ألمانيا: قطاع البناء يعول على الخرسانة الجديدة في بناء الجسور والأبراج

غواصة من الخرسانة الخفيفة

لقطة للغواصة «اكتوبر الأصفر» من تصميم جامعة دريسدن التقنية («الشرق الاوسط»)
TT

يستبعد المرء، وهو يشاهد الغواصة الخرسانية الضخمة في دريسدن (شرق)، إمكانيتها على الطوفان أو الغوص، إلا أن العلماء صنعوها من مادة كونكريتية خفيفة تؤهلها للغوص والمناورة بحرية تحت الأعماق. وذكر فرانك يسة، من معدي البناء في دريسدن، أن الخرسانة ما عادت ثقيلة، صلبة ونفاذة للماء، وإنما مطواعة، متينة، مضادة للماء وخفيفة في ذات الوقت.

وشيد مهندسو الجامعة التقنية في دريسدن الغواصة، ويبلغ طولها 17 مترا، من مادة خرسانية جديدة يتوقع أن تحدث ثورة في عالم البناء. ورغم الشكل الخراساني الضخم الذي تظهر فيه الغواصة فإنها متسعة تماما من الداخل بفضل جدرانها الدقيقة. فسمك جدران الغواصة، التي تقاوم ضغط الماء في الأعماق، لا يزيد عن 3 سم وهو سمك ضئيل مقارنة بجدران الغواصات الحديدية التقليدية. وقال يسة إن العلماء استخدموا الخرسانة في ترميم المباني وفي صناعة قطع الأثاث وفي تشييد الجسور الصغيرة قبل أن يقرروا بناء الغواصة الخرسانية «اكتوبر الأصفر». واستخدم يسة، وهو رئيس قسم المنسوجات في الجامعة، الكربون والألياف الزجاجية في صناعة الخرسانة المطاوعة بدلا عن الحديد الثقيل المستخدم في صناعة الكونكريت المسلح.

ويبدو أن لاسم «اكتوبر الأصفر» علاقة بموعد تدشين الغواصة رسميا في اكتوبر (تشرين الاول) المقبل، ولا يمت بصلة إلى اكتوبر الأحمر الروسي المعبر عن الباخرة بوتمكين وثورة اكتوبر البلشفية. وأشار يسة إلى أن فريق العمل يريد أن يظهر للعالم إمكانية إنتاج مختلف مواد البناء القوية عن طريق مزجها بالمنسوجات. ويعمل فريق يسة منذ التسعينات على إنتاج مختلف المواد الرابطة باستخدام المنسوجات.

من ناحيته، قال مانفريد كورباخ، من معهد المواد الجديدة في دريسدن، الذي يشارك في المشروع، إن الخرسانة الجديدة ستنقل قطاع البناء من عالم «الخيال العلمي» إلى العالم الحقيقي. وسبق للمشروع أن شارك عام 2006 في المعرض الوطني للحدائق من خلال بناء جسر متين من الخرسانة الجديدة. واستعرض العلماء في المعرض جسرا بطول 9 أمتار تم بناؤه باستخدام سمك ألواح خرسانية سمكها 3 سنتمترات فقط. وبلغ وزن الجسر، مع المواد الأخرى، فقط خمس وزن الجسور الأخرى المصنوعة من الحديد والخرسانة. ونجح الباحثون بعد ذلك في مد جسر حقيقي بطول 17 مترا في مدينة الغوي تمت صناعته من الخرسانة النسيجية الجديدة. ويربط الجسر حاليا بين ضفتي مدينة الغوي رغم أنه مصنوع من ألواح خرسانية سمكها 3 سنتمترات ووزنها 12 طنا. وقارن كورباخ بين بناء الجسور الاعتيادية من الحديد والخرسانة وبين بناء الجسور مستقبلا باستخدام الخرسانة النسيجية. إذ يحتاج الجسر التقليدي، المبني من هيكل من الحديد، إلى غلاف كونكريتي سمكه 3,5 سنتمتر لحمايته من التأكسد والتآكل بمرور الوقت. ويبلغ سمك الهيكل في الجسور التقليدية نحو 7- 8 سم من الحديد الثقيل، وهذا يعني أن استخدام ألواح الخرسانة النسيجية سيقلل وزن وحجم الجسر الخارجي في آن واحد. وعادة تتحول الخرسانة المسلحة التقليدية، بمرور الوقت، إلى اسمنت مسامي يسمح بمرور الماء والرطوبة ويؤدي بالتالي إلى تآكل الحديد. ويزداد حجم الهيكل الحديد للجسر بفعل التأكسد مع الماء ويؤدي إلى حدوث شروخ في بنيته الخرسانية، هذا في حين أن الخرسانة النسيجية مكونة من جزيئات بالغة الصغر لا تسمح بمرور الماء والرطوبة.

وتلعب مطواعية الخرسانة النسيجية دورا هاما في تفوقها المستقبلي على المواد الأخرى. فمطواعية المادة، وإمكانية إنتاجها بأشكال مختلفة، تجعلها مثالية في ترميم المباني القديمة والأبراج وقنوات المياه. كما أن وزنها الخفيف لا يثقل المباني القديمة ولا يعرضها للانهيار. وربما أنها ستصبح مادة هامة في الفن بالنسبة للنحاتين أيضا، لأنها تضمن تشكيل تماثيل لا تتأثر بالأجواء. وصنع العلماء من المادة قوارب (كانو) سباق خفيفة لا يزيد وزنها عن 20 كغم وبسمك جدران 1- 2 ملم.

وتم تجريب الغواصة «اكتوبر الأصفر» عدة مرات في بحيرة «باغر» وأثبتت فعالية كاملة. وهي غواصة حقيقية، الغرض منها هو الإعلان الخرسانة النسيجية الجديدة، تتألف الغواصة من 7 وحدات صغيرة من ألواح خرسانية يتراوح سمكها بين 1 سم في الداخل و 3 سم إلى الخارج. ويتألف الجدار الخارجي من 3 ألواح من الخرسانة النسيجية، سمك الواحدة 1 سم، تمنحها قوة مضاعفة لمقاومة ضغط الماء. ويتسع نموذج الغواصة المعروض في دريسدن إلى شخصين يحركانها بواسطة عجلات كما يحرك الإنسان الدراجة الهوائية، ومزودة بمروحة خلفية.