أبوظبي تستثمر 22 مليار دولار في إنشاء أول مدينة نظيفة في العالم

الخليج مقبل على تغيير مناخي: مدينة «مصدر» تخفض الحرارة 20 درجة عن المعدل الطبيعي

لقطة تخيلية لشوارع المدينة الجديدة («الشرق الأوسط»)
TT

هل من الممكن أن يأتي اليوم الذي تسجل فيه درجات الحرارة في منطقة الخليج في شهر أغسطس (آب) 20 درجة فقط؟ لن يكون مثل هذا التغيير المناخي من الآن وصاعدا، هو حلما خليجيا فحسب، بل حقيقة تسجلها مدينة مصدر، التي ستكون أول مدينة نظيفة في العالم، ووضع حجر أساسها أمس الأول في أبوظبي.

ومن اليوم وصاعدا، ستتوجه أنظار العالم أجمع باتجاه العاصمة الإماراتية، التي ستغدو أول مدينة في العالم خالية من الانبعاثات الكربونية والسيارات والنفايات، بميزانية تبلغ 22 مليار دولار أمريكي، فيما سيستغرق العمل في المشروع 8 سنوات.

ويمكن القول إن المدينة ستغير من مناخ المنطقة، حيث ستساهم الشوارع المظللة للمدينة في خفض درجة حرارة الأماكن الخارجية بمقدار 20 درجة مئوية تقريبا، مما يتيح للسكان إمضاء وقت أطول في الخارج، مقارنة بالهامش الزمني الضئيل المتاح حالياً في دول الخليج نتيجة الحرارة المرتفعة ورطوبة الصيف. كما أن التخطيط المدروس للحدائق والتشكيلات المائية، يساهم في خفض درجات الحرارة، ناهيك من إضفاء لمسة جمالية على الشوارع. ولعل اللافت أن حفل تدشين المدينة، الذي جرى مساء أمس الأول، بحضور إماراتي رفيع يتقدمه الفريق اول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة، جرى بدون الاعتماد على أي من وسائل الطاقة التقليدية، وتمت تلبية كافة احتياجات حفل التدشين من الكهرباء بالطاقة الشمسية التي أنتجتها الألواح الكهروضوئية التجريبية الخاصة بمدينة مصدر. وتمكنت هذه الألواح، منذ أن بدأت في تغذية شبكة الكهرباء الوطنية بالطاقة في ديسمبر 2007، من إنتاج ما يزيد على 5500 كيلو واط ساعة، الأمر الذي جنّب البيئة مضار انبعاث ما يزيد على أربعة أطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون.

ويقول الدكتور سلطان أحمد الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) ان أحد الأهداف الرئيسية لتمويل وتطوير «مدينة مصدر» يتمثل في «تمويل الكربون» وذلك عبر منح الانخفاض المحقق في الانبعاثات الكربونية داخل المدينة قيمةً ماليةً بموجب آلية التنمية النظيفة المنبثقة لبروتوكول كيوتو، «وهي سابقة لم يشهدها العالم من قبل في تطبيق اسلوب تمويل مبتكر على نطاق مدينة بأكملها».

ستكون «مصدر» أول مدينة على اليابسة خالية من السيارات والشاحنات التي تعمل بالوقود الأحفوري. ومن خلال نظام النقل الشخصي السريع ونظام نقل المواد السريع وأحدث تقنيات قطاع النقل، ستعيد المدينة صياغة مفهوم نظام المواصلات في المدن الذي نعرفه حالياً.

ويتكون نظام النقل الشخصي السريع (PRT) من 2500 مركبة تقوم بـ150 ألف رحلة يومياً، أما نظام نقل المواد السريع (MRT) فسوف يشهد 5 آلاف رحلة يومياً. ويقول مسؤولو المدينة إنه ومن خلال تطبيق هذه التقنيات، ستحقق «مدينة مصدر» وفراً تتجاوز قيمته ملياري دولار من النفط على مدى 25 عاماً، بحسب الأسعار السائدة حالياً للنفط والغاز، كما ستوفر ما يزيد على 70 ألف فرصة عمل، وتسهم بأكثر من 2% سنوياً من إجمالي الناتج المحلي السنوي لإمارة أبوظبي. وستشهد المدينة مستويات غير مسبوقة في انخفاض الطلب على العديد من الاحتياجات، بما في ذلك الطاقة والمياه ومكبات النفايات.

فعلى سبيل المثال سوف تحتاج مدينة مصدر إلى نحو 200 ميغاواط من الطاقة النظيفة، مقابل أكثر من 800 ميغاواط بالنسبة لمدينة تقليدية بنفس الحجم.

كما ستحتاج المدينة إلى حوالي 8 آلاف متر مكعب من مياه التحلية يومياً، مقارنةً بأكثر من 20 ألف متر مكعب يومياً بالنسبة لمدينة تقليدية.

وتحتاج مدينة تقليدية بهذا الحجم إلى مكبات مساحتها ملايين الأمتار المربعة، في حين أن مدينة مصدر لن تحتاج عملياً إلى مكبات.

وستكون «مصدر» التي ستتمتع بصفة المنطقة الحرة والتي ستحتضن 1500 شركة و50 ألف نسمة، مقراً لكبريات الشركات العالمية، وأبرز خبراء الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة. وسيتم تخصيص 30% من مساحة «مدينة مصدر» للسكن، و24% لمنطقة الأعمال والأبحاث، و13% للمشاريع التجارية بما فيها الصناعات الخفيفة، و6% لـ«معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا»، و19% للخدمات والمواصلات، و8% للفعاليات المدنية والثقافية.

أما بالنسبة للمياه، فستكون «مصدر» واحة وسط صحراء، من خلال استخدام المياه شبه المالحة وغيرها من الموارد المائية المحلية، إضافة إلى تقنيات متطورة لمعالجة المياه، والتدوير، وخفض إجمالي الطلب على المياه.

وستخفض «مصدر» استهلاك المياه المنزلية إلى ما دون 80 لتراً للفرد الواحد يومياً، مقارنة بما يتراوح بين 120 ـ 180 لتراً بالنسبة للأنظمة المتطورة الأخرى. ولن تكون «مدينة مصدر» بحاجة إلى مكبات نفايات التي تحتاجها المدينة التقليدية، وذلك من خلال تطوير أنظمة وإتاحة الفرصة لأنماط حياة تخلو من فكرة النفايات أساساً، وذلك عبر استراتيجية إعادة استخدام وتدوير المخلفات، حيث من المقرر أن يتم تدوير 90% من نفايات المدينة بحلول عام 2020، على أن يتم في النهاية وقف إرسال أية نفايات إلى المكبات نهائياً.