رواية القصص للأطفال.. من السرد الشفهي إلى التكنولوجيا الحديثة

اعتبرها علماء النفس طريقة مثلى لتعليمهم التفكير بواقعية

الملكة رانيا توقع على مجموعة من قصص الأطفال (رويترز)
TT

نعمة الأطفال من أجمل الأشياء في الحياة، فبحركتهم الدائمة ونشاطهم المعهود وفرحهم المستمر يبهجون الآباء الذين يشعرون بالفخر والسعادة عند رؤية أبنائهم ينمون ويكبرون. وإحدى اللحظات الخاصة التي أستمتع بها كأم هي قراءة القصص لابني الصغير. منذ أن كان في الشهر السادس من عمره، كنا نقرأ له القصص قبل النوم. ونحن الآن كوفئنا بالاستماع إليه وهو يقارب عامه الثالث يؤلف قصصا من خياله، حتى إنه يختار القصة التي يريد سماعها. ويعرَّف القص بأنه وسيلة لنقل الأحداث من خلال الكلمات، والصور والأصوات. فالقصص موجودة في كل الثقافات والحضارات وفي كل البلدان بوصفها وسيلة للتسلية والتعليم والثقافة والمحافظة على غرس القيم الأخلاقية. وعادة كل قصة يحتوي مضمونها على شخصيات وجزء سردي بالإضافة إلى بدايتها ونهايتها.

وإذا نظرنا إلى تاريخ ثقافة رواية قصص الأطفال نجد أنها تطورت بشكل كبير في جميع أنحاء العالم. وبعض أشهر كتاب القصة للأطفال: المؤلف الفرنسي شارل بيرو، والبريطاني لويس كارول، والروسي ليو تولستوي، والألمان الإخوة غريم، الذين كتبوا قصصا مثل سندريلا وآليس في بلاد العجائب، وروبنسون كروزو والأميرة والأقزام السبعة وغيرها من روائع القصص. أما في عالمنا العربي، فبعض أشهر وأكبر الكتاب للأطفال منهم أمير الشعراء أحمد شوقي وأحمد كامل الكيلاني، الذين لديهم قصص مثل حكايات الصياد والعصفورة والسندباد وغيرها. وترى الكاتبة حنان عبد الحميد العناني أن الغرض الرئيسي من أدب الأطفال في العالم العربي والإسلامي في العصور القديمة كان لغرس القيم الأخلاقية في الأطفال وتعليمهم السلوك الحسن، فضلا عن تطوير الخيال. مع تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصالات، تطورت وسائل القص. فأصبحت معظم القصص الآن في جميع أنحاء العالم مترجمة إلى عدة لغات. كما تطورت الطريقة التي تنشر بها القصص خاصة للأطفال إلى كتب مليئة بالصور الملونة وحتى إنها أصبحت تقرأ على الأجهزة الإلكترونية. تقليديا كانت القصص تنقل شفويا وتتوارث من جيل إلى جيل من خلال الذاكرة فكم استمتعنا بالقصص التي رواها لنا أجدادنا وجداتنا، ولكن تغير هذا الآن بشكل ملحوظ، فأصبح معظم الأطفال يهتمون أكثر بشخصيات الرسوم المتحركة وألعاب الكمبيوتر. يحكى عن الفيلسوف اليوناني أفلاطون أنه قال «علينا أن نثمن أنه من الأهمية بمكان أن القصص التي نرويها للأطفال في المقام الأول ينبغي تكيفها أكثر لتعزيز المثالية والفضيلة». ويقول العلماء إن تمضية وقت لقراءة قصة لطفلك لديه فوائد عديدة مثل أن القصص تزيد من ذخيرة الأطفال اللغوية وتساعدهم على تطوير اللغة والمفردات، وتثري خيال الطفل وتحفزه، والقراءة توفر الوقت للطفل للتواصل مع والديه، وتعلم الأطفال القيم الثقافية لمجتمعهم، وتمنح الأطفال فرصة لمعرفة المزيد عن القيم والأخلاق، والشجاعة والحكمة والرحمة، ومن خلال وجود خاتمة سعيدة للقصص توفر الأمل للأطفال فتمكنهم من التغلب على التجارب المؤلمة مثل الطلاق أو فقدان عزيز لديهم، ويمكن أن تكون طريقة مثلى لتلقين درس عن الحياة. قصص الأنبياء (عليهم السلام)، والكتب السماوية التي بسطت لفهم الأطفال، تعتبر أسهل وسيلة لغرس التربية الدينية لأولادنا بلغة يفهمونها. فوائد رواية القصص كثيرة، بما فيها اللحظات التي بها غرابة وإثارة، والقصص التي تحكي عن الأخلاق وثوابت الحياة التي نتذكرها ونستخدمها في جميع مراحل الحياة، والعلاقة الخاصة التي تربط الحكواتي بالمستمع.

علماء النفس عززوا الآثار الإيجابية لقراءة قصص الأطفال منذ عقود. إنها طريقة خاصة لتعليم الأطفال التفكير بواقعية ويمكن أن تبين كيف يستطيع الناس حل مشكلاتهم عن طريق سرد القصة. القدر الذي تؤثر فيه القصص على طريقة تفكير وتصرف الأطفال لا يمكن تجاهله، وخصوصا لأن الأطفال يحبون سماع القصص وتكرارها. مما يجعلها أداة مفيدة لتعليم الأطفال. على سبيل المثال ليلى والذئب، ومحمود الكذاب والبجعة الجميلة التي كانت بطيطة قبيحة، وغيرها من القصص التي تركز على بعض من أهم الدروس وقيم الحياة. القص فن في حد ذاته، فكل راو يضيف لمساته الشخصية للقصة فصوته وأسلوبه يعطيانها خصوصية. ليس هناك خطأ أو صواب في الطريقة التي تحكى بها القصة، وكل شخص يمكنه أن يروي القصة نفسها بطريقة مختلفة تماما وبأسلوب خاص. أهم العناصر للقصة تشمل الراوي، والقصة، والمستمع بالطبع. فمن خلال جذب انتباه طفلك للقصة فإنك قادرة على توصيلها بطريقة إيجابية ومجزية. تنشئة أطفالنا بشكل فعال وبطريقة إيجابية مسؤولية كبيرة يتعين علينا القيام بها. ويشير السيد دانيال قولمان، عضو هيئة تدريس زائر في جامعة هارفارد، أن المنزل هو أفضل مكان لتعليم الأطفال قيم الحياة. ويعتبر أن نظام التعليم الذي اعتمده الآباء في البيت ومستوى الدعم الذي يقدمونه لأطفالهم يؤثر في كل سلوكهم وقدرتهم على حل المشكلات. قراءة القصة لا تحتاج إلى مؤهلات خاصة، المهم هو اغتنام هذا الوقت الخاص مع طفلك. فبكل تأكيد ستكون تجربة ممتعة تعمل العجائب في تغذية طفلك على الإبداع والخيال. تذكروا أن مجهودكم الذي تبذلونه واللحظات التي تقضونها معا سوف توطد العلاقة مع أطفالكم وتغرس في نفوسهم الأخلاق الحميدة وقيم ومثل مجتمعنا. اقتراحات للآباء عن القصة 1. ارو قصصا لأطفالك تكون مناسبة لسنهم. كمثال تأكد من عدم إخافة طفلك بالقصص المرعبة عن الأشباح أو الشياطين، لأنه ما زال صغيرا على فهم مثل هذه القصص. 2. حاول أن تبدأ بحكايات بسيطة، فمعظم الأطفال يفضلون الاستماع إلى القصة نفسها عدة مرات، وفي كل مرة تكون ممتعة لطفلك. 3. حاول الإبداع في قراءة القصة بصوت عال، وتغيير نبرة الصوت أو تعابير الوجه التي يمكن أن تساعد طفلك على تصور القصة. 4. حاول في بعض الأحيان تضمين قصص عن طفولتك، وخاصة عندما يكبر طفلك في السن. 5. ابدأ رواية القصص في وقت مبكر لأطفالك إذا أمكن ذلك، يشير بعض الباحثين إلى أن الأطفال حتى في رحم الأم يمكنهم سماع أصوات أمهاتهم. إذا لم تكن قد بدأت في وقت مبكر، فالوقت لم يفت أبدا الآن. 6. اجعل للقصص وقتا خاصا مع طفلك. تأكد من عدم وجود مشوشات مثل التلفزيون. 7. العب مع طفلك ألعابا تشجعه على تأليف قصص من خياله، من خلال رسم شخصيات من القصص، وهذا سيزيد من إبداعه وتحفيز خياله 8. تأكد من أن القصة التي اخترتها بها رسالة إيجابية وتعلم القيم الإيجابية. فالقصة هي الأداة. وهو ما يساعدك على منح الثقة لطفلك على النجاح كمثال من خلال رؤية البطل يتغلب على الصعاب، فإن الرسالة ستصل إلى طفلك أن أي شيء ممكن. وانه يستطيع أن يفعل ذلك أيضا. 9. اظهر حماسك، إذا كنت متحمسا للقصة، فإن طفلك سوف يلتقط الإثارة مما يجعله يريد الاستماع بعناية أكبر، والمشاركة بقدر أكبر مع القصة. 10. شجع طفلك على التحدث في أي وقت أثناء أو بعد القصة.