أميركا.. قطاع الصحف يواجه ضغوطا كبيرة بسبب انخفاض المداخيل

شركات كبرى تلجأ لتقليص حجم الصفحات وتوحيد العمليات بين الصحف لخفض التكاليف

TT

في الاسابيع القليلة الماضية ألغت صحيفة «سان دييغو يونيون تريبيون» اكثر من 100 وظيفة وهو عُشر قوة العمل بها. وبدأت صحيفة «شيكاغو صن تايمز» عملية استغناء عن الموظفين، ثم عرضت نفسها للبيع. وفي منيابوليس وفيلادلفيا حذر الناشرون من احتمال ان تؤدي الضغوط الاقتصادية الى الاستغناء عن عمال. وكانت مثل هذه الاخبار قبل فترة ليست بالطويلة يمكن ان تؤدي الى تعليقات ومشاعر قلق، ولكن في الشهور القليلة الماضية اصبحت عملية الاستغناء عن العاملين روتينية لدرجة انها لم تعد تؤدي الى اية ردود افعال تذكر خارج نطاق المدينة التي تنشر فيها الصحيفة. ومنذ عام 2007، فرضت عملية الانكماش ـ التي تصحبها عادة تقارير مالية سيئة ـ في صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» و«سياتل تايمز» و«سان خوزيه ميركوري» و«يو اس ايه توداي» والعديد من الصحف الاخرى. والحديث عن اختفاء الصحف اقدم بكثير من عديد من المحررين الذين يكتبون عنه، ولكن ما يحدث الان هو شيء جديد، شيء اكثر جدية من اي شيء تعرض اليه الناس منذ عدة اجيال. فقد بدأ العام الماضي بصورة سيئة وانتهى بوضع أسوأ، مع انخفاض الارباح وانهيار اسعار الاسهم، ويبدو ان العام الحالي سيصبح مثل الذي سبقه، ما ادى الى احاديث عن نقطة تحول سوداء. وقال بريان تيرني ناشر صحيفة «فيلادلفيا انكورير» و«فيلادلفيا ديلي نيوز»: «انا شخصية متفائلة، ولكن من الصعب للغاية ان تصبح ايجابيا بخصوص ما يجري. ان السنوات القليلة المقبلة هي سنوات انتقالية، واعتقد ان بعض الصحف لن تتمكن من الاستمرار». تجدر الاشارة الى ان الاعلانات التي تمثل 80% من عائدات الصحف ترتفع وتنخفض تبعا لمسار الاقتصاد. ولكن في العام ونصف العام الماضي انكسرت هذه الرابطة، ولا يتوقع المديرون اصلاحها تماما في وقت قريب. ففي عام 2007 انخفضت عائدات الصحف المطبوعة والانترنت بنسبة 7 في المائة. وفي العقود الستة الماضية انخفضت مبيعات الصحف في عام واحد وهو عام 2001 ـ الذي شهد ركودا اقتصاديا، طبقا لجمعية الصحف الاميركية. وبالمقارنة اذا وضعنا التضخم في الحساب فإن عائدات الاعلانات في العام الماضي كانت اقل بأكثر من 20 في المائة بالمقارنة بعام 2000. وقد انخفضت عائدات توزيع الصحف بصورة منتظمة منذ عام 2003، كما انخفض عدد الصحف المباعة بنسبة 2 في المائة سنويا. وقد خسرت عدة صحف كبرى مثل «سان فرانسيسكو كرونيكل» و«بوسطون غلوب» و«لوس انجليس تايمز» ما يتراوح بين 30 الى 40 في المائة من توزيعها في سنوات قليلة.

وقد تسارعت عملية نقل الاعلانات من الصحافة المطبوعة الى الانترنت ولا سيما الاعلانات المبوبة في العام الماضي. كما ادت مشاكل قطاع العقارات ولا سيما في كاليفورنيا وفلوريدا الى مشاكل كبيرة بالنسبة للصحافة المطبوعة. فقد انخفضت المطبوعات بنسبة 20 في المائة في بعض الصحف.

وبصفة عامة انخفضت الاعلانات المحلية بينما لا تزال الاعلانات القومية قوية، كما ذكرت الكسيا كورداني المحللة في «بير ستيرنز اند كومباني». وفي الايام القليلة الماضية اعلنت عدد من شركات نشر الصحف نتائج ضعيفة في شهر ديسمبر، وحذروا من ان نتائج شهر يناير سيئة وان الاوضاع ستزداد سوءا في فترات الركود. وذكر مديرو صحف ومحللون ان الامر قد يستغرق ما بين خمس الى عشر سنوات لاستقرار الاوضاع المالية في القطاع وان العديد من الصحف التي ستتمكن من الاستمرار ستصبح صغيرة وستحد من الصحافة الطموحة. وربما تبحث بعض الصحف عن مشترين، ولكن ليس من الواضح حجم سوق الصحف المطبوعة المتبقي. والاختبار الاول سيأتي من جانب «صن تايمز ميديا غروب» التي اعلنت يوم الاثنين انها بعد تعرضها لخسائر كبيرة واغلاق العديد من الصحف الاسبوعية الصغيرة، ستحاول بيع أي من اصولها، بما في ذلك صحيفتها الكبرى «صن تايمز». وربما يسعى البعض الاخر الى حماية نفسه من تقلبات السوق بالتحول الى مؤسسة لا تسعى للربح او التحول لمؤسسة خاصة، وهو ما فعلته شركة تريبيون أخيرا. بينما تحمي بعض المؤسسات الاخرى مثل «واشنطن بوست» و«ايه دبليو سكريبس» نفسها من تقلبات السوق بوجود ممتلكات غير صحافية لديها ذات ارباح عالية، ولكنها اضطرت ايضا للاستغناء عن العاملين.

ويقول محللون، بمن في ذلك كثير من المسؤولين التنفيذيين، ان الصحف لم تبذل جهدا يذكر في التكيف مع الانترنت والعمل بصورة جادة لبيع الاعلانات التجارية. ويقول تيرني انه بالإمكان تغيير الوضع القائم ولكن ذلك لا يعني التخلص من آثاره تماما. ويأتي حديث تيرني مغايرا للهجته عام 2006، عندما كان يقود مجموعة من مستثمرين دفعوا مبلغ 515 مليون دولار للصحيفتين بفلادلفيا، وكان في ذلك الوقت متفائلا وأعرب عن ثقته بإمكانية تقديم أداء يرضي القراء والمعلنين على حد سواء. من خلال عمليات تسويق فاعلة وذكية تمكنت صحف تيرني من المواصلة والمحافظة على ثبات نسبة التوزيع، إلا ان الإعلانات تراجعت مع تراجع بقية قطاع النشر الصحافي. ولا تزال أرباح الصحف في حال لا بأس به لكنها في تراجع سريع. فعلى سبيل المثال، صحف «ميديا جنرال» حققت هامش أرباح بلغ 17 بالمائة العام الماضي، إلا ان قيمة الدولار تراجعت بنسبة 23 بالمائة مقارنة بالعام السابق. كما ان قسم الصحف بشركة «غانيت» حقق هامش ربح نسبته 21 بالمائة، وهي نسبة تقل 10 بالمائة مقارنة بالعام السابق.

* خدمة «نيويورك تايمز»