السعودية.. وجهة العرب «العضوية»

تنافس دولي على التمر الفاخر.. والزيتون البري ينال مجموعة جوائز عالمية لجودته

إقبال عالمي على الأطعمة العضوية على الرغم من ارتفاع أثمانها مقارنة بمثيلاتها العادية (ا ف ب)
TT

في حين تعتبر دعوة الغداء لمطعم ألماني يقدم الطعام «العضوي» دعوة فاخرة لارتفاع ثمن هذا النوع من الوجبات والسمعة الدولية للمنتجات الألمانية العضوية، التي سبقت العالم بقرنين من الزمان، ينتظر أن تتحول بوصلة الغذاء الصحي عربياً إلى السعودية، التي أعلن أخيراً عن تربعها على عرش الإنتاج العضوي العربي، ويتوقع الخبراء أن يصبح تبضع الأغذية العضوية أو ما يعرف بـ«أورجانك فود» المنتجة في السعودية هي الأغلى عربياً، مما جعل دعم الحكومة السعودية يتوجه حديثاً إلى تطوير هذه الأنشطة والحفاظ على تصدرها تمهيداً لجعل العاصمة السعودية الرياض قبلة العرب «العضوية».

ومن اللافت أن يتصادف التتويج السعودي مع اعلان انطلاقة ملتقى بيوفاخ، الذي يعد أضخم سوق «عضوي» دولي، وذلك في مدينة نيورمبيرغ الألمانية، التي تعتبر بمثابة الأب الروحي للصناعات العضوية، حيث افتتح أبوابه الأربعاء الماضي، بعد أن حضره نحو 45 ألف زائر خلال العام الماضي 2007، فيما يعد معرض بيوفاخ ملتقى عالميا لتلاقح الأفكار والابتكارات الحديثة في مجال الإنتاج العضوي، وفرصة سنوية لاكتساب الخبرات الدولية في هذا الشأن، وهو ما تتطلع إليه عين المؤسسة الرسمية المعنية بقطاع الاستثمار الزراعي في السعودية، التي شاركت بوفد من الخبراء والمهتمين الطامحين لنيل حصة من الكعكة «العضوية» العالمية.

وعلى الرغم من انتشار أنظمة وأنشطة الزراعة العضوية في العديد من الدول الأوروبية وأميركا الشمالية وشرق آسيا وأفريقيا، فإنها ما زالت قليلة التأثير وغير منظمة في العالم العربي، وهو ما يجعل القفزة الماراثونية التي حققتها السعودية في احتلالها للمرتبة 24 عالمياً من حيث حجم الزراعة العضوية، حسب آخر إحصائية اتحاد المنظمات العضوية العالمي، قفزة لافتة ومثيرة، خصوصاً أن الحكومة السعودية لم تبدأ بتفعيل برامج الزراعة العضوية إلا في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد تدشين مشروع تطوير الزراعة العضوية، الذي أصبح حديث الوسط «الزراعي» السعودي أخيراً، والذي قام بتكريس موضة «الأيام العضوية» المقسمة تاريخياً وجغرافياً لتغطية جميع المدن والمحافظات السعودية تباعاً.

وعملاً بمقولة «كل جديد مرفوض»، روَّج بعض السعوديين منذ فترة لمعلومات مغلوطة مفادها أن الزراعة العضوية ما هي إلا زراعة الآباء والأجداد، بينما يرد المهندس رياض شنين، مساعد مدير مشروع تطوير الزراعة العضوية في السعودية، على هذه الشائعات قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك آراء ونظرات إما مبالغ بها أو لا تفي بما يمكن توقعه منها.. والمعلومات عن الزراعة العضوية في السعودية مازالت قليلة وسطحية، لأن الزراعة العضوية تتبع أساليب وطرق بحث وتطبيق لم يعهدها الأولين ولا المزارعين الذين يستخدمون الأسمدة والمبيدات الكيماوية».

وأضاف شنين ليبرئ ساحتهم الزراعية بالقول «نحن نستخدم أسمدة ومبيدات طبيعية وهذا ما يميزنا عن غيرنا».

وعند سؤال شنين عن مدى قدرة السعودية على احتلال مكانة أكثر تقدماً في التصنيف الدولي وطبيعة المنتجات العضوية المختلفة، التي ستميزها وتساعدها في الحصول على حصة من الأسواق العضوية العالمية، فصَّلها قائلاً: إنها «تشمل أصناف التمور العضوية الفاخرة والفريدة الموجودة اليوم بالسعودية، إلى جانب الأصناف الفاخرة من زيت الزيتون البكر والعضوي»، واستدرك شنين بالقول إن «هناك طلبا عالميا واسعا على هذا النوع لجودته».

وينتظر أن يدعم السعوديون المشروعات العضوية النامية في بلادهم، كونهم من أكثر الشعوب العربية إقبالاً على شراء المنتجات العضوية المستوردة، بنسبة بلغت 15 في المائة من إجمالي الشعب، حسبما تفصح الإحصائيات الحديثة، في حين يقول المهندس شنين إن «هناك إقبالا واسعا من المستهلك السعودي على شراء المنتجات العضوية، رغم قلة المعلومات والتوعية بهذه المنتجات، ونتيجة لشدة الطلب على هذه المنتجات المعروفة لا يستطيع المُنتج السعودي تلبية طلب المستهلك، ولذا يتم استيراد ما ينقص بالسوق»، وهو ما يراه شنين مرحلة مؤقتة لن تستمر طويلاً، خاصة بعد تفعيل برامج وخطط مشروع تطوير الزراعة العضوية في السعودية.

ويهدف هذا المشروع، الذي دشن منذ سنتين، إلى وضع النظم والتشريعات للزراعة العضوية وتأسيس الجمعية السعودية للزراعة العضوية كي تكون ممثل القطاع الخاص في هذا المجال، كما يبين الدكتور سعد الخليل، وهو مسؤول حكومي في وزارة الزراعة السعودية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهام المشروع تتضمن اقتراح شعار موحد للإنتاج العضوي بالسعودية وتدريب وتأهيل المختصين في القطاع العام والمزارعين في هذا المجال». فيما تمثل الموافقة الحكومية التي صدرت أخيراً، على تأسيس الجمعية السعودية للزراعة العضوية ودعمها بمبلغ اجمالي قدره 18 مليون ريال (4.8 مليون دولار) اللبنة الأساس لدخول السعودية إلى عصر المنتجات العضوية ومؤشراً على نضج التجربة «العضوية» المحلية، حيث يقول الدكتور الخليل لـ«الشرق الأوسط» بأن «نشاط الزراعة العضوية السعودي أصبح يحظى برعاية خاصة من الملك مباشرة، الذي تهمه النواحي الصحية للغذاء الوارد للأسواق المحلية».

وكما هو حاصل في بقية دول العالم من ارتفاع أسعار المنتجات العضوية، الذي بات يقلق المستهلكين حيال صحتهم وأنماط الحفاظ على التنمية المستدامة، يؤكد الدكتور الخليل أن المنتجات العضوية السعودية هي أيضاً ستخضع لهذا الارتفاع، بقوله «إن فرق السعر سيكون معقولاً ولن يتجاوز حدود 30 إلى 40 في المائة تقريباً». مضيفاً أن التمور السعودية ستستفيد من هذه الخاصة لأنها أثبتت جدواها في الزراعة العضوية، مما يجعلها مهيأة للتسويق المحلي والعالمي.

وفي حين يتبادر إلى الذهن صعوبة التغلب على الظروف المناخية الصعبة والتربة الخفيفة الجافة التي تميز السعودية، يرد المهندس عبد الله التركي، وهو باحث زراعي، على هذه التساؤلات قائلاً: إن «السعودية لديها مناطق مناخية مختلفة عن بعضها البعض ابتداءً من الجوف وانتهاءً بجيزان، وعليه فإن التحول يكون حسب مناخ وطبيعة المنطقة». ويضيف التركي لـ«الشرق الأوسط»، أن دورهم في المشروع يتضمن «دعم هذا التحول وإيجاد حلول لزيادة خصوبة التربة وأيضاً في عملية الوقاية والمكافحة ومساعدة المزارعين المختارين من مختلف مناطق المملكة في إنجاح عملية التحويل».

وبيَّن التركي الذي يعمل مساعدا لمشروع تطوير الزراعة العضوية، أن السعودية ما زالت في بداية الطريق في هذا المجال، والمستقبل أمامها مفتوح والخيارات واسعة من إنتاج وتصنيع وكذلك على مستوى توثيق هذه المنتجات، حيث أن جميع المنتجين الحاصلين على الشهادة العضوية موثقين من قِبل شركات توثيق أجنبية ذات معايير دولية، ويستدرك التركي بالقول، إنه يتمنى «أن تكون هناك شركات توثيق محلية بعد صدور لائحة الزراعة العضوية السعودية التي يجهزها المشروع، وسوف تطرح قريباً لتكون الأولى على مستوى دول الخليج».

فيما يتطلع السعوديون إلى أن تشهد الفترة القادمة مرحلة عضوية مزدهرة تنهي سنين عجافاً من التأخر الغذائي والاتكال على الأطعمة الدهنية والمزروعات المعالجة كيماوياً، خاصة بعد رواج محلات ورفوف المنتجات العضوية داخل «السوبرماكت» و«الهايبرماركت»، التي تحولت أطعمتها العضوية إلى «موضة» سعودية واسعة الانتشار، ترعاها الحملات الدعائية لبرامج التنمية المستدامة، وكتب علم «الماكروبيوتك»، ونصائح خبراء التغذية واختصاصيي برامج الحمية واللياقة البدنية.