هل تقدم «ويكيبيديا» ورقة غش لاختبار «روشوك»؟

هو عبارة عن سلسلة من رسوم صممها عالم النفس السويسري

سجل العديد من علماء النفس اشتراكهم في موسوعة «ويكيبيديا» لكي يطرحوا وجهة نظرهم حول أن الموقع يعرض بذلك أحد أقدم اختبارات التقييم النفسي للخطر (نيويورك تايمز)
TT

هناك اختبارات تكون لأسئلتها إجابات صحيحة أو خاطئة، وتظهر نتيجتها في شكل رقم محاط بدائرة حمراء على قمة الصفحة، وهناك اختبارات تكون إجابات الأسئلة بها مفتوحة حيث تنفذ إلى عقل الممتحن وتفحصه.

وبالتأكيد، يندرج اختبار روشوك ـ وهو عبارة عن سلسلة من رسوم الحبر التي صممها عالم النفس السويسري هرمان روشوك لكي يضمنها كتابه «علم النفس التشخيصي» الذي نشر في عام 1921 ـ ضمن النوع الثاني من الاختبارات.

إلا أنه في الشهور القليلة الأخيرة، انغمست موسوعة «ويكيبيديا» الإلكترونية في جدال محموم اشترك فيه مجموعة من علماء النفس الغاضبين من إعادة إنتاج رسوم «روشوك» العشرة إلكترونيا، مع وضع أشهر الاستجابات لتلك الاختبارات. وبالنسبة لهؤلاء العلماء، فإن ما فعلته «ويكيبيديا» يماثل نشر ورقة الإجابة لاختبار العام القادم للقبول في الجامعات.

فهم يعارضون الأغلبية العظمى لمستخدمي «ويكيبيديا» الذين يشتركون في مبدأ «حرية الثقافة» الذي يتنافى مع حجب بعض المعلومات التي ليس هناك مانع قانوني من نشرها. (وذلك لأن اختبارات «روشوك» كانت نشرت منذ نحو 90 عاما، وبالتالي فقد فقدت حقوق النشر وفقا لقانون الحماية الفكرية بالولايات المتحدة).

وقد أرسل شخص يدعى فوستين يوم الاثنين تعليقا على موقع موسوعة «ويكيبيديا» يقول: «إن الفائزين في تلك القضية هم الذين بسببهم تحولت تلك القضية إلى مسألة شخصية، والذين يتعاملون مع الأمر باعتباره لعبة؛ الفوز فيها يعني الالتزام بطريقتهم. المهم ألا يدعوا أنهم يقومون بشيء آخر سوى الإضرار بعملية البحث العلمي».

وقد وصل ما بدأ بجدال ساخن حول إعادة إنتاج رسم واحد من رسومات الاختبار إلى مستوى آخر في يونيو (حزيران)، عندما أقدم جيمس هيلمان الطبيب بغرفة الطوارئ بمدينة موس جو بساسكاتشوان على نشر الصور العشر في نهاية مقال حول الاختبار، بالإضافة إلى بعض الاستجابات للصور التي كشف البحث أنها الأكثر شيوعا.

يقول الدكتور هيلمان في حوار أجري معه: «لقد أردت أن أجعل الأمر أكثر صعوبة ـ كما أن مسألة نشر صورة واحدة على (ويكيبيديا) بدت سخيفة بالنسبة لي، ولذلك فقد وضعت الصور العشر، ومن هنا ثار كل ذلك الجدل».

وقد سجل كثير من علماء النفس اشتراكهم في موسوعة «ويكيبيديا» لكي يطرحوا وجهة نظرهم حول أن الموقع يعرض بذلك أحد أقدم اختبارات التقييم النفسي للخطر.

وعلى الرغم من أن تلك الرسوم قد نشرت قبل ذلك على مواقع إلكترونية أخرى، فإنها لم تنشر على نطاق واسع حتى ظهرت على موقع «ويكيبيديا» ذي الشعبية الكبيرة، وهو ما أثار قلق علماء النفس.

يقول بروس سميث عالم النفس ورئيس المجتمع الدولي لـ«روشوك» والوسائل الإسقاطية الذي وضع تعليقه تحت الاسم المستعار SPAdoc: «كلما زاد انتشار مثل تلك الاختبارات، تحولت إلى لعبة». وأضاف: «لا يعني ذلك أن الشخص الذي يجري الاختبارات يمكن أن ينخدع بإجابات الممتحن وبالتالي يخطئ في التشخيص، ولكن ذلك يجعل تلك النتائج بلا معنى».

وبالنسبة لعلماء النفس، فإن تحول الاستجابات التي تقدمها اختبارات «روشوك» إلى استجابات بلا معنى يعد تطورا مؤسفا، نظرا لأن هناك كثيرا من الأبحاث التي أجريت ـ في تقدير الدكتور سميث فإنها عشرات الآلاف من الأبحاث ـ لمحاولة الربط بين استجابات المريض وحالات نفسية محددة.

نعم، يمكن استخدام صورا حبرية جديدة، وهي حجة لها قيمتها، ولكن تلك الرسوم الجديدة ليست هي الرسوم التي أجريت عليها الأبحاث ـ «البيانات المعيارية» بلغة الأبحاث ـ والتي تسمح بوضع الإجابات في سياق أكبر.

كما أن قضية علماء النفس الأساسية هي وقوع أدوات التشخيص في أيدي هواة لم يخضعوا للتدريب الملائم لاستخدامها. يقول ستيف بريكلير المدير التنفيذي للعلوم برابطة علماء النفس الأميركية: «يلزمنا الميثاق الأخلاقي الذي يحكم سلوكيات علماء النفس بالحفاظ على سرية الاختبارات. ونحن لا نميل إلى أن ننشر تلك الاختبارات بحيث يتمكن أي شخص من الحصول عليها».

وقد أرسل ألفين بارستاين الحاصل على الأستاذية الفخرية في علم النفس من جامعة تينيسي بنوكسفيل برسالة إلكترونية يعلن فيها عن تفضيله لإزالة الرسوم على الرغم من أنه لا يعتقد أن نشرها سيضر بعملية التحليل النفسي؛ حيث كتب: «إن عملية أن يدرك الفرد تجربته الشخصية هي عملية مرضية تماما. فإجراء اختبار (روشوك) يعني أن تدرك الغامض في سياق شخص ما لديه قدر من الاهتمام بكيفية قيامك بذلك».

وتقول ترودي فنجر المتحدثة الرسمية باسم دار نشر «هوغريف وهوبير» الشركة الألمانية التي اشترت حقوق نشر النسخة السابقة من كتاب «روشوك»، في رسالة إلكترونية الأسبوع الماضي: «نحن ندرس الخطوات القانونية التي يمكننا اتخاذها ضد ويكيميديا» في إشارة إلى المؤسسة التي تدير مواقع ويكيبيديا. وأضافت: «إن ذلك يعد استخفافا مثيرا للدهشة، بل ومثيرا للارتياب. فمن ناحية، اتضح تماما لـ(ويكيبيديا) المخاوف والأخطار التي تترتب على نشر ذلك الاختبار والتي عبر عنها واعترفت بها العلماء والمؤسسات العلمية المهمة. ومن ناحية أخرى، فقد نشرت ويكيبيديا في المقال نفسه الاختبار و(الاستجابات المتوقعة) له».

ولم يبد على مايك غودوين المستشار العام لـ«ويكيميديا» القلق قائلا إنه ضحك قليلا على الحجج الأخلاقية والقانونية التي وردت في تصريح «هوغريف».

وشركة «هوغريف» هي المخول لها إصدار التراخيص لعدد من الشركات الأميركية ببيع تلك الرسوم، بالإضافة إلى مواد موضحة لها، حيث يبيع أحد موزعي تلك الرسوم وهو «الشركة الغربية للخدمات النفسية» الرسوم بسعر يصل إلي 110 دولارات، بينما يبيع الحجم الأكبر منها بسعر يصل إلى 185 دولارا.

وقد شبه الدكتور هيلمان – الرجل الذي بادر بنشر المواد ـ إزالة تلك الصور بمحاولة الحكومة الصينية حجب المعلومات المتعلقة بمذبحة ميدان تيانانمين. فذلك في الأساس صراع حول السيطرة.

ويضيف هيلمان: «إن تقييد حرية المعلومات لأسباب نظرية ليس هو ما نحن هنا لكي نقوم به». وأضاف هيلمان أنه قد استاء من التوقعات بالضرر التي أطلقها الأشخاص الذين أرادوا الحفاظ على سرية اختبارات «روشوك»، قائلا: «أرني الدليل، فأنا لا أكترث لما يقوله مجموعة من الخبراء».

ولتوضيح فكرته، استشهد الدكتور هيلمان باختبار رسم العين البياني لسنلين الذي يبدأ بحرف (E) والموجود على موقع موسوعة «ويكيبيديا». يقول هيلمان: «إذا كانت لدى أحد الأشخاص معرفة سابقة بالاختبار. فيمكنه أن يذهب لأصحاب السيارات ويستدعي الاستجابات المطلوبة لذلك الاختبار من ذاكرته. وفي النهاية يمكن أن يقوم بعمل حادثة. فهل يجب أن نزيل الاختبار من على الموقع؟». مضيفا: «لقد خدع أبي الطبيب بتلك الطريقة».

* خدمة نيويورك تايمز