ويؤدي الاستمرار المفرط في استعمال القات إلى تأثيرات جانبية خطيرة، فالمدمن على القات يتميز بسرعة الانفعال والمشاكسة والتوتر.. فهو يعيش في عالم الأحلام وانفصال ذهني كامل عن الواقع، وقد يعاني من تفكك الشخصية ويصبح فاتر الشعور ومتبلدا لفترة مؤقتة ويختلف من شخص لآخر.. والقات يؤثر كثيراً على الأشخاص الضعفاء صحياً والذين لا يملكون القدرة على اتخاذ قرار أنفسهم حيث يسيطر عليهم بشكل فاعل وسريع.

يطلق على نبات القات المنتشر في شرق أفريقيا اسم «ميرون» وفي تنزانيا وكينيا «نيرون» وفي إثيوبيا «الشات» وفي الصومال وجيبوتي واليمن أكثر الدول تعاطياً في العالم اسم «القات».

هناك روايات تقول إن القات عرف في إثيوبيا وبالتحديد في منطقة «هرر» والمناطق الوسطى من البلاد قبل حوالي 700 عام.

البخور واللبان البلدي أكثر استهلاكا من تناول القات وخاصة أثناء الدعاء والتقرب إلى الله عند الكثيرين من كبار الشيوخ وعلماء الدين في مختلف أنحاء البلاد.

تناول القات بين المسلمين الإثيوبيين شائع وخاصة في شهر رمضان الكريم لمنعهم من النوم والسهر، ومن هنا نقل المسلمون الإثيوبيون القات إلى الدول المجاورة مثل الصومال وجيبوتي واليمن قبل حوالي 150 عاماً وخاصة إبان التجارة بين اليمن والقرن الأفريقي.

عقب قطف القات مباشرة يتم تحضير الفروع والبراعم على شكل حزم وتغليف بأوراق الموز وذلك من أجل حفظها بشكل طازج لمدة لا تتجاوز اليومين عند بعض أنواع القات بعد قطفها من الشجرة وقبل تناولها.

يعتبر القات في إثيوبيا وبين الأوساط التي تتناوله بشكل يومي علاجاً لأمراض عديدة وفي بعض الأحيان يتم تعاطيه لإزالة الفتور الجنسي. وفي روايات أخرى يذكر أن قادة الجيش الإثيوبي كانوا ينصحون جنودهم بتعاطيه أثناء الليل كما كانوا ينصحون الجرحى بوضعه على جروحهم بعد خلطه بالماء.

وفي السنوات القليلة الماضية بدأ الشباب نساء ورجالا يمضون أوقات طويلة وهم يتعاطون هذه الشجرة خاصة في أيام العطلة في الأماكن الخاصة والعامة والمطاعم والمنتجعات السياحية.. ونرى أن مضغ القات يسبب مشاكل ذات طبيعة اجتماعية وصحية واقتصادية. يقول سائق التاكسي بلاي ديميسي، 41 عاما، انه يستفيد من هذا النبات فائدة قصوى لأنه يطرد النوم من عينيه ويحجب عنه الشعور بالجوع والعطش، بالإضافة إلى أن القات يساعد على طرد الأفكار الخبيثة، بجانب تقويته جنسياً، مضيفاً أن مكتب مرور العاصمة أديس أبابا قد أخطأ بفرضه عقوبات على كل سائق يتناول القات وتغريمه أموالا باهظة.

أظهرت الدراسات الكيميائية أن أوراق القات تحتوي على عدد من المركبات مثل القلويدات ـ جلوكوزيدات، التربينات، العقصيات والمركبات الفلافونية، وفيتامين ج إلخ ...

تشير بعض التقارير الصحية الى أن الكثير من متعاطي القات بشكل مفرط يصابون بالتخلف العقلي وإلى حد الجنون في معظم الحالات.

بعض المطاعم في العاصمة أديس أبابا بدأت أخيرا بيع القات وتأجير الغرف المستقلة لتعاطي القات مجهزة بكل مستلزمات الجلسة من المفرش على الأرض والشيشة (الأرجيلة) والمشروبات الساخنة والباردة المختلفة وذلك في ظل تزايد عدد الشباب المدمنين على تعاطي القات يوما بعد يوم.

الواقع أن تعاطي القات في الآونة الأخيرة لم يقتصر على المسلمين فقط، كما كان الحال في السابق، بل تعداه إلى المسيحيين وخاصة الشباب منهم، فيعتبر القات من الدعوات الخاصة التي يمكن أن يدعو إليها صديقته ويتعاطاه العشاق في جو هادئ بأنغام موسيقية عربية وسودانية لفترات تتعدى الثماني ساعات أو أكثر.

يختلف الإثيوبيون في تحديد مدى مضار القات، فهناك من يؤكد مضار هذا القات جنسياً.. فيقول الشاب مكونن يلما، 32 عاما، إنه وبعد تعاطيه القات لفترة معينه فإن شعوراً بالضعف الجنسي ينتابه لدرجة أنه يخجل من زوجته.

حتى الآن لم يسجل القات ضمن المخدرات في الأمم المتحدة حسبما يقول البروفيسور أوفئيل قابيسا الباحث في مركز البحوث الأفريقية في ولاية ميتشيغن الأميركية بل إنه يشكك في مضار النبات.

طلاب المدارس والجامعات بالأخص يتعاطون القات من أجل التركيز على دراستهم والمطالعة، ويزداد تعاطيه قبل دخولهم إلى الامتحانات بيوم أو يومين.. والبعض منهم وخاصة النساء يفضلون غلي القات وشربه من أجل عدم إضاعة الوقت في مضغه، ومفعوله مركزاً أكثر من المضغ إلا أن هناك مرارة من الصعب التعود عليها عند الشرب.

يعتبر تعاطي القات في كثير من الأقاليم الإثيوبية جزءا من العادات والتقاليد، فهو يستخدم في الأعراس والمآتم وفي الحياة العامة.. ففي منطقة هرر يتناول السكان القات في الصباح الباكر قبل ذهابهم إلى العمل حيث يستخدمونه كمنشط لممارسة أعمالهم بشكل جيد.. أما في فترات الظهيرة فلا تلاحظ أي حركة في مدن هرر حيث يدخل سكانها إلى منازلهم لتخزين القات إلى ساعات متأخرة من الليل.